الأقيال

مقال. د. لمياء الكندي جرعة وعي مكتمله ، ليس من حيث…


مقال. د. لمياء الكندي جرعة وعي مكتمله ، ليس من حيث المعلومه والاسلوب السردي السلس وحسب بل ايضا لثراءه للغوي والتاريخي والسياسي والاجتماعي ، انصح بقراءته ،

قوة الوعي تهزم شبهات العصابة

د. لمياء الكندي

إن الحديث عن سطوة الإمامة وانتصارها على الشعب، هو حديث بائس يسعى الإماميون القدامى والجدد إلى ترسيخه في أذهان اليمنيين عبر العصور، فبعد مشاهد الواقع الحربي الذي يفرضه هؤلاء على اليمنيين، والذي على إثره يتمكنون من بسط نفوذهم وسلطتهم هذه، تجدهم يتمادون في فرض واقع قمعي جديد، هو أهم تجليات ومآثر الحكم لدى جامعتهم العصبية.

ليجد اليمنيون أنفسهم مخيرين بين واقع حربي وقتالي دائم، يتمادى الإماميون في تصدير أبشع جرائمهم عليه، أو يجدوا أنفسهم رهائن جماعية تتشكل في القرى والمدن وكل الحواضر اليمنية، ترزح هذه المجاميع تحت قبضتهم الأمنية الطاغية، ويخضعون إلى سلطة الأمر الواقع، بكل ما تفرضه أدواتهم وأساليبهم التي تنتمي للواقع الحربي ذاته الذي يسعون أن يكون الحاضر الدائم في حياة اليمنيين.

وعلى الرغم من ذلك، كان اليمنيون ولا يزالون، يرفضون كافة أشكال التسلط الإمامي بكل ما تمكن وتيسر لهم من إمكانات المقاومة، التي لم تخفت عبر مراحل تاريخهم، لتتشكل هذه المقاومة على شكل واقع حربي رافض على الإطلاق للوصاية الامامية على اليمن أرضا وأنسانا، ولنا في تاريخ الانتفاضات والحروب اليمنية ضد الدولة الامامية منذ نشوئها وحتى اليوم خير دليل، فلم تقف جميع تلك الدول والممالك موقف المتفرج والمستسلم لمخططات الامامة، فمن الرسوليين إلى الطاهريين إلى الصليحيين إلى غيرهم من رجال وتبابعة اليمن، وقبائلها العديد من المواقف والحروب المشرفة، التي وان انتهت بانكسار مؤقت تجاه الجحافل الامامية الغازية، إلا إنها كانت ولا زالت، تعبر عن نفسها كأحد أهم أشكال الرفض اليمني لهذا الحكم والمقاوم له.

ناهيك عن حركات الإصلاح الدينية، والمذهبية، والسياسية، والفكرية، والادبية، التي حاولت جاهدة الوقوف في وجه السلطة الامامية البائدة والحاضرة حتى اليوم.

لقد تشكل الوعي الجمعي لليمنيين عبر العصور ليشكل بؤرة مقاومة تستنزف طاقات وأفكار وسياسات وجهود الإمامة، وقد أثمر ذلك الوعي في سلسلة من الثورات والانقلابات وحركات التمرد والانتفاضات، التي تكللت في أهم انجاز وانتصار ثوري وفكري وحقوقي، حققه اليمنيون بامتياز عبر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة.

وبحكم الردة الجمهورية التي فرضتها القوى الامامية الناعمة، على اليمنيين طيلة العهد الجمهوري، والتي انتهت بسيطرة الحوثيين على مؤسسات الحكم في صنعاء، إلا أن نواة المقاومة الشعبية والسياسية، والفكرية والاجتماعية والقبلية، مازالت حاضرة في المشهد العام في اليمن ككل، وان اختلفت درجاتها، وأشكالها من مدينة إلى أخرى، إلا إن هذه المجاميع الإمامية الحاكمة لم تنجح في فرض مشاريعها الكهنوتية العنصرية إلا بالقدر الذي يمكنها من إظهارها كأداة للقتل والبطش واللصوصية عبر سلطتها العسكرية وأجهزتها الأمنية ولجانها الشعبية.

وبرغم ذلك تظل قناعة الغالبية من الناس ترفض سرا وجهرا وحتى عن طريق الحياد الذي يظهره البعض، وجودهم وسلطتهم، وواقعهم المفروض.

علينا أن ندرك ونحن نعيش في ظل سلطة العصابة الحوثية، أن سياسة القهر والإرهاب والخوف والفقر، هي من خلقت هذا النوع من التسليم لهم عند الفئات الشعبية التي تزيد حاجتها يوم عن يوم، للتخلص من هذا النظام الفاجر الذي كفر بكل مقومات الحياة والحقوق والواجبات تجاه من يدعي تمثيلهم وحكمهم.

وأمام كل ذلك علينا أن نتيقظ للحملات الحوثية التحريضية ضد الشرعية التي تقاتل عنا في مأرب والجوف ونهم وغيرها، التي تصور بطولات الجيش اليمني وقبائله الجسورة، على أنهم مرتزقة ومهزومون، وتصور هزائمهم الفعلية اليومية أمام رجال الجيش وقبائله، انتصارات حوثية، وتحاول سحب بساط المجد من تحت اقدامهم الثابتة.

علينا أن نحذر من الانكسار أمام لغة الهزائم والانتصارات التي يدعيها الحوثيون على أبواب مأرب، وان نلتفت لتلك البطولات التي يسطرها اليمانيون هناك.

علينا أن نزهو بانتفاضات الرجال والقبائل وكل أحرار اليمن، الذين يعرون سدنة الامامة ورجالها من شرف الرجولة، وندير عيوننا وقلوبنا صوب المقاتلين الذين يدافعون ليس فقط عن مأرب والجوف، بل من أجلنا ولأجلنا، لأجل ن ينزعوا رداء الخوف الذي يغطي سقف مدننا وبيوتنا، يقاتلون من أجل أن يرفعوا سلطة القهر والظلم والإجحاف، من أجل أن تعود حقوق المعلم والعامل والطبيب والتاجر والمزارع وغيرهم، دون أن يتم المساس بكرامتهم والانتفاع بجهدهم وأرزاقهم ومقاسمة لقمة عيشهم البسيطة.

علينا أن نكون يمنيين بحجم اليمن الكبير الذي يجمع ولا يفرق، يسود ولا يتسيد، يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرق.

ولعل البعض يسأل كيف ومن له القدرة على إعادتنا إلى سابق عهدنا، ويعيد سرد مواقف وخيانات من أشخاص معدودين يحسبهم يمثلون الشرعية، ليوجد لنفسه المبرر لحالة انكساره واستسلامه لسلطة العصابة الحوثية، على هؤلاء أن يدركوا أن من يقاتل الحوثيين اليوم إنما يقاتل لأجل اليمن، لأجل الدولة. نعم تمثل الشرعية وقادتها اليوم النسق أو الإطار العام للدولة، ولكنهم رجال دولة موظفون فيها، بلا عقيدة سلالية، ولا نظرية استعلائية، لا يشكل وجودهم حالة دائمة في المستقبل اليمني ولا ماضيه، ليسوا أدعياء البطنين، وليسوا كهنوتيين ولا عنصريين سلاليين، إنهم بناء المرحلة الراهنة، والظرف الراهن وسقفه وواجهته، سيطيح الشعب بفاسدهم ومارقهم، وسيحاسبهم متى ما عادت دولته وشرعيته، وأعني بها دولة الشعب وشرعية الشعب لا الأشخاص ولا الأفراد أياً كانوا، متى ما استعادت صنعاء يمنيتها وعروبتها، سيتغيرون بتغير ظروف المكان والزمان، طالما حافظنا على مبادئنا الجمهورية ودعمناها كمشروع جامع لكل اليمنيين.

أما أدعياء السلالة الحوثية وسابقوهم، فلا يؤمنون بتغير ظروف المكان والزمان، ولا باختلاف العصور ولا حركة التاريخ، ولا بوعي الشعوب، ما زالوا يفتحون أعينهم على ماض سحيق من الظلامية والمذهبية والعنصرية السلالية، التي لم ولن يؤمنوا بغيرها. وهذا لوحده كافٍ أن توجه كل أسلحتنا وأقلامنا وأفكارنا، تجاه مشروعهم الأسود، كي يشرق بيننا سبتمبر الخالد من جديد.

. الصورة لمقاتل صنديد أسعف زميله الجريح ثم عاد الى خطوط النار (عدسة سليمان النواب)

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى