مفكرون

هذا مقال كتبته فى الأهرام فى يونيو ٢٠٠٨…


هذا مقال كتبته فى الأهرام فى يونيو ٢٠٠٨

رسالة إلى قاسم أمين

شريف الشوباشى

أشعر بك يا محرر المرأة تتقلب فى قبرك الذى أودعوك فيه وأغلقوه عليك منذ مائة عام بالتمام والكمال. وقد ظلت روحك الطاهرة تحلق فى سعادة لعشرات السنين بعد رحيلك وقرت عيناك وأنت تشعر من عالمك العلوى أن أحوال المرأة فى مصر تتطور ودورها يزداد فعالية وأن صوتها قد ارتفع للمطالبة بحقوقها المشروعة ومساواتها بالرجل فى الحقوق والواجبات. لا شك عندى أن روحك قد صفقت عندما تحررت المرأة من العقد النفسية التى لازمتها لقرون طويلة واقتحمت كافة مجالات العمل ورفضت الخضوع والتبعية وأبت أن تكون مجرد دمية فى يد الرجل كما كانت منذ آلاف السنين فى مصر بل وفى العالم أجمع. لا شك عندى أن أساريرك قد انفرجت لمّا شاهدت ثمرات أفكارك المتحررة وآرائك التى سبقت زمانها تتحقق فى الأجيال المتوالية على أيدى ملك حفنى ناصف وهدى شعراوى وسيزا نبراوى وكثيرات غيرهن.
سبقت عصرك عندما أدركت أن المجتمع الذى يضع المرأة فى قفص ذهبى لا يمكن أن يعرف طريق التقدم. سبحت ضد التيار عندما أعلنت أن رسالة المرأة فى الحياة ليست مجرد الطاعة والامتثال لأوامر ونواهى الرجل. كسرت الحواجز عندما صحت بأعلى صوتك أن المرأة ليست مخلوقا ناقصا ومبتور الأهلية بل إنها تتمتع بالعقل والإدراك وبإرادة حرة. فهمت قبل الآخرين أنه لا يجوز أن تترك المرأة مصيرها بين أيدى الرجل يدبر لها أمور الحياة ويتخذ القرارات المصيرية وغير المصيرية نيابة عنها.
وسبب تعاستك الآن أنك تدرك أيها الرائد العظيم أن اتجاه الدفة قد تغير وعادت الأمور تنقلب على المرأة من جديد. صحيح أنها تتعلم بالجامعة وتمارس الوظائف العليا وتظهر فى وسائل الإعلام.. لكنها بدأت تفقد أهم ما حصلت عليه وهو الوعى بإرادتها الحرة واستقلالها الذاتى وحقها فى تقرير مصيرها بنفسها دون وصاية من الرجل.
اليوم أصبحت المرأة هى التى تدخل القفص الذهبى بإرادتها وتغلق بابه على نفسها وعلى عقلها.. وهى تردد التبريرات والدعاوى التى يطلقها بعض أصحاب الفتاوى الزائفة الذين يستخدمون الدين والدين برىء منهم ومن فتاواهم. وملخص هذه الفتاوى أن المرأة كائن ناقص العقل وأنها ليست مؤهلة لأن تكون مستقلة وأن تتخذ قرارات مصيرية بالنسبة لنفسها وأولادها وأسرتها. وبالتالى فإنه لا بد أن تسلم بتفوق الرجل على المرأة وتقنع بوصايته عليها وتكتفى بالخضوع لإرادة الرجال لأن الله سبحانه وتعالى خلقهم لمهمة قيادة المجتمع فى حين خلقها لتكون تابعة أمينة لهم.
وأنت من قبرك تحاول أن تلوح لنا وتصرخ بأعلى صوتك لتلفت انتباهنا ولتصل رسالتك إلينا : احذروا .. أنتم تسيرون فى طريق يعيدنا إلى الوراء ويدمر كل المكتسبات الاجتماعية والأخلاقية والثقافية التى حاربت الأجيال الماضية من أجل الحصول عليها.
لكننا للأسف لا نسمعك فنحن منغمسون فى دنيا تختلف كثيرا عن دنياك. دنيا كلها صخب ومزايدات ولى للحقائق تجعل صوت العقل يتوه وسط الصراخ والزحام.
ويسعدنى أن أبلغك يا أستاذنا الجليل أن الله قد رحمك من مشاهدة ما يطل علينا من خلال شاشات التلفزيون فى هذه الأيام. أناس يدّعون الحكمة والفضيلة يطلقون آراء تهز ضمير الأمة من الأعماق، ويفسرون حقائق الحياة من خلال منظور ضيق يضع المرأة فى مكانة الدمية التى تحركها الغرائز.. دمية عاجزة عن معرفة مصلحتها واتباع طريق الحق والدين.
ولو استمعت إلى ما نستمع إليه اليوم من فتاوى لارتفع ضغط دمك وزادت فى شرايينك نسبة الكلسترول، وهى كلمة لم تسمع عنها ولا تعرف معناها. ولو بعثت فى دنيا الأحياء لربما اخترت طوعا أن تعود إلى قبرك وتطلب منهم أن يغلقوه عليك بإحكام.
وأنت تعلم أن هناك فروقا كثيرة بين المرأة والرجل. لكن المجتمع الذى يستند إلى هذه الفروق الطبيعية ليجعل من المرأة مواطنا من الدرجة الثانية ويترجم الفوارق بينها وبين الرجل إلى فوارق فى الحقوق والواجبات إنما هو مجتمع يتقبل مبدأ التفرقة بين الناس جميعا.. يتقبل التفرقة بين الغنى والفقير وبين القوى والضعيف وبين الأبيض والأسود وبين السنى والشيعى وبين المسلم وغير المسلم.
وهذا هو المجتمع الذى رفضته بشدة أنت وشموس التنوير الذين سبقوك أو جاءوا من بعدك ورفضوا كل أشكال التفرقة بين أبناء البشر. لقد فهمت يا سيدى قبل غيرك أن النضال من أجل حرية المرأة إنما هو فى الواقع نضال من أجل حرية الرجل.. لأن الحرية لا تتجزأ والمساواة بين الناس هى أهم دعامة لتقدم المجتمع وأى شرخ فى المساواة أيا كانت تبريراته إنما هو شرخ يطال الجميع، والرجل الذى يقبل استعباد المرأة سيجد من يستعبده نظرا لأن مبدأ الاستعباد لا يعرف الحواجز.
لقد أنصفتك الأيام فترة ثم عادت وانقلبت عليك. ولكن لا تقلق يا أستاذنا الجليل.. ستعود المرأة المصرية إلى رشدها ويعود وعيها بحقوقها وواجباتها. سيعود الوعى إلى عالمنا العربى.. إنها مسألة وقت.
e.mail : [email protected]

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫5 تعليقات

  1. هؤلاء الافاقين استطاعوا ان يقنعوا المرأه الحاليه بقله قيمتها عن الرجل وانها لاتستطيع ان تتخذ قرار صحيح في حياتها … واستطاع ان يجعلها تحارب من يطالبون بوضعها بمكانتها الحقيقيه وحريتها وعدم تبعيتها وهذه هي المشكله الحقيقيه ان من يقف امام حقوق المراه هي المراه ذات نفسها ….

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى