كتّاب

تاج المرأة كرامتها…


تاج المرأة كرامتها

(حطى كرامتك فى الدرج.. تبرعى بـ«جزء» من زوجك لأخرى).. هذه العبارات الصادمة ليست مهينة فحسب، ولا تدعو لتحقير المرأة فحسب، بل تضرب المنظومة القيمية – الإخلاقية فى الصميم.. تغيير القاموس اللفظى فى التعبير عن «الإنسانية» هو فى حقيقته تغيير لطبيعة الإنسان أو «تشيىء الإنسانية» بمعنى تحويل كل المعانى السامية التى محلها الضمير والوجدان إلى «أدوات».
التشيُّؤ فى الإنجليزية reification يعنى «تحوُّل العلاقات بين البشر إلى ما يشبه العلاقات بين الأشياء. علاقات آلية غير شخصية، ومعاملة الناس باعتبارهم أشياء مجردة».. والتشيىء هو مفهوم مركزى فى النظرية النسوية، ويُعرّف على أنه رؤية أو معاملة شخص ما كشىء، وغالباً ما تتعرض له النساء.. وإن كان المفهوم قد بدأ فى البداية عن تشيىء «جسد المرأة» إلا أنه يتجسد فى عدة محاور أخرى.
الغريب فى عملية تشويه المرأة أو تشييئها أنها ساهمت فيها بعض النساء بقدر كبير، ولا يختلف هنا ذنب النساء اللاتى تحولن إلى «سلعة» عن النقيض لهن، أى التى تحولت إلى «عورة».. وخلف السلعة والعورة الكثير من الانتهاكات لحقوق المرأة واستقلاليتها وأهليتها الكاملة.
فى الحالتين تفقد المرأة استقلاليتها الكاملة وقدرتها على تحديد مصيرها، إنها مجرد «أداة» وليست إنساناً له هوية.. ويمكن ترجمة هذه المصطلحات إلى ما نراه يومياً فى القوانين: قضايا النشوز والطلب فى بيت الطاعة، عدم أحقيتها فى استخرج جواز سفر دون موافقة الزوج، الحج بـ«محرم» وهى ظاهرة ربما تكون على وشك الاختفاء.. إلخ القوانين التى تجعل من الزوجة «ملكية خاصة» للزوج.
فى «العرف» فى بعض قرى الريف والصعيد تحجب الأسرة ميراث المرأة، بزعم أن أملاك العائلة لن تذهب إلى غريب، وبالرغم من وضوح القانون.. خلف هذه الأعراف ترسانة من الفتاوى والتراث الدينى الذى دشن وضعية المرأة كـ«أسيرة»: فشهادة المرأة نصف شهادة الرجل، المرأة تقطع الصلاة كالكلب الأسود والحمار، وعلى قمة قائمة القهر: «اضربوها لكسر كبريائها».. (لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) حديث شريف، وكذلك «ما أفلح قوم ولوا أمورهم امرأة».. إن قلت إنها أحاديث ضعيفة سوف يزأرون ويهددون بقانون ازدراء الأديان ويكفرونك ويلعنونك فى كل مكان!
هل «العورة» يجب تغطيتها حتى قبل أن تصل الفتاة إلى سن التكليف، اقرأ حديث رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، الذى يقدمونه حجة على فرضية الحجاب.. قال: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وأشار إِلى وجهه وكفَّيه.. ثم انظر إلى الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعى لبراعم لم تتفتح بعد.. بنات لا يزيد عمرهن عن خمس أو ست سنوات يتشحن بالحجاب ويجلسن القرفصاء فى فناء مدرسة دينية.. لقد بلغ الشطط بتحجيب الطفلة (قبل سن التكليف وهو البلوغ) أنها تتربى وتنشأ وتتعلم أنها مجرد «شىء» يحجبونه، يغطونه، يعرونه.. تتعرض للتحرش أو الاغتصاب الزوجى، المهم أن تعتاد العبودية وتركع لزوجها أو لأى غلام فى العائلة.
هذا المنظر الصادم يتعارض مع صور الوزيرات والقاضيات فى مصر.. وكأننا أمام دولتين: دولة تمكّن «عظيمات مصر» ودولة موازية تشيطن المرأة وتشيِّئها وتشوه وعيها وتنفيها؟!سوف يثورون: إنها أجندة غربية.. بل أنتم من تنفذون «أجندة سلفية رجعية» وتعودون بالمرأة إلى عصر الجاهلية.. تحجيب الطفلة فى الروضة انتهاك لحقوق الطفل يتم على الملأ.. لأنها مجرد شىء «مفعول به» فى التعليم الدينى.
أنا لن أستغيث بالمجلس القومى للطفولة والأمومة.. بل سوف أصرخ: أريد المرأة التى كرّمها المولى عز وجل.. وناداها رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى» بـ«عظيمات مصر».
فى الطبقة المتوسطة المرأة ليست «أداة» بل إنها «الوتد» الذى يضمن استقرار الأسرة، وإذا سقطت المرأة فى فتاوى ودعاوى التغييب والتشويه، تسقط الأسرة التى تحفظ كيان المجتمع.. هذا الكلام ليس «نسوى» إنه حديث عن الأمن القومى للبلاد. . عن الاستقرار والأمن الاجتماعى.
هل تقودنا عبارة «حطى كرامتك فى الدرج» إلى كل هذا؟.. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫11 تعليقات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى