كتّاب

نحن الهنود الحُمر، يا مقدشي….


نحن الهنود الحُمر، يا مقدشي.
ـــــــــ

لم يكن المقدشي من جنرالات الجيش المُهابين، أو ذوي الذكاء، لكنه كان يملك أفضل القصور. فجر الحوثيون واجهة قصره، فأصيب الناس بذهول كبير. انتظر المقدشي تعاطفاً شعبياً، فها قد صار شهيداً، غير أن الناس ذهبت تسأل: أتوجد مثل تلك القصور في أفقر دولة في العالم الثالث؟ أما أنا فسلكت وادياً آخراً: جلستُ على كرسيي وتأملت الرجل، ملامحه، انتفاخة شفتيه، الجزء المتدلي تحت ذقنه، كرشه البارزة وهي تدل على أنه قليل الحركة، والطريقة التي ينطق بها أحرف كلمة “الوطن”.

المقدشي هو أحد رجال هادي، ولا يأتي هادي سوى بالرجال الذين على تلك الصورة. يستطيع العثور عليهم، إنهم يشتم رائحتهم من مسيرة شهر. محاطاً بالرجال أمثال المقدشي سلم هادي الجمهورية إلى العصابات الحوثية.

نتذكر كيف لعبت الآلة الإعلامية على المستوى الشعبي، فقد اصطنعت قصة تقول إن “عفاش” يقف ضد استمرار “محمد ناصر” وزيراً للدفاع، لكن هادي فرض إرادته. بعد أشهر كان محمد ناصر ضيفاً لدى “الحاكم”، قائد الميليشيات الحوثية، وتجاوز الرجل مسافة “بنت الصحن” الشهيرة بكثير.

لو لم يكن لعفاش من جريمة وطنية سوى أنه أنتج هادي لكان ذلك كافياً لصلب عفاش على جبل هيلان.

فيما بعد، عندما أحس هادي بأنه صار رجلاً بالغاً ومن حقه أن يقول “أنا حُر” فقد راح يستبق مع عفاش على أكثر الرؤوس نجابة. استبق الرجلان على الحوثي، وبينما كان صالح يسلم الوحدات العسكرية ومخازن الذخيرة للحوثي راح هادي يسلم الحوثي ما تبقى من الجمهورية. يوجد عبيد طوعيون للرجلين، وسينكر أولئك العبيد هذه الحقائق لكننا سنذكر بها غير آبهين بتلك الحمرة اللذيذة التي ستضرب خدود العبيد.

قلتُ لضابط عرف المقدشي: ولكن لماذا المقدشي؟ فرد وهو يحاول أن لا يضحك ولا ينفعل كما لو كان يتحدث عن خرافة: المقدشي هبار، لكنه وطني، وطني. سألته: هل يمكن أن يكون المرء هباراً ووطنياً في الوقت نفسه؟ أليست فكرة “الهبر” مرادفة لمعنى التقويض، والخراب وتفكيك المؤسسة وتنمية الشبكات واحتقار القانون وصناعة الفقر؟ لم يجد الرجل الرفيع من إجابة وراح هذه المرة يضحك: لن تجد بين قادة الجيش أفضل من هذه الخلطة “الهبار الوطني”، غير ذلك ستجد فقط هبارين.

بالخلطات السامة وقفنا تحت سمائنا الزرقاء لنحارب. كان الأعداء شديدي الوضوح، فهم أولئك الذين يحملون السلاح ويطلقون النار ويجتاحون المدن غير مسنودين بأي مشروعية قانونية أو دستورية. أولئك هم الأعداء، وهم الجائحة التي حلت بنا، وما كان لهم أن ينتصروا على الجمهورية لو كان جيشنا الوطني خالياً من الهبارين الوطنيين، ولو كان هادي رجلاً ذا خيال وأخلاق.

رفع المقدشي أعلى من مستواه، وكان ضابطاً مائع الملامح يحصل على كل شيء، ولا يقدم من خدمة سوى الطاعة والانحناء. الجيش الذي انهزم أمام الحوثي، واستسلم له لم يكن جيشاً، كان شبكة. وكان أجدر به أن يكون اسمه الحقيقي: “شبكة القوات المسلحة في اليمن”.

كان المقدشي أحد رجال تلك الشبكة، أو ثقوبها. ها هو الآن يقف على مقدمة الجيش اليمني، وعيناه تركضان في أماكن أخرى. بينما يخوض العرب واليمنيون حرباً معقدة، حرباً هجينة، يجد المقدشي وقتاً كافياً لإرساله أبناء أسرته لدراسة العلوم العسكرية في دول الخليج، وتصفية حساباته مع الضباط الصغار، وحتى اعتقال الصحفيين والتهديد بقطع أطرافهم.

المقدشي هو “واحد من المِدْبِرِين” الذين أوهمونا إن سماء صنعاء إن سقطت فسترفعها أكتافهم. عندما سقطت السماء لم تقع سوى على الأقدام. ماذا كانوا يفعلون؟ يا له من مشهد!
لا نريد أن نرمم منازلنا بأحجار الماضي. تلك النصيحة التي أسداها ستالين يوماً للناس لم تعُد مغرية. لنلقي أحجار الماضي إلى طريق السيل، ولنتأكد أولاً أن السيل يجري.
لا يخجل الرجل وهو يرى آلاف اليمنيين يموتون جوعاً إن لم تقتلهم الحرب. يلتقي فريقاً من مقاومة تهامة فيبتزهم على طريقته: الجنوبيون سيطروا المناصب ويشنون حملة ضدي، وأنا آخر من تبقى من الشمال في الدولة!
آه منك أيتها الدولة، يا عاهرتي الجميلة، أين أنت؟
كان يتلقى الإشارات من مقاومة الزرانيق، ولا يستجيب. ماذا بمقدورالمقدشي أن يفعل للزرانيق؟ وهل يعرف عن أرضهم شيئا؟ وعندما وصل أول المهزومين من الزرانيق إلى الرجل وعاتبه “أرسلنا طلبنا، الحوثيون هاجمونا بالدبابات” أمسك المقدشي بكتفيه وأخذه إلى ركن بعيد في المجلس “هذه قصة حقيقية وليست مجازاً” وطلب منه دعماً إعلامياً.

حسناً، ستحصل على الدعم الإعلامي الذي لا تريده.

لقد انخدعنا مرة واحدة، وكانت مرة قاضية. لم يعد لدينا من أشياء كثيرة نخشى عليها. انظر إلينا كيف نموت. البارحة مات جارنا عبد الله عبد الوهاب، كان اسمُه أفضل موسيقى في القرية، ويبعث السكينة. لم يبلغ الخامسة والعشرين وله طفل، ولا يملك مالاً، وامرأته مسكينة وفاقدة الحيلة وتصغره في السن. طلب رؤية طفله، وهو يموت، فرفضت الأسرة. أصر على رؤية الطفل، ومنع من تلك الأمنية. لم ترد أسرته أن يموت مهزوماً ومتألماً. لكنه كان مهزوماً ومتألماً، وكان يريد أن يعيش. ذهب يبيع القات ويتسابق مع الموت الصاعد من “صمامات القلب”، وهو يفكر بجمع مال كافٍ لإجراء عملية. لكنه مات على كل حال، كان موته أسرع منه.

مات عبد الله، وذهب أبناء المقدشي للدراسة في البحرين. مات عبد الله، وقال الحوثي إنه سيقاتل إلى الأبد، مات عبد الله وقال صالح إنه سيقاتل لـ ١١ عام. سيموت اليمنيون أفواجاً. الذين يقتلهم الرصاص والمدافع ليسو سوى جبل الجليد، فاليمنيون يموتون بطرق أخرى، أكثر إيلاماً وبؤساً.

نحن الهنود الحمر، يا مقدشي..
نحن الهنود الحمر، يا عبد الملك الحوثي..
نحن الهنود الحمر، يا هادي..
نحن الهنود الحمر، يا صالح..

يتبع ..

م. غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫37 تعليقات

  1. محززن جدا. والله ماادري ايش اقول لك. كلام جمييل ومحزن في نفس الوقت ولكن الان كيف يخون بَعضُنَا بعضا كيف ننتصر اذا استمرينا هكذا كل منا يلوووم الاخر ويخونه لابد من إيجاد طريقه مثلى لزرع الثقه بين كل فصائل المقاومه ومعرفة العدو الحقيقي الحوثي وعفاش هم اعداء هذا الوطن ومن أعلن عودته لابد من قبوله حتى على مضض

  2. قبل عدة ايام،، كنت أقول لبعض الأصدقاء أننا لن نتطور ابدا ولدينا مشكلة أخلاقية وعقلية بهذه الحجم تتمثل في اختلال المعايير في الحكم على الاشياء، لا يوجد إلا في اليمن هذه العبارة:”سارق بس وطني”،، مؤسف، مؤسف حقا.
    شكرا مروان على مقالاتك، كلماتك، وشجاعتك قبل ذلك.
    محبتي صديقي

  3. العنوان المقدشي والمقال على هآدي !
    مسكين هادي ، حتى وهو في الموقع الشرعي والمخلص ، لم تشكروة ..بما أن الغفوري من الوسط ، تعز التي أهلها اكثر من هلل وفرح لمخرجات حوار هادي واقاليمة الستة ..هذا الانصاف الذي لم يمنحه لهم اي رئيس منذ ان عرفوا انفسهم لم يشكروه !
    احيانا لا اريد ان استعير هذه الجملة ولكنها أختصار لكل مقال وهي جملة الشهيد الثلايا والدكتور ياسين سعيد نعمان .
    عند كل هجوم من ابناء تعز على هادي أعلم أن الدكتور ياسين كان محق .

  4. لقد اصابتنا هذه القيادات الهباره الفاشله العابثه المترهله في مقتل ، فلا ثوره نجحت ولا مقاومه صلحت ولا معركه انتصرت ولا امل يلوح في الافق

  5. أيش المطلوب من هادي و من وقف معه تسفيه من هم في الصف الأول قيادات تقف و تقاتل ضد الإنقلابين في هذا التوقيت ليس له من مبرر ايش المطلوب بالضبط يا دكتور .ماهي البدائل التي تنصح بها من هم الكفاءات و الوطنيين الشرفاء من مدنيين و عسكريين التي يجب أن يختارها هادي دون هؤلاء ضعوا مقترحاتكم لمن هم أجدر ولهم شعبية و قدرة على العمل و التأثير . الفلسفة و المقالات الطنانة الرنانة الجوفاء لا تخلق بدائل بل تسئ للقائمين على الواقع المر و الأكثر مرارة النقد غير البناء و توقيته ….
    مع تقديري للجميع.

  6. هادي أصر على استعمال المستعمل ليضمن الولاء ذاته الذي حظي به عفاش .. ولم يدرك الفارق بالقدرات والترتيبات التراكمية والزمنية .. ولم يكن يفكر بشيء غير بقائه في السلطة كما فعل سلفه

  7. أنت وجعنا, حين تكلمت عن حميد الأحمر أنفجر الأصدقاء في وجهك ذلك ليس استيعابا منهم ولكنك وجعنا وحروفك هي الدواء لهذا الوجع الذي ينخرنا. لا تصدق أي سياسي في اليمن جميعهم بل جميعهم فاسدين, الصالح فيهم الهبار الوطني.

  8. كلام في غاية الروعة ومن صميم الواقع المعاش ولاكن المتحمرين امثال علي الحميري افسد جمال وروعة النص بتعليقات تبعد ١٨٠ درجة عن صلب الموضوع
    وصدق من قال لكل من اسمه نصيب يا حميري

  9. و اخيرا خرجت من عباءه التجمل ..

    وضعت النقاط علی حروف الواقع .. كنت قويا اليوم لانه مات عبدالله عبدالوهاب ..

    و افدت و حللت لغز تسليم هادی للسلطه و الدولة و لكن بمفهومك او كما رايتها انت بانهم كانو يتسابقون علیه لتسليمه ..

    اما المقدشي لم تاتي بجديد فهذا هو المعروف عليه ..

    اما هبار و وطني فهذا ما ذهب بنا الی ما نحن عليه اليوم .. بد تزداد مبالغ الهبر فتبيع الوطن بمن فيه ..

  10. السؤال هو اين ذهب ابناء جيش الجنوب الوطني ؟ لماذا لايستعين بهم الغبي هادي لتحقيق النصر بدلا عن هولاء اللصوص الفاسدين

  11. مقال يأتي بعد خراب البصرة ..
    كم لمعت للصوص (الثقوب) حول هادي بعذر انهم مع الثورة و مع التحرير ..
    و لما يفشلو يبدأ النواح !!!
    المشكلة ليست في المقدشي و لا غيره ..
    المشكلة في هادي
    و أسلوب هادي
    و تفكير هادي
    و حقد هادي ..
    من يرضى هادي قائدا لثورته
    فلا يلوم إلا نفسه .

  12. اعجبني
    – نريد أن نرمم منازلنا بأحجار الماضي
    – مات عبد الله، وذهب أبناء المقدشي للدراسة في البحرين. مات عبد الله، وقال الحوثي إنه سيقاتل إلى الأبد، مات عبد الله وقال صالح إنه سيقاتل لـ ١١ عام.

  13. مروان الفشخوري
    أول شي يلمع ويطبل ويلمع ويطبل ويلمع ويطبل
    وعندما لا يجد مصلحه منهم يرجع ينوح وينوح وينوح ويخرج علينا بخطبة عصماء وصفحه طووووويله من الهراء لا يخلو من التكلف الإنشائي
    أغنيات قديمه مللنا سماعها.

  14. لا تخشى شيئاً عزيزي الجنرال محمد المقدشي
    أنت صانع الجيش الوطني ، ومؤسسه رغماً عن أنف المتهورين
    لقد آمنت بفكرة الجمهورية ، ودافعت عنها بكل شرف وستظل كبيراً وقائداً مهما حاول الصغار النيل منك بمقالاتهم
    – مروان الغفوري ينال منك
    هل رأيت كم هم الحمقى صغاراً ليقودوا معركة جانبية فارغة ؟
    لا بأس .. لا بأس ..
    ..
    لقد نال (مروان) من النبي محمد صلوات الله عليه ، فمن أنت أمام نبي الأمة؟
    ، لقد نلت شرف انضمامك الى مواكب الانبياء والصالحين والقادة الذين يهاجمهم مروان الغفوري ..
    .. لا تنتظر من الحمقى أن ينتصروا
    أبداً
    فلو كان الأمر بأيديهم لما تحرك ساكن في هذه البلاد للدفاع عن حريته ودستوره وسلامه ودولته
    ..
    إبتسم عزيزي الجنرال
    فمن يخون جيشه اليوم ، ومعركته لا يستحق ان نقرأ له
    ..
    كل التقدير لك
    س.غ
    سام الغباري

  15. ما اسهل الحرب على المتفرجين
    بغض النظر عما كان عليه معظم من سكتوا على دمار الوطن وكلنا ضدهم جميعا ولكنهم اليوم انقلبوا ضد عفاش والحوثي ، فما يفعلوه اليوم هو التاريخ ومن يكتب من تحت المكيفات ليس كمن يضحي بنفسه في الميادين.

  16. أكثر من شخص يعرف المقدشي قال لي نفس الكلام :
    المقدشي صحيح يحب الفلوس موت، لكنه وطني وشجاع.
    لا تجتمع الشجاعة والجشع ولا الوطنية والهبر.
    سلم قلمك دكتور.
    لقب جديد للشعب المطحون من عيال الشغالة إلى الهنود الحمر.
    لن يكن مصير هذا الشعب كالهنود الحمر مهما كان

  17. الفرق بين مروان الغفوري والحماريش العاديين أن لديه قدرة على صياغة جمل الإقناع ولكنها لاتنجح دائماً نحن نتابع مقالاتك ومنشوراتك يادكتور فليست كلها على مذهب الإمام زيد بن علي رافضة للظلم هناك بعضها ولوكان رأسه زبيبة وبطيز الزبيبة عودي .

  18. هههههههههههههه تذكر الدنبوع حين راح لعمران بعد التمرد الاخونجي ، وقال الان عمران عادت الي حضيرة الدولة ، الان عمران خالية من قطاع الطرق واللصوص
    😉سلام الله ع الحوثي يبسط الامن والامان ، محلي يفتتح ولا يسرقوا منة مليم ……جا يقول لي شرعية اخاف ع كعلي ليسرقوهن

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى