كتّاب

Drug to Replace Chemotherapy May Reshape Cancer Care


مقذوف سحري جديد وثوري..

في العام 1900 تخيل الألماني پاول إيرليش مقذوفا سحرياmagic bullet ، يمضي المقذوف في طريقه ويصيب فقط الخلايا السرطانية دون غيرها.
بقيت الفكرة حلما في عالم البحث والتصنيع الدوائي، إلى أن رأت النور لأول مرة في العام 2000.

بدلا عن ذلك أخذت الفكرة العنيفة take no prisoners أو: لا تأخذ معك أسرى، طريقها وهيمنت على فلسفة علاج السرطان: العلاج الكيماوي.

في “المقذوف السحري” تحمل أجسام مضادة، مصممة عن طريق تقنيات البايوتكنولوجي، بمادة قاتلة. تستطيع الأجسام المضادة التعرف على الخلية السرطانية والالتصاق بها، ثم إفراغ الحمولة السامة the toxic payload بداخلها. خلال عقدين من الزمن شهدت هذه الفلسفة العلاجية تحسنا متصاعدا على أكثر من مستوى، وأخفقت علاجات كثيرة في توصيل الكمية القاتلة من الدواء إلى الخلية، بقي نجاحها جزئيا.

وفيما يخص سرطان الثدي، حيث يصيب حوالي 2 مليون امرأة كل عام في العالم، فإن الطلقة السحرية حققت نجاحا فقط في 18٪ من الحالات، في تلك التي تظهر تركيزا كبيرا من البروتين HER2. وفي 82٪ من سرطانات الثدي لا يزال العلاج هو الكيمياء و الهرمون، وما ورثناه من تقنيات القرن الماضي.

ثمة اختراق هائل قادم من اليابان، وهو مقذوف سحري جديد جرى ابتكاره وتطويره خلال سنوات ليصبح قادرا على الوصول إلى الخلية السرطانية دون غيرها وإصابتها بشكل دقيق. لن يأخذ العلاج معه أسرى. تبدو الشركة اليابانية
داييتشي سانكيو متحمسة لمقذوفها السحري الذي سيرى النور في الأسواق في سبتمبر القادم، وتتوقع أن يهيمن على علاجات سرطان الثدي الأخرى. اسمه العلميDS 8201 وهو عبارة عن أجسام مضادة مبرمجة على الوصول للخلية السرطانية والالتحام بها. يقول مصممو المقذوف إنه قادر على تفريغ حمولة سمية كافية لقتل الخلية الشريرة، سواء أكان تركيز البروتين HER2 عاليا أو منخفصا. تتوقع الشركة مبيعات سنوية ستصل إلى عشرة مليار دولار.

ثمة سباق مجيد للإحاطة بأخطر التهديدات الصحية التي تحيط بالإنسان.. ومؤخرا خصصت شركة أسترازينيكا البريطانية قرابة 8 مليار دولار في تطوير المقذوفات السحرية.

دعوني أذكركم بقصتين، بما أني انشغلت مؤخرا في دراسة تاريخ الطب عبر الثقافات:

مطلع خمسينات القرن الماضي أصابت موجة من ڨيروس شلل الأطفال 53 ألفا في أميركا. قتلت منهم ثلاثة آلاف، وشلت حوالي 21 ألفا. كان الطبيب سالك Salk يعمل منفردا في فكرة اشتغل عليها منذ العام 1918، وهي تطوير طلقة سحرية(لقاح) بمقدورها تحفيز جهاز المناعة وتوجيهه. في مواجهة الإنفلونزا، بحثه الأول، نجح في ابتكار لقاحين لنوعين فقط من الإنفلونزا. وفي موجة ڨيروس شلل الأطفال حالفه الحظ، وفجأة أعلن عن اختراعه العظيم: قال إنه سيحقن الأطفال بڨيروس ميت تحت الجلد، سيتعرف الجسم على الڨيروس ويطور أجساما مضادة تحميه إلى الأبد ضد الڨيروس الحي. احتج المجتمع العلمي عليه، ذلك أنه أعلن عن ابتكاره دون أن يكون قد نشر دراسة محترمة في واحدة من الدوريات العلمية المعروفة. مضى في الأمر وأخذ تصريحا بإعطاء اللقاح، وافقت السلطات تحت ضغط شعبي عارم وسماء ملبدة بالخوف. بدأ بأسرته ثم الآخرين، وكانت النتائج مذهلة. كان ڨيروس شلل الأطفال قد أخذ بخناق أميركا وملأ الأمهات رعبا، وكانت المرأة تمنع ولدها من الذهاب إلى الشارع او اللعب مع أقرانه. جاء سالك بالخلاص، فقرعت الكنائس الأجراس ونودي باسمه. أصبح بمقدور المرء أن يسمع الرهبان يذكرون اسم سالك في الصلوات، النساء في الأحاديث، الأغاني لسالك، وعلى طول أميركا أقيمت مهرجانات للمخلص سالك. من وقت لآخر حدثت انتكاسات وتحول العلاج إلى مرض، فيعود الأطفال إلى البيوت والرعب إلى العيون. إلى أن طور سابين، باحث آخر، مطلع ستينات القرن الماضي لقاحا آخر يؤخذ عن طريق الفم ويتجاوز مشاكل مقذوفات سالك.

تقول الإحصاءات الحديثة إن ڨيروس شلل الأطفال قد انقرض في العالم، تقريبا، وأن وجوده انحصر في بعض البقع المظلمة مثل أفغانستان ونيجيريا. وأيا كان فقد عرفنا الطريق لحسم أي مواجهة معه.

وهكذا نمت كل فكرة ثورية واستقرت. لنتذكر هذه الصورة: الكمبيوتر الذي استخدم في أول رحلة إلى الفضاء، ستينات القرن الماضي، كانت قدرته التخزينية أربعة كيلو بايت.

شيء آخر:
نشرت دير شبيغل بالأمس تقريرا عن شحنات أسلحة ألمانية متجهة إلى مصر/ الإمارات/ السعودية تجاوزت قيمتها المليار و النصف دولار.
تنفق تلك الدول أموالا رهيبة على أدوات الموت والتدمير، ولو أنها أنفقت قدرا ضئيلا من أموال السلاح على البحث الطبي لساعدت البشرية، ولقدمت صنيعا للإله هو أكثر قداسة من العباءة المطرزة التي تفصل للكعبة سنويا.

إن حياة الناس، قلقهم، سكينتهم.. هو أكثر الأشياء قداسة. ذلك ما دفع كنائس أميركا لترديد اسم (سالك) مع اسم السيد المسيح في الصلوات.

و.. يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم

م. غ.

Drug to Replace Chemotherapy May Reshape Cancer Care

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى