مفكرون

الشك فى تاريخنا المقدس هو أول الصواب – د. سيد القمني Sayed…


الشك فى تاريخنا المقدس هو أول الصواب

( ردا على إسلام بحيرى وجمال البنا )
في العدد زيرو من ( اليوم السابع ) القاهرية ، كتب الإستاذ إسلام بحيري موضوعاً بحثياً ، عقب عليه المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ جمال البنا بالمصري اليوم بموضوع : ” صحفى شاب يصحح للأئمة الأعلام خطأ ألف عام ” ، وأعاد الأستاذ بحيرى نشر موضوعة على شبكة إيلاف مع تنوية أن موضوعة هذا سيثير ضجة كبيرة .
الباحث يستحق الإطراء لدأبه وراء إثبات وجهة نظره تدقيقاً في مأثورنا العريض الغليظ ، خاصة أن هذا الإطراء و التقريظ جاء من رجل في حجم جمال البنا و قيمته و قامته الرفيعة بين المهتمين بالشأن الإسلامي في بلادنا .
و رغم احترامي لجهد الباحث ، و احترامي لشخص البنا و ما يكتب و لاجتهاداته المحمودة المشكورة ، فإني مضطر للاختلاف مع كليهما ، لأني أحترم الحقيقة أكثر .
و حتى أضع القارئ في غمرة الموضوع ، سأقتطع هنا بعض ما كتب الأستاذ البنا ، و هو كاف لمعرفة رأي و موقف كليهما من مسألة إسلامية شديدة الحساسية .
يقول جمال البنا :
” أريد من نشر هذا المقال ، تقديم مثال لما يمكن أن يصل إليه صحفي شاب لم يدخل الأزهر ، أو يضع على رأسه عمامة ، أو يدعي أنه من أهل الذكر . . بقضية حاكت في نفسه ، كما حاكت في نفوس آخرين فقبلوها صاغرين لأنها مثبتة في البخاري . . باب تزويج النبي عائشة و قدومها المدينة و بنائه بها 3894 : حدثني فروة بن أبي المغراء ، حدثنا على بن مهر عن هشام عن أبيه عن عائشة ( رضي ) قالت : ” تزوجني النبي ( ص ) و أنا بنت ست سنين ، فقدمنا المدينة . . فأسلمتني أمي إليه و أنا يومئذ بنت تسع سنين . وجد الباحث في نفسه حمية للدفاع عن رسول الله ( ص ) لعلها لم توجد في غيره . . و لم يقنع بأن يفندها بمنطق الأرقام و مراجعة التواريخ ، لكنه أيضاً نقد سند الرواية التي روى بها أشهر الأحاديث . . وجد الباحث أن البعثة النبوية استمرت 13 عام في مكة و 10 أعوام بالمدينة ، و كان بدء البعثة بالتاريخ الميلادي عام 610 م ، و كانت الهجرة للمدينة عام 623 م ، و كانت وفاة النبي عام 633 م ، و عليه فقد تزوج عائشة قبل الهجرة بثلاثة أعوام ، أى في 620 م ، و هو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحي ، و كانت تبلغ من العمر 6 سنوات و دخل بها في نهاية العام الأول للهجرة أى في نهاية عام 623 م ، و كانت تبلغ 9 سنين ، و هو ما يعني ميلادياً أنها ولدت في 614 ، أى في السنة الرابعة من بدء الوحي حسب البخاري . و بحساب عمر عائشة بالنسبة لأختها أسماء ، تقول المصادر أن أسماء كانت تكبر عائشة بـ 10 سنوات ، و أن أسماء ولدت قبل الهجرة بـ 27 عاماً ، مما يعني أن عمرها مع بدء البعثة النبوية عام 610 م كان 14 سنة ، و ذلك بعد إنقاص 13 سنة من عمرها قبل الهجرة و هي سنوات الدعوة في مكة ، مما ينتهي إلى أن سن عائشة مع بدء الدعوة كان 4 سنوات ، أي ولدت قبل بدء الوحي بأربع سنوات ، و ليس في العام العاشر من بدء الوحي ، و كان ذلك عام 606 . و مؤدى العملية الحسابية ان الرسول تزوجها في العام العاشر من بدء البعثة النبوية و كان عمرها 14 عاماً ( 4 + 10 = 14 ) ، و دخل بها بعد ثلاث سنوات و أشهراً ، أى في نهاية السنة الأولى للهجرة عام ( 624 م ) ، و هو ما يعني أنه دخل بها و عمرها 18 سنة ، و هي السن الحقيقية التي تزوج فيها النبي الكريم عائشة ” . إنتهى .

****

بدايةً فإن الانتقال من مدخل أو طرف حسابي إلى مدخل او طرف حسابي آخر كالانتقال من الهجري للميلادي و بالعكس ، كفيل وحده بفساد القضية كلها ، لما يعتور التأريخ الهجري نفسه و هو تاريخ قمري يزيد و ينقص حسب قدرة البشر على رؤية الهلال و ليس على منظومة فلكية صارمة لا تخضع للتدخل البشري ، بينما الميلادي هو نظام شمسي صارم لا يقبل التدخل الإنساني و قدرات حواسه في تحديد الزمن و التوقيت . هذا ناهيك عن نظام ( أو فى الحقيفة فوضى ) كان معمولا بة طوال العصر الجاهلى الأول والثانى وشطرا من زمن الدعوة ، حتى تم إلغاؤة بقرار قرآنى ووصفة القرآن بأنة زيادة فى الكفر ، وهو المعروف بنظام النسىء ، والذى كانت تؤجل فية شهور التجارة ( الأشهر الحرام ) أو تقدم حسب ظروف ومواعيد التجارة الأنسب ، وهو ما أدى إلى فوضى هائل ، يصبح الحديث معها عن تزمين دقيق ضرباً من الشعوذة والافتآت على الحقيقة .
و مثلاً لهذا الانتقال أضرب مثالاُ شديد البساطة بأرقام بسيطة واضحة لكشف العوار الحسابي عند الانتقال من مدخل أو معطى أو مجال لآخر ، لنتصور الآتي : اشترى رجل مذياع من بائع بشركة للأجهزة الأليكترونية بمبلغ عشرة جنيهات ، و في حال معرفة صاحب الشركة أحضر البائع و أخبره أنه قد أخطأ لأن المذياع بسبع جنيهات فقط ، و أعطاه ثلاث جنيهات ليردها للمشتري مع اعتذار لطيف ، و في الطريق ساورت البائع نفسه باختلاس جنيه من الثلاثة ، فرد للمشتري جنيهان فقط و ضرب جنيه في جيبه .
القصة انتهت ، و لنقم بالعملية الحسابية من مدخل صاحب الشركة ، فإنه يكون قد أخذ سبعة جنيهات ، و أعاد ثلاثة ، إثنان وصلا المشتري و جنيه اختلسه البائع ، فيكون المجموع عشرة دون خطأ ، بينما لو أخذنا جانب المشتري فإنه يكون قد دفع عشرة جنيهات ثمناً للمذياع ، ثم استعاد جنيهان فيكون قد دفع ثمانية جنيهات ، و بإضافة الجنيه المختلس يكون المجموع تسع جنيهات ، فإين ذهب الجنيه الباقي من العشرة ؟
و هكذا عندما ننتقل في الحساب بين المجالين أو المدخلين الهجرى والميلادى مع مايلتبس الهجرى من عوار كبير ، سنصل إلى نتيجة خاطئة لأن العملية الحسابية تكون قد فسدت من مقدماتها بهذا الانتقال ما بين مدخل و آخر ، و لا نصل إلى نتائج قاطعة بقدر ما هي مضللة .
البدوي في بيئته لم يكن بحاجة إلى شديد الدقة في الزمن ، فالأيام كلها متشابهة و الصحراء صفراء لا تتغير والمكان بدون أى ملامح ، و الكائنات الحية معدودة معروفة ، خيموي متنقل دوما لا يحتاج أبنية و عمران ، و من ثم فالدقة الهندسية و الرقمية ليست من حوائجه و لوازمه الضرورية . بعكس النهري ، الذي يعتمد في بذاره و ريه و حصاده على مواعيد شمسية دقيقة إن تأخر عنها أو أبكر فسد محصوله ، بينما البدوي ليس بحاجة ماسة لهذه الشئون ، كل ما كان يحتاجه البقاء حياً ليوم آخر يتمكن فيه من غزو جاره و الاستيلاء على ما لديه ، أو غزو النهري زمن الحصاد لسلبه بعض عرق العام . و قد طبع ذلك مجتمعات الثقافة البدوية بطابعها ، فعدم مراعاة الدقة خاصة الرقمية الزمنية هي العملة السائدة ، يقول لك قابلني بعد صلاة العشاء ، يعني معاك للفجر ، الكعبة ظلت بنيان غير سليم هندسياً مختلفة الأطوال زمناً طويلاً ، حتى استكملت قوامها المعماري الدقيق بفنون و علوم بلاد الغرب ، بعد فتنة جهيمان العتيبي و دمار الكعبة الأخير في السبعينات من القرن الماضي .
فى زمن الخليفة المأمون و ما أدراك ما عصر المأمون ، عصر الانفتاح العلمي على الدنيا و ظهور كوكبة من الفلاسفة و العلماء ، و مع ذلك كان حظنا من علوم السياسة هو صفر ، و من علوم الرياضيات نظر دون تطبيق و اجتهادات عظيمة خارج الواقع مفارقة له نتيجة ارتباط هذا الواقع بالتزمين القمري المقدس .
الخليفة المأمون نزل مصر على رأس جيش عظيم لقمع ثورتها ضد الاحتلال العربي و المعروفة بثورة البشموريين ، وصل إلى الأهرام و وقف أمام الهرم الأكبر الذي تم بناؤه بأدق التفاصيل الهندسية و الرقمية ، و نظر إلى المسطح الموجود أعلاه ، و طلب من بدوي من رجاله أن يصعد ليعرف مساحة هذا المسطح ، و عندما عاد البدوي أخبر سيده ، أن مساحة المسطح فوق الهرم تبلغ مبرك ثمان جمال ؟ !!
حتى أن القرآن الكريم نفسه لم يخرج عن العادة المألوفة في زمنه لأنه كان يخاطبهم بحجم معارفهم و لغتهم و قدر استيعاب عقولهم ، أنظر مثلاُ قوله تعالى و ابحث معي عن الزمن المطلوب تحديداً للتهجد ليلاً فى خطاب اللة تعالى لنبية : ” يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا، نصفه ، أو انقص منه قليلا ، أو زد عليه و رتل القرآن ترتيلا…. إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفة وثلثة – 1 : 4 ، 20/ المزمل ” .
و هو دلالة صدق القرآن الكريم ، فلو خاطبهم برياضيات فيثاغورث و هندسة إقليدس و عبقريات المصريين المعمارية لما كان مفهوماً و لما كان صادقاً ، فالصدق بقدر توافقه مع واقع زمنه و معارف زمنه ، و هو ما تطابقه الآيات الكريمة بشكل فذ و شديد الوضوح . كان العربي يؤرخ بالأحداث الكبار ، فيقول قبل أو بعد عام الفيل ، أو قبل أو بعد عام الفجار ، او قبل أو بعد يوم داحس و الغبراء ، و ما أكثر أيام العرب أى حروبهم ضد بعضهم في صراع صفري دائب . و هي تحديدات مطبوعة بمحاولة تحديد المكان في صحراء متشابهة ، يتم استخدامها مع الزمان ، فقبل عام الفجار ، تساوى تحديد المكان الموجود قبل موقع الحرة الفلانية أو أدنى للكثيب الفلاني مثل : أدنى من ثلثى الليل ، وأدنى دلالة مكانية واستعملها العربى كدلالة زمانية ، هذا علماً أن الكثيب نفسه يكون دوما عرضة للتحرك و ربما للزوال بفعل تغير الرياح ، و القول بعد عام الفيل تتساوى عنده مع ما بعد العلامة المكانية الفلانية المتعارف عليها والتى قد تغير مكانها أوتزول نهائيا ، فالمكان سائب بلا حدود ، و الزمان سائل دون تدقيق . لأن الحاجة إليهما كانت مفقودة فى بيئة طبعها الفوضى والقسوة .
هذا ناهيك عن كون الباحث الأستاذ بحيري انتقل في عملية مقارنة ما بين عمر عائشة و عمر شقيقتها أسماء و عمر فاطمة الزهراء . . إلخ ، ليصل إلى ما أسماه عمر عائشة الحقيقي ، معتمداً في هذه الأرقام على ذات المصادر الإسلامية التي ارتكبت العوار الرقمي الذي رآه هو خاطئ و مخطئ ؟ ! و هو برهان دوار على ذات الرحي و بصماتها ذاتها ويحمل أخطائها نفسها.

****

أضرب هنا مثلاً أشد وعورة طالعته لكاتب مجهول على الشبكة الدولية للمعلومات ، لنرى كيف أن اعتماد فكرة مسبقة لاثباتها أو نفيها ، مع تاريخ غير دقيق كالتاريخ الإسلامي ، كيف تؤدي إلى نتائج ربما كانت كارثية .
” عن محمد بن عمر بن واقد الأسلمي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ، قالا : كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عبد مناف بن زهرة ، فمشى إليه عبد المطلب بن هاشم بابنه عبد الله ( أبي رسول الله ( ص ) فيما بعد ) ، فخطب إليه عبد المطلب في مجلسه إبنته هالة بنت وهيب على نفسه ، فزوجه إياها ، فكان تزوج عبد المطلب و ابنه عبد الله في مجلس واحد ، فولدت هالة بنت وهيب لعبد المطلب حمزة بن عبد المطلب / الاستيعاب / باب محمد رسول الله ، و ابن سعد في طبقاته ، باب تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب أم رسول الله ” . و يفهم من الرواية أن عبد المطلب ين هاشم تزوج هو و ولده عبد الله في مجلس واحد من بنات زهرة ، تزوج عبد المطلب هالة بنت وهيب و هي التي أنجب منها حمزة ( أسد الله فيما بعد ) ، و تزوج ولده عبد الله من آمنة بنت وهب ، و هي التي أنجبت له محمداً ( رسول الله فيما بعد ) .
و في ابن سيد الناس أن حمزة و محمد رضعا من ثويبة فأصبحا شقيقين في الرضاعة ( عيون الأثر / باب تسمية محمد و أحمد ) .
هنا ستواجه مع المصادر مشكلة ، فيقول لنا ابن حجر العسقلاني في الإصابة باب حمزة : ” ولد حمزة قبل النبي بسنتين و قيل بأربع ” ، و هو ما لا يتفق مع الأخوية في الرضاعة ، أللهم إلا إذا افترضنا أن كل منهما قد رضع في زمن مختلف عن الآخر من ذات السيدة . و مما يدعم ابن حجر هنا ، أن ابن سعد في الطبقات ( باب طبقات البدرين في المهاجرين ) قوله أن حمزة ” قد قتل يوم أحد و هو ابن تسع و خمسين سنة ، و كان أسن من رسول الله بأربع سنوات ” .
و بعملية حسابية على طريقة الأستاذ بحيري ( مع عدم التقليل من جهده و غرضه المشكور ) ، ستكون غزوة أحد قد حدثت في السنة الثالثة من الهجرة ، فكان النبي ( ص ) يقارب الخامسة و الخمسين ، و عليه يكون حمزة أسن من النبي ( ص ) بأربع سنين لأنه مات عن تسع و خمسين ، و روي ابن إسحق ” ولد رسول الله ( ص ) يوم الإثنين ، لإثنى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، عام الفيل ” و غزوة أحد بالاتفاق كانت في شوال سنة ثلاث من الهجرة ، و توفى النبي ( ص ) في السنة 11 للهجرة أى بعد ثماني سنوات من موت حمزة ، و بطرح ثماني سنوات من ثلاث و ستون هي عمر النبي يصبح عمره في غزوة أحد خمسة و خمسون و عمر حمزة تسعة و خمسون سنة / أنظر الطبقات لابن سعد باب ذكر كم مرض رسول الله و اليوم الذي توفى فيه / أخبرنا محمد بن عمر حدثني أبو معشر عن محمد بن قيس أن رسول الله ( ص ) قد اشتكى مرضه يوم الأربعاء لإحدى عشر ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشر ، فاشتكى ثلاث عشر ليلة ، و توفى يوم الإثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشر ” .
و موجزاً للأمر أن النبي مات عن 63 سنة ، بعد موت حمزة بثمان سنوات ، فيكون عمره يوم موت حمزة 55 سنة ، و حمزة مات 3 هـ ، و عمره تسع و خمسون سنة ، فيكون حمزة أسن من محمد بأربع سنوات .
حتى هنا لا توجد مشكلة ، لكنها تبدأ في الظهور عندما نقرأ التالي : ” حدثنا عمر بن محمد عن أم سلمة و عامر بن سعد عن أبيه ، قال : أقبل عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله ( ص )و كان في بناء له و عليه أثر الطين ، فمر بإمرأة من خثعم و قيل العدوية و قيل أخت ورقة ، فلما رأته و رأت ما بين عينيه دعته إلى نفسها ، و قالت له إن وقعت بي فلك مائة من الإبل ، فقال لها عبد الله : سأغسل عني هذا الطين و أرجع إليك ، فدخل عبد الله بن عبد المطلب على آمنة بنت وهب فوقع بها فحملت برسول الله ( ص ) الطيب بالمبارك ، ثم رجع إلى الخثعمية أو العدوية ، فقال لها : هل لك فيما قلت ؟ قالت : لا يا عبد الله ، قال لها : و لم ؟ قالت : لأنك مررت بي و بين عينيك نور ثم رجعت إلى و قد انتزعته آمنة / الاصبهاني / دلائل النبوة / الفصل العاشر في تزويج أمة آمنة بنت وهب ” .
و يبدو أن هذا الحدث قد جرى في بيوت بني زهرة ، فقد كانت العادة أن يقيم العريس بببيت أهل عروسه الثلاثة أيام الأولى لزواجة . و لما كان عبد الله قد مات و زوجته آمنة حامل على اتفاق بين الروايات ، فإن محمداً يكون قد ولد بعد الحمل به بأربع سنوات قياساً على عمر عمه حمزة ، و لهذا السبب رد الاصبهاني في الدلائل بباب ذكر فضيلته ( ص ) بطيب مولده بقوله : ” حدثنا عبد الله بن الحارث ، عن العباس بن عبد المطلب قال : قلت يا رسول الله إن قريشا قد جلسوا فتذكروا أحسابهم و أنسابهم ، فجعلوا مثلك مثل نخلة نبتت في ربوة من الأرض ، قال : فغضب رسول الله ( ص ) و قال : إن الله عز و جل حين خلق الخلق جعلني من خير خلقه ، ثم حين خلق القبائل جعلني من خير قبيلتهم ، و حين خلق الأنفس جعلني من خير أنفسهم ، ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نسبا، و خيرهم نفسا ” . و في رواية أخرى عن ابن كثير في تأريخه باب تزويج عبد المطلب ابنه عبد الله ج 2 ” قال يعقوب بن سفيان حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن العباس بن عبد المطلب قال : قلت يا رسول الله إن قريشا إذا التقوا لقي بعضهم بعضا بالبشاشة و إذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها ، فغضب رسول الله ( ص ) غضباً شديد ، ثم قال و الذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله و لرسوله ، فقلت يا رسول الله إن قريشاً قد جلسوا فتذكروا أحسابهم فجعلوا منك كمثل نخلة في كبوة من الأرض ، فقال رسول الله ( ص ) إن الله عز و جل يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم ، ثم لما فرقهم قبائل جعلني في خيرهم قبيلة ، ثم حين جعل البيوت جعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفسا و خيرهم بيتا ” .
بل و يدعم فقهنا وتاريخنا المقدس فكرة الحمل الكامن فيخبرنا أن الإمام مالك ( رضي ) مكث في بطن أمه سنتين ، و كذا الضحاك بن مزاحم التابعي مكث في بطن أمه سنتين ، و يفسر الإمام القرطبي سورة الطلاق الآية الرابعة بقوله أن المتوفي عنها زوجها و تشك أنها حامل عليها أن تتربص خمسة أعوام في انتظار الوضع ، و زاد عليه بن العربي بجواز انتظارها عشر سنوات ” فإن ارتابت بحمل أقامت أربعة أعوام أو خمسة أو سبعة على اختلاف الروايات من علمائنا و مشهورها خمسة أعوام / الجامع لأحكام القرآن ” . هذا و يدرس بناتنا و أبناؤنا في المعاهد الأزهرية الثانوية في كتاب روض المربع للفقه الحنبلي كتاب العدد ص 446 و 447 : ” و أكثر مدة الحمل أربع سنين ، لأنها أكثر ما وجد ، و أقلها أى أقل مدة حمل ستة أشهر ، و غالبها أى غالب مدة الحمل تسعة أشهر لأن أغلب النساء يلدن فيها ” .
أي دقة هنا في أي شئ ؟ ؟ ! حتى في مدة الحمل التي تعارفت عليها شعوب الدنيا و لم تكن بحاجة للعلم الحديث ليحددها ، هى عندنا ما بين التربص خمسة أعوام و عشر أعوام و أربعة أعوام و سبعة أعوام على اختلاف الروايات و مشهورها خمسة !!!!
هذا في شأن تشريعي يمس أخطر ما تحرص عليه ثقافة البدو و هو النسب ، فما بالك بروايات تتعلق بسن عائشة عند زواجها من النبي ، حتى يخلص الأستاذين البنا و البحيري من مثل هذا التراث الزمني العشوائي إلى قرار بالسن الصحيح لعائشة ؟ ! هكذا . . و بالقطع ؟ !

****

لقد ضربت المثال الثاني رغم جفائه و غلظة معناه و منكور فحواه و دلالته ، و هو كله ما لا يليق بكمال المصطفى ( ص ) و طهارته نفسا و نسبا ، للوصول إلى وجوب أن يضع الباحث نتائج بحثه كفرض يقوم على ذات المعطيات التي قالت بخلافه ، و أن يقدم رؤيته كاحتمال نأخذه أو نرفضه ، لا أن يعطينا نتيجة في شكل قرار و قانون نافذ ، أو كما كتب الأستاذ البنا ” و هي السن الحقيقة التي تزوج فيها النبي الكريم عائشة ” .
و هو ما هالني حقاً ، فالأستاذ البنا مع أخذه بأنظمة اليوم الحداثية كان لا يطيق مثل الأستاذ بحيري استساغة زواج النبي في الثانية و الخمسين من عائشة في التاسعة ، لذلك صدق و صادق مباشرة على ما وصل إليه الأستاذ بحيري ، مغفلاً أحداثاً وقعت وفقهاً طويلاً عريضاً . و إعمالاًً لما سلف ، فإن الحل في التعامل مع تراثنا هو الحل العلمي القائم على الشك في الروايات و عدم الثقة في عملية التزمين ، أو أخذ رقم بعينه باعتبار الصدق التام مهما أحاطه مشايخنا بالقداسة .
و إذا كان ذوق أياً منا يقف وراء جهد الأستاذ بحيري و وراء ترحيب الأستاذ البنا بهذا الجهد ، فإن سن 18 قياساً إلى سن 52 هو أيضاً بذوق أيامنا فارق بعيد شاسع ،وهو بذوق زماننا زواج مستهجن ، و لا يبقى سوى أن نقرأ الأحداث بذوق زمانها لا بذوق زماننا ، و لا نسقط عليها أحكاماً قيمية مما توافق عليه زماننا ، لأن زماننا غير زمانهم و مكاننا غير مكانهم و كل شئ عندنا غير كل شئ عندهم .
و كان زواج الفتاة الصغيرة بل و الرضيعة معمولاً به في الجاهلية و في الإسلام و على مختلف المذاهب دون إنكار او استنكار ، و هو ما سنعالجه في حلقة تالية .

أتابع هنا ما كنت قد بدأت مناقشته مع الأستاذ جمال البنا و تقريظه لبحث الأستاذ بحيري في التحقيق البحثي أن السيدة عائشة قد تزوجت الرسول و دخل بها في سن 18 سنة و ليس في سن 9 كما أورد البخاري ، معلنين بذلك سقوط خطأ استمر أربعة عشر قرناً ، نعاها الأستاذ جمال البنا على فقهاء الأمة و هو يضع لموضوعه عنواناً : ” صحفي شاب يصحح للأئمة الأعلام خطأ ألف عام ” ، مبرئين النبي مما رأياه تهمة لحقت به ، الهدف جميل لكنه تم بذائقة أيامنا و أعرافنا و نظمنا الحديثة ، دون الأخذ بعين الاعتبار واقع المجتمع آنذاك و الذي كان سائداً فيه تزويج الولي لأي فتاة تحت ولايته أباً كان أو جداً أو عماً أو غيره ماعدا المرأة لا ولاية لها على نفسها و لا على أولادها ، و للولي أن يزوجها أياً كان سنها حتى لو كانت طفلة رضيعة ، شرط ألا يتم الدخول بها إلا عندما تكون مهيأة لذلك .
و بذات الذوق قدم تليفزيون كربلاء موقع كسر الصنم فيلم ( العمامة أفيون الصفويين ) إعداد و تقديم أبو عمر النيكاراجوي ، و الواضح أنه تليفزيون سني متشدد رغم عنوانه الشيعي ( لجذب الشيعة إلى الفخ ) ، و ربما إرهابي إذا أخذنا بالاعتبار كنية السيد عمر المستعارة ( النيكاراجوي ) و هي من الأسماء الحركية المعتادة مع الإرهابيين.
الفيلم يقدم بالصور من كتاب الخميني ( تحرير الوسيلة ) ص 221 فتوى في المسألة رقم 112 ، كالآتي : ” لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال 9 سنين ، دواماً كان النكاح أو منقطعاً . . و أما سائر الإستمتاعات كاللمس بشهوة و الضم و التفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة “.
و العجيب في الأمر هو كيف قدم عمر النيكاراجوي السني ذلك بحسبانه هبوطاً مروعاً في أخلاق الشيعة ، و لأن للصدف لطافاتها ، فإنه حوالي ذات الشهر على فضائية LBC ، قال مأذون مدينة جدة الشرعي ( أحمد المعبى ) السني الوهابي ” أنه من الممكن أن يعقد الرجل على فتاة يبلغ عمرها عاماً واحداً على أن يبني بها لاحقاً عندما تكون مهيأة لذلك ، و اشترط لذلك حضور وليها . . أما فيما يتعلق بسن الدخول فهذا أمر مختلف ، و أنه لنا في رسول الله ( ص ) قدوة و أسوة حسنة حيث عقد على عائشة عندما كانت تبلغ السادسة من العمر ، ثم دخل بها عندما كانت في التاسعة ، و من الأفضل للوالد أن يكون مطمئناً لمصير بنته الصغيرة في حال سفره ، فيزوجها لرجل يتولى حمايتها و توفير مستلزماتها إلى أن تكون صالحة للبناء ( أي للنكاح ) ” .
فهل كان خميني الشيعي و هو يستند إلى أحاديث سنية مخطئاً و أحمد المعبى السني و هو يستند لذات الأحاديث مصيباً ؟ بذوق أيامنا فإن هذا لون من الإغتصاب و البدائية و لكن زمانهم غير زماننا بالكلية و ليس الحل هو البحث في سن عائشة لإثبات أن زواجها كان في الثامنة عشر و ليس التاسعة حتى نمرر الحكاية عبر ذائقة زماننا ، لأن كثر من الصحابة أنفسهم زوجوا بناتهم و هن صغار ، و كان الأمر مشروعاً و جاءت به آيات القرآن ، و يقول النووي في المجموع ج ” ص 168 : ” و قوله تعالى } و اللائي يئسن من الحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ، و اللائي لم يحضن { ، و تقديره و كذلك عدة اللائي لم يحضن ، و إنما يجب على الزوجة الإعداد من الطلاق بعد الوطء ، فدل على أن الصغيرة التي لم تحض يصح نكاحها ” ، و القرآن هنا يحدد مدة للزوجة منقطعة الحيض و الزوجة الصغيرة التي مات عنها زوجها و لم تحض بعد ، و عدتها ثلاثة أشهر لكليهما . و دل ذلك عند النووي على أن الصغيرة التي لم تحض يصح نكاحها ، و هو ما يعبر عنه المثل المصري السائر بين أصحاب النسب العربي : ” البنت تحيض في بيت جوزها ” .
و هو أيضاً ما نجده في الجزء الرابع من المبسوط للسرخسي في قوله ص 212 : ” نكاح الصغير و الصغيرة ، قال بلغنا عن رسول الله ( ص ) أنه تزوج عائشة ( رض ) و هي صغيرة بنت ست سنين و بني بها و هي بنت تسع سنين ، و كانت عنده تسعا ، ففي الحديث دليل على جواز نكاح الصغيرة بتزويج الأباء بخلاف ما يقول ابن شبرمة و أبو بكر الأصم . . و حجتنا قوله تعالى : ” و اللائي لم يحضن ، و بين الله تعالى عدة الصغيرة و سبب العدّة شرعاً هو النكاح ، و ذلك دليل تصور نكاح الصغيرة . . و قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير يوم ولدت . . و زوج ابن عمر ( رض ) بنتاً له صغيرة من عروة بن الزبير ( رض ) ، و زوج عروة بن الزبير ( رض ) بنت أخيه ابن أخته و هما صغيران ، و زوج ابن مسعود بنتاً له صغير لابن المسيب بن نحبة . . و في الحديث دليل فضيلة عائشة ( رض ) فإنها كانت عند رسول الله ( ص ) تسع سنين . . و فيه دليل على أن الصغيرة يجوز أن تزف إلى زوجها إذا كانت صالحة للرجال ، فإنها زفت إليه و هي بنت تسع سنين ، فكانت صغيرة في الظاهر ، و جاء في الحديث أنهم سمنوها فلما سمنت زفت إلى رسول الله ( ص ) ” .
هذا و قد أوضح الأمر و جلاه بن عابدين الحنفي في حاشيته الفقهية ج 3 ص 574 بقوله شارحاً متى تطيق الزوجة الصغيرة الوطء / الجماع : ” تطيق الوطء : أى منه أو من غيره . . فإن السمينة الضخمة تحتمل الجماع و لو صغيرة السن . قوله : أو تشتهي الوطء : أى فيما دون الفرج _ كالتفخيذ و الضم و التقبيل _ لأن الظاهر أن من كانت كذلك ، فهي تطيق الجماع في الجملة ” ، و في ص 204 يقول : ” إن الزوجة إن كانت صغيرة لا تطيق الوطء لا تسلم للزوج حتى تطيقه . . و يفرض إلى القاضي بالنظر إليها من سمن أو هزال . . و حرر الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية أنه لو جامع زوجته فماتت . . فإن كانت صغيرة أو مكرهة أو لا تطيق الوطء تلزمه الدية اتفاقاً ” .
و هكذا فشرط مأذون جدة أن الدخول بالزوجة الصغيرة هو أن تكون مهيئة لذلك ، أن تلك السن المهيأة أمر مختلف عليه ، يحله بتسمين الطفلة حتى تسمن و تظهر أعضاءها حيث يكفي بروز الأثداء و تضخم الأرداف حتى لو لم تحض بعد كما فعلوا مع عائشة !!
و يجوز استخدام الطفلة الزوجة لقضاء الشهوة كما أشار الخميني دون وطئها أة دون الإيلاج فالوطء هو النكاح إيلاجاً ، و هو ما سبقه إليه بن قيم الجوزيه السني العتيد في الجزء الثاني من بدائع الفوائد ص 12 إذ يحل مشكلة المسلم المغتلم الشبق في شهر الصوم ، ” فصل في حكم الاستمناء باليد : من خاف أن تنشق أنثياه ( خصيتيه ) لحبس الماء ( المنى ) في زمن رمضان فإنه يستخرجه بما لا يفسد صوم غيره ، روي عن أحمد في رجل خاف أن تنشق مثانته من الشبق أو تنشق لحبس الماء في زمن رمضان ، يستخرج الماء و لم يذكر بأى شئ يستخرجه ، و عندي أنه يستخرجه بما لا يفسد صوم غيره ، كاستمنائه بيده أو بيبدن زوجته أو أمته غير الصائمة ، فإن كان له أمة طفلة صغيرة استمنى بيدها / ص 200 ” . ( الأمة هنا كلفظة الجارية و هي الصغيرة عبدة أو زوجة )

****

و من ثم صرف الأستاذ البنا و الأستاذ بحيري النظر تماماً عن أبواب طوال بفقهنا ، قامت جميعاً لتضع حلولاً لمسائل و مشاكل في النسب و في الميراث و في مدة العدة و في المهر ، كان سببها الزواج بالصغيرة أو بالأحرى بالرضيعة .
و لنبدأ بمشكلة يمكن أن تفسد الزواج أو النسب تترتب على زواج الرضيعة ، يقول ابن قدامة في المغني كتاب الرضاع حول الزوجة الرضيعة إذا احتاجت للرضاعة ، ” فإن أرضعتها أمة ( أم الزوج ) صارت أخته و إن أرضعتها جدته صارت خالته أو عمته ، و إن أرضعتها بنته صارت بنت بنته و إن أرضعتها أخته صارت بنت أخته ” و هكذا تم حصار الرضيعة المتزوجة في مقومات حياتها و لم يعد لها غير بصيص أمل فيما قاله بن قدامة : ” و إن أرضعتها من لا تحرم بنتها كعمته و خالته لم تحرم عليه ” .
و يقول الشافعي في الأم ج 5 : ” و إذا أرضعت أجنبية امرأته الصغيرة لم يفسد نكاح امرأته ، و تحرم عليه الأجنبية و أما بعد انقضاء الحولين فلا تسمى الرضاعة رضاع و لا يؤخذ بأحكام الرضاع ، و قال المزني في مختصره بشرح الشافعي ص 164 مبيناً شروط صحة الزواج : ” ولي ، و شهود ، و إقرار المنكوحة الثيب ، و صمت البكر ، و الشهود العدل . . ، و لو كانت صغيرة ثيب أصيبت بنكاح فلا تزوج إلا بإذنها . . و لا يزوج الصغيرة إلا أبوها أو جدها بعد موت أبيها ” .
و هنا حديث واضح عن صغيرة أصبحت ثيباً نتيجة الوطأ ، و يتحدثون عن زوجها التالي و هل تزوج بإذنها كالثيب الكبيرة من عدمه .
و مشكلة أخرى حول صحة الزواج المنعقد من عدمه يترتب على زواج الرضيعة و حول الحقوق المالية لأطراف الزواج ، يحلها ابن قدامة في المغني كتاب الرضاع : ” لو تزوج كبيرة و صغيرة ، فلم يدخل بالكبيرة ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة في الحولين ( عمر سنتين ) ، حُرمت عليه الكبيرة ( و يجب طلاقها ) ، و ثبت نكاح الصغيرة ، و لو كان قد دخل بالكبيرة ، حرمنا عليه جميعاً ، و يرجع بنصف مهر الصغيرة على الكبيرة ” ، و عليه يتم تغريم الزوجة الكبيرة نصف مهر الصغيرة و إعادته إلى الزوج ، لأنها أفسدت عليه زواجه .
ثم يترتب على زواج الرضيعة مشاكل أخرى تتعلق بالطهارة و الغسل بعد الجماع ، حلها الرافعي في فتح العزيز / ج 3 ص 116 بقوله : ” موضع الختان قُبُل المرأة ( تطلق العرب على الفرج الختان ، و ختان المرأة هو قُبلها أى فرجها ) ، و كما يجب الغسل بالإيلاج فيه ، يجب الغسل في غيره ، كالإتيان في غير المأتى و هو الدُبر ، يجب الغسل به على الفاعل و المفعول ، و كذا فرج بهيمة ، خلافاً لأبي حنيفة لنا أنه جماع في الفرج مأشبه فرج الآدمي ، بل إيجاب الغسل ها هنا أولى لأنه أحق بالتغليظ ، و لا فرق بين الإيلاج في فرج الميت و الإيلاج في فرج الحي ، و خالف أبو حنيفة في فرج الميت ، و كذا قال في الصغيرة التي لا تشتهي ” ، و ظاهر المخالفة هنا في قول أبي حنيفة أن الجماع بفرج ميت أو ميتة أو الصغيرة التي لا تشتهي لا يوجب الغسل فكلهن بلا شهوة و لا إحساس ، كلهن مجرد أداة لتفريغ غلمة الذكر في مجتمع بدائي الأخلاق إلى حد لا يفترق فيه كثيراً عن بقية الحيوانات ، فكان يفرغ طاقته الجنسية في أى شئ يصادفه حيواناً أو فرجاً ميتاً لإنسان أو حيوان و الصغيرة التي لا تشتهي . و يشرح الرافعي السبب في قوله ج 2 ص 128 : ” و لو اغتسلت المرأة من الجماع ثم خرج منها المني لزمها الغسل بشرطين : أحدهما أن تكون ذات شهوة ، دون الصغيرة التي لا شهوة لها ، و الثاني أن تفضي شهوتها بذلك الجماع لا كالنائمة و المكرهة ، و إنما وجب الغسل عند اجتماع هذين الشرطين لأنه حينئذ يغلب على الظن اختلاط منيها بمنيه فإذا خرج ذلك المختلط منها فقد خرج منها منيها ، أما في الصغيرة و النائمة و المكرهة ، إذا خرج المنى بعد الغسل لا يلزم إعادة الغسل ، لأن الخارج هو مني الرجل “، و ما يعني في هذا الأمر كله ، هو أن خروج مني الرجل من فرج الصغيرة التي لا شهوة لها بعد وطئها لا يوجب الغسل أو يوجبه لأنه لا مني لها و لا تنزل كالرجل لأنها لم تبلغ بعد .
و قد وضع كتاب الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع في الفقه الشافعي المقرر على طالبات و طلبة معاهدنا الأزهرية ما يوجب الغسل ، و ذلك في كتاب الطهارة ص : 230 ، 231 ، إذ يقول : ” الذي يوجب الغسل ستة أشياء ، منها ثلاثة يشترك فيها الرجال و النساء معاً ، الأولى إلتقاء الختانين بإدخال الحشفة و لو بلا قصد ، أو كان الذكر أشل أو غير منتشر ( غير منتصب ) أو قدرها من مقطوعها ، و في فرج امرأة و لو ميتة ، أو كان على الذكر خرقة ملفوفة و لو غليظة ، لقوله ( ص ) : إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل و إن لم ينزل ( صحيح أخرجه الترمذي حديث 109 و بن ماجة حديث 608 من حديث عائشة ) .
فلو أدخل حشفته ( الحشفة تبدأ من مخرج البول و حتى محل قطع الختان ) أو قدرها من مقطوعها ( مكان الختن ) في فرج بهيمة أو في دبر ، كان الحكم كذلك لأنه جماع في فرج . . و لو أولج حيوان قرد أو غيره في آدمي و لا حشفة له ، فهل يعتبر إيلاج كل ذكره ؟ أو إيلاج قدر حشفة معتدلة ؟ قال الإمام : فيه نظر موكول إلى رأي الفقيه ” !!!!
و هو ما يدعمه فيه النووي في المجموع أن الصغيرة التي لا تفرز سوائل شهوية عند الجماع ليس عليها الاغتسال بعده ، ” قال المتولي : كان القاضي حسين يقول : مراد الأصحاب ، إذا كانت الموطوءة صغيرة لا تُنزل ، أو كبيرة لكن الزوج أنزل عقيب الإيلاج بحيث أنها لم تُنزل ، فإذا امتد الزمان قبل إنزاله ( أى طالت مدة الجماع ) ، فالغالب أنها تُنزل و يختلط المنيان ، فعليها الغسل ثانية ، و ذكر الروياني عن الأصحاب أنه لا غسل عليها / ج 2 / ص 5 ” .
و في كتاب روض المربع في الفقه الحنبلي المقرر على المعاهد الثانوية الأزهرية ص 395 ، يتم وضع الشرط الذي تقوم على صحة الأنكحة ، و هو الأجر الذي نسميه مهراً ، فيقول : ” الفروج لا تستباح إلا بالأموال ، لقوله تعالى : ” أن تبتغوا بأموالكم ، و روي البخاري أن النبي ( ص ) زوج رجلاً على سورة من القرآن ثم قال : لا تكون لأحد بعدك مهراً ” و من ثم فإن المال و الأجر حدثت بشأنه إشكاليات مع زواج الرضيعة مما أدي بالفقه لبحث هذه المسألة إحقاقاً للحقوق ، فإن تزوج رجل برضيعة و له زوجة كبيرة فأرضعتها بقصد تحريمها عليه ، فإن ذلك في شرح منتهى الإرادات للبهوتي ج 3 مسألة 220 ، هو إتلاف متعمد للسلعة المشتراه بالمال ، و كما يغرم متلف السلعة تغرم متلفة الزواج ، ” لأنه إتلاف اشتركن فيه ، فلزمهن بقدر ما أتلفت كل منهن ، كإتلافهن عينا متفاوتتان فيها ، فلو أرضعت امرأته الكبرى الصغرى و انفسخ نكاحه على الصغرى لذلك ، فعلى الزوج نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى لإفسادها نكاحه ” ؟ !!
و يدعمه بن قدامة في المغني كتاب الرضاع ” يرجع على الكبيرة بما لزمه من صداق الصغيرة و بهذا قال الشافعي لأنها أتلفت البضع و قال أصحاب الرأي إن كانت المرضعة أرادت الفساد رجع عليها بنصف الصداق ، و أتلفت عليه ما في مقابله فوجب عليها الضمان كما لو أتلفت عليه المبيع و لأنها إفسدت نكاحه فلزمها الضمان ” . ( و البضع هو الفرج و يسميه العامة : البضاعة ، و كلها ما يحيل إلى اعتبار المرأة بضاعة أو سلعة كأي بضاعة كما في الشئ المباع و كالسلعة التجارية المثمنة ، هي مجرد شئ يسبب المتعة لا تملك نفسها منذ ميلادها و حتى مماتها ، هي و العبد و بهيمة الأنعام لنركبها و زينة علي ذات القيمة و نفس الدرجة ، كلهم في الهم شرق .

****

هذا موجز مكثف لأبواب طوال في فقهنا حول زواج الصغيرة و الرضيعة ، و هي شئون في زمانها كانت و في مكانها كانت مستساغة ، لأنها كانت عرفاً اجتماعياً مسنوناً لا يستدعي الاستهجان بالمرة ، و لم يبدأ التباعد عن نكاح الصغيرة في بلادنا إلا بعد وفود أنظمة الدولة المدنية عن دول الغرب ، و سن القوانين بما يضمن سلامة الأسرة و المجتمع في ظرف جديد و زمن بعيد الشقة سحيق عن تلك الأزمان ، و الأولى بدلاً من إسقاط ذائقتنا الحديثة على الماضي و محاولة إثبات أن عائشة كانت بالغة الرشد عند الزواج بها ، أن نعترف بهدوء أن هذا هو شرعنا ، و أنه شرع توائم مع زمنه و مكانه ، و أنه ليس جميلاً و لا قبيحاً و لا ذميماً ، لأنه لم يكن كذلك بعيون أهل زمانه و فقهائه و علمائه و حكمائه و هم خلاصة الامة في ذلك الزمان ، و لم يروا فيه أى عوار . كل ما نستطيع أن نصفه به اليوم أنه كان لوناً بدائياً على طريق الإنسان الطويل نحو الرقي الأخلاقي ، لكنه لا يشين مجتمعه و لا زمانه و لا مكانه بالمرة ، الصواب هو أن نؤمن و نصدق ، لكن في الوقت نفسه ألا نتصور أن أنظمة و طرق العيش زمن النبوة صالحة لكل زمان و مكان ، فهذا هو العوار نفسه و الخطل ذاته و الخطب مجسداً ، فلا يقول بصلاحية شئ لكل زمان و مكان سوى معيوب العقل و النظر و البصر و البصيرة . و هو أمر لم يقل به من كل شعوب الدنيا سوانا ، و كلها شعوب تؤمن بإديانها ، لكنها أحالت ما هو صالح لزمانه إلى زمانه و ما هو صالح لمكانه إلى مكانه ، و لم تعطه مطلق الصلاحية كما نفعل اليوم إيماناً بشمولية الإسلام التي كرسها لنا الإرهابي الأمثل حسن البنا ، كرسها كي يتمكنوا ضمن ما سيحوزوا من كرامة و سلطان ، من السطو على بناتنا و هتك أعراض أطفالنا .
إن شرط الولي لزواج المرأة هو ما سمح بكل هذا حتى زواج الرضيعة ، و هو الشرط المستمر إلى اليوم و يخلع عن المرأة أية أهلية إذ هي لا تملك الولاية على نفسها و لا على غيرها ، رغم أن اليوم غير الأمس ، و رغم ذلك لازال الأمس مائلاً بل و فاعلاً في بلادنا ، أما اليوم و ظروفه فهو ما لم يأتنا بعد إلى بلادنا .
إليكم هذه الأخبار الطازجة التي تتواكب زمانياً مع بحث الأستاذ بحيري و تهليل الأستاذ البنا اللذان أرادا باجتهاد لطيف إيقاف تزويج الصغيرة بإنكار تزوج عائشة في التاسعة ، لكن عبر مرتقى وعر متشعب المدخلات فأدى للمتاهة مع غض الطرف عن فقه كامل بشأن زواج الصغيرة هذه الأخبار نشرت في شهر أغسطس الذي نحن فيه الآن . كتبت صحيفة عكاظ بتاريخ 11 / 8 / 2008: ” العروس تبلغ ثمان سنوات و العريس خمسيني و له زوجتين ” ، و أن ذلك الزواج قد تم مقابل سداد الزوج لديون والد الفتاة ” .
و قبله بأيام رضخ شيخ سبعيني في مدينة حائل للضغوط كي يؤجل الدخول بزوجته الطفلة ( 10 سنوات ) لمدة خمس سنوات أخرى ( عكاظ 11 / 8 / 2008 ) . و بعد 5 أيام رفض سعودي خمسيني التراجع عن قراره بالزواج من طفلة في الثامنة من عمرها ، مشدداً على أنه لا يرتكب محرماً ، و كان قد تزوجها و هي في السادسة ، و قال لصحيفة الحياة اللندنية في 3 / 8 / 2008 أن الشرع لم يحدد عمراً للزواج و الرسول تزوج عائشة و عمرها تسعة أعوام . بينما كان كل مأخذ المحامي على مأذون الأنكحة أنه أخلّ باللوائح فقد حرر العقد في مدينة بريدة بينما هو من سكان عنيزة ( ؟ !!!! ) . أرأيتم أين المصيبة ؟ و من بريدة لعنيزة يا قلب إحزن .
و في عكاظ أيضاَ بتاريخ 15 / 8 / 2008 حاولت المراهقة السعودية شيخة الانتحار ليلة زفافها بعد أن زوجها والدها لعجوز عمره 75 عاملً مقابل أن يتزوج الأب من إبنة العريس و عمرها 13 عاماً ، و لأن هذا البدل لون من الشغار فقد اعتبره الشيخ عبد المحسن العبيكان باطلاً ، و ليس لأي سبب يتعلق بسن الزوجين أو مدى أهلية الأب للولاية و هو بيع جسد بنته رخيصاً من أجل أن ينال حظه بنهش لحم طفلة صغيرة غير ابنته .
و في الطائف كتب عبد الرازق الزهراني عن رشا التي تربت ( بعد هروب والدها و زواج امها ) في حضن جدتها لأمها ، و فوجئت أن أبيها الذي لم تره في حياتها قد زوجها و هي في العاشرة بشيخ في الستين مقابل 30.000 ريال . و قد أصر الزوج على استعادة ماله كي يطلقها ، فتبرعت الأميرة جوهرة آل سعود بالمبلغ ، لكن الإداريين ( و حماة حمى الإسلام ) يعضون على شرعهم بالنواجذ و كذلك القضاة ، يسوفون و يماطلون و يؤجلون و يحفظون القضية ليعاد فتحها من جديد ، و هكذا دواليك دون أن تتحرر رشا من عقد بيعها .
و يعتمد هؤلاء الآباء الوحوش في زمن نتحدث فيه عن حقوق المرأة و حقوق الطفل في بلادنا الوحشية ، على شرط الولاية الذي آن لنا أن ننظر فيه بجدية لنعتق المرأة من عبوديتها التاريخية البشعة .
يدرس أبناؤنا بالمعاهد الأزهرية شروط الزواج في روض المربع ص 382 إذ يقول : ” الشرط الثالث : الولي ، لقوله عليه السلام : لا نكاح إلا بولي ، رواه الخمسة إلا النسائي . . و شرط الولي التكليف و الذكورية ، لأن المرأة لا ولاية لها على نفسها ، ففي غيرها أولى .
و الحرية لأن العبد لا ولاية له على نفسه ففي غيره أولى ، و الرشد في العقد ( المقصود رشد الولى ) ، و اتفاق الدين فلا ولاية لكافر على مسلمة و لا لنصراني على مجوسية لعدم التوارث بينهما . . و السلطان يزوج من لا ولي لها . . فلا تزوج المرأة نفسها و لا غيرها .
و أحق العصبات بعد الأخوة بالميراث أحقهم بالولاية ، و ولى الأمة سيدها لو كان فاسقاً ”

****

سادتنا يا حكومات بلادنا . .
ربما آن الأوان كي لا تظلوا خاضعين لإرهاب رجل الدين و رهاب سلطان الماضي على الناس ، لأن ذلك لم يعد في صالح الوطن و لا الناس ، بعدما تغير الزمان و المكان بالكلية ، ربما آن الأوان للإعتراف بأهلية المرأة و إسقاط شرط الولاية الذكورية عليها ، و إعلان أنه و إن كان مناسبً لزمانه فإن اليوم هو الفساد عينه ، لقطع الطريق على الذكور المتاجرين ببناتهم في سوق النخاسة ، بل و تجريمه ، أو علينا حتى نكون صادقين و لا تزوغ عيناً منا في حداثة اليوم و العين الأخرى في خير القرون زمن البعثة ، و لنعد فوراً و بالكلية إلى ذلك الماضي الذهبي ، و هو كما ترون أمامكم بأقلام أجلة فقهاء الأمة . . هذا إن كنتم صادقين و لا تتاجرون بنا و بديننا .
يا حكومة خدي مرة خطوة في الاتجاه الصحيح لتكون تجربة رائدة تتبعها خطوات أشد جرأة نحو النور .
أما المسلمون الذين لا يعلمون عن دينهم إلا ما يلقيه إليهم الوعاظ ، فهؤلاء يعلقون بكل ما يجهلون برقبة فقهاء آخر الزمان ، و ما ارتكبوه في حق المسلمين من إبادة شبه تامة للوعي و العقل و الفهم .

د. #سيد_القمني

2008 / 9 /10
—————

( #أدمن_saeed )

الشك فى تاريخنا المقدس هو أول الصواب – د. سيد القمني Sayed ElQemany

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫7 تعليقات

  1. أي إنسان دون تفكير يعتبر لا قيمة له ولا شخصية له لأن التفكير يجعل المرء يعرف الخطأ من الصواب ولا يكون في حاجة لمن يكذب عليه باسم الدين والمعتقدات المغلوطة ولا يصح إلا الصحيح،، رحمك الله يا أيها البطل،،

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى