الأقيال

القردعي بطل اليمن الأسطوري في العصر الحديث ،…


القردعي بطل اليمن الأسطوري في العصر الحديث ،

مصطفى محمودـ

في السوات اليمنيه الأخيرة أظهر اليمنيون المناهضيين لجماعه الحوثي الاماميه الكثير من التقدير والتبجيل للشهيد علي ناصر القردعي
تجلى واضحاً في ذكرى استشهاده ، امتلاء صفحات السوشال ميديا بصور الشهيد وتكرار عبارات التقريظ والإشادة بفكره واشعاره وعبقريته وثوريته ، فالشهيد القردعي الشخصيه اليمنيه الوحيده الذي وحد اليمنيين من داخل قبره كونه يحظى بتقدير يمني مشترك وهذا مما يثلج الصدر ويسند الأمل بعد أن بلغ التشظي اليمني حداً يشبه التحلل. نحن بحاجة ماسة إلى ما يجمعنا، كما نحن بحاجة إلى ما نفتخر به في حاضرنا. فسيرة الشهيد القردعي النضاليه والثوريه والفكريه غدت مبعثاً للفخر والاعتزاز الذي أظهرته قلوب الملايين من اليمنيين اذ انهم يحتفلون بذكرى استشهاد القردعي ، بوصفه بطل اليمن الأسطوري في العصر الحديث ،الذي أمن به اليمنييون بمختلف توجهاتهم ومناطقهم ومشاربهم الفكريه ومعتقداتهم الدينيه واصبح حيإ معهم

لأن القردعي كان صانع قيم، وصُنّاع القيم لا يموتون. صنع القيم عبر خبرته ومعرفته الواسعة،ونزعته الثوريه فقد كان منذ الصغر يلاعب الحياة ويحرس مرماها، يسائلها غاضباً ولا يعرف الأجوبة، يقتحمها ولا يصدق قسوتها. منذ ان كان طفلا من دون أن يعلم أنها ستنقلب إلى تراجيديا ملحمية دامية، وأنه سيكون بطلها المأساوي أو أنه سيموت مثل أبطال المآسي في الأساطير الإغريقية.لم يصنع قيماً للفكر والتفكير بعقله وحسب ، بل ايضا بوجوده ذاته، لم يصنع المعنى برؤيته التحرريه والادبيه والأخلاقية، وحسب بل ايضا خلق المعنى بحضوره حياً وميتاً،

إيمانه بالثورة لم يكن متعالياً أو مثالياً او معقداً أو محكوماً بحسابات الربح والخسارة والمجد وكل المفاهيم المركبة. كان إيماناً بديهياً بسيطاً كشربة ماء، واضحاً كأفق مفتوح، قاسياً كشعور القهر،

لم تكن بوصلة القردعي هي التدين الزائف ، ولا الجهاد، ولا السلاح، ولا الزوامل ، كانت بوصلته حرية الشعب اليمني حريته هو بعدما صار روحاً جماعية. شعوره بأحقية الدفاع عن الظلم والقهر والعدالة المسحوقة، كان مثل الحقيقة الثابتة أمام عبثية دولاب الزمن فالطغيان الامامي خلفه والاستعمار البريطاني امامه ، كل المغريات لم تغريه كل الارهاب لم يرهبه فهي أدوات غير مفهومة لما هو مفهوم لديه بالحدس طرق معقدة لطريقه الثوري الواضح. لم تثبت تحولاته إلا أنه كالحياة، تتغير وتمضي، تعلو وتهبط، تجري وتتدفق ولا يعنيها سوى هدف واحد، هو خلق المعنى لمن يحيا.

الشهيد علي ناصر القردعي (المولود في 1885م) بتاريخه المناهض لللاستعمار والامامه و بالاحتجاج الشعري والشخصي يمثل على نحو دقيق البطل القومي اليمني ، أي هذه النزعة الفردية الثورية البطولية المستميتة الباحثة عن التغيير لصالح المجتمع، حد الاستخفاف الجمالي بالموت وبأي تضحيات جسيمة دون الحاجة إلى أي تأطير عقائدي أو حزبي. إنه البطل الاجتماعي البسيط، الخارج تلقائياً من تفاصيل الظلم اليومي الأمامي المرير، دون تحشيدٍ لاهوتي أو ايديولوجي لتسويق فعله الإيثاري المتجذر في قلب الحياة لا في ما ورائياتها.

فالقردعي الذي عُرف بقيادة سلسله من الانتفاضات المسلحه والسياسيه والفكريه ضد الاستعمار البريطاني والطغيان الامامي ، ابتداءً من انتفاضة ،1930 مروراً بثورة 1948م التي تمخضت عنها ثورة 1962م كان مثالاً ملهِماً لعدد غير محدود من رواد الحركات الثوريه اليمنيه والعربيه بشجاعته وزهده وعصاميته وبنزعته الشديدة إلى الحرية والحداثة والعفوية والإيثار والشاعرية الوطنية المفرطة، وبمواقفه المتفردة وغير المألوفة في مناهضة الاستعمار والامامه ، بمنظومتها العسكريه والماليه والسياسيه والدينيه والادبيه والقبليه
حدّ أنه لقلب پـ”راهب النمر ” ولقي مصرعه في كمين بمنطقه خولان .فتم قتله .وفصل رأسه عن جسده وعلقه الامام علي باب اليمن لاسابيع
. لقد جاء مقتله الدراماتيكي المروع برهاناً مؤكداً وملموساً على التطابق البطولي بين أقواله وأفعاله، وهو أمر أخلاقي منح الاجيال إلهاماً عاطفياً شديداً للتماهي برمزانيته. في هذه اللحظة حقق علي ناصر القردعي كارزما البطل القومي الذي يزداد حضوراً وتأثيراً وحياةً بعد غيابه المفجع.

فقد اتضح منذ لحظة استشهاده انه صانع القيم الثوريه وبطل قومي ملهم .فثورتاي 1948 و1962 كانتا بحاجة نفسية عارمة إلى سردية ثوريه متينة (في ضوء افتقارهن لرصيد ثوري او عقائدي أو حزبي من الصور والرموز والثيمات البطولية) تمنحهن إطاراً يوتوبياً متفوقاً للاستقواء على الخصم الامامي الكهنوتي الذي احتكر بهيمنته الثقافية الفضاءَ العمومي وحولّه إلى إيقونات “مقدسة” تنتج له “شرعية” الحكم والظلم وحتى الاستعباد
فكان علي ناصر القردعي بسرديته وثوريته ومواقفه وأشعاره وصوره وملامحه ونهايته المفجعة، يمثل مادة حياتية وذهنية محرضة على صناعة رمز قومي وطني مُلهِمٍ يستطيع الوقوف –من بين رمزيات عديدة- بالضد من ترسانة الأمامه الغنية جداً بحكايات الخرافه المقدسه ومفاهيم وتصورات تمنحها “أحقية” الوجود والاستمرار.

السلام عليك ايها الشهيد في الملأ الاعلى


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى