كتّاب

أهلا رمضان…ياصديقي القديم


أهلا رمضان

أهلا بك يا صديقي القديم، مرحبا بأيامك الطويلة والقصيرة، بلياليك الساخنة والباردة،حيا بك و بذكرياتي معك منذ عرفتك قبل أن أعرف نفسي جيدا، حيا بك يا رمضان وبي طفلا ينتظرك في وحشة القرية البعيدة بشغف العجائز بك و تعب النساء فيك و خوف الرجال من شرهك ودلعك .

أهلا رمضان، لقد أتيت هذه المرة كما عودتنا،لكنك لن تجدني طفلا أقضم نصف نهارك خلف البيت أو تحت الغطاء و أتظاهر في نصفك الآخر بالتعب والإيمان لكي أخدع نفسي و أقراني بأنني أصبحت شابا قويا قادرا على القيام بواجبات الكبار و على احتمال الجوع و ابتغاء الأجر من الرب الذي كنت أتخيله سابحا في النوم ككل المؤمنين وهذا ما جعلني أطمئن أنه لن يراني حين أقفز على إبريق الماء أو ألتهم رغيفا، وأنه رب طيب كجدتي و أمي، سوف يصدقني ويفخر بي حين يصحو عصرا ويراني بوجه ضامر وشفتين يابستين بفعل الغبار الناعم الذي أدلكهما به من فوق كتاب تليد أو جدار جاف.

أهلا رمضان، لقد كبرت و أصبحت رجلا، صرت أخاف منك كما كان يفعل أبي، لم أعد أبتهج بك كثيرا، أراك عاديا و عدوا أحيانا، وبرغم تعبي من كل الأشهر كلها بما فيها أنت، غير أني لن أخذلك، لن أدعك تنام وحيدا حتى المغرب،ولن أحرم نفسي من مسامرتك،على طريقتي لا على طريقتك، ليس لأنك لطيف بي و ودود معي، ولكن لأني أحترم فيك إكبار عائلتي لك،قد لا أرتاح لتراوحيك،لكني سوف أترك لروحي حريتها لتأخذ منك ما تشاء، ترعى غنم الجوع على طول نهاراتك، وتأخذها لذة القات إلى حضرة الغيب وخضرة الغياب ليلا.

أهلا رمضان،هل تبدو سعيدا هذه المرة و أنت تدخل بيوتنا بلا فوانيس ولا مسابح ولا أتاريك ولا مسلسلات و بلا فوازير ولا مرح ولا أغنيات تمجدك على شفاه النساء و في حناجر الصغار وتهاليل الكبار؟!.

أهلا رمضان،نحن الآن معك لا كما كنا من قبل،معك حتى لو لم ننتظرك هذه المرة ولو لم نفرح بك، معك وجوها شاحبة وقلوبا منهكة وبيوتا حزينة، معك جثثا و أضرحة و جراحا، معك موائد جائعة و مصاحف مفجوعة و سجاديد بلا متبتلين، معك غرباء ومشردين و متعبين، معك يارمضان كما نحن،أياما حافية وليال وحيدة، معك صلوات بلا رائحة و ابتهالات بلا طريق ولا طعم.

أهلا رمضان، ألا تزال كريما يا صديقي القديم ومباركا؟!
خذ معك إذن مصروفا يكفي لأن يرفع الحرج عن أصدقائك الطيبين الذين استنزفتهم الشهور المتوحشة، أكلتهم لحما و رمتهم عظما كما قيل.
لكن بالله عليك لا تبالغ في كرمك،ما من داعي للبذخ،أرجوك.

أهلا أخيرة يارمضان، لسنا بخير هذه المرة، وأنت شهر الخير، لا نريد منك الكثير،لكنك كريم و نحن نستحق، هذه قائمة طلبات بسيطة لم تكتبها ربات البيوت،ليس لأنهن قنوعات هذا الموسم، ولكنهن انشغلن بالخوف من الحرب و الحزن على المفقودين.

إليك بعض الاحتياجات الطارئة..
خذ معك رغيفا يابسا للنازحين..
خذ شربة ماء بلا كوليرا للأطفال..
خذ نورا للطريق إلى مقبرة ضحايا الحرب..
خذ أصدقاء للفقراء الذين يتدثرون بالخجل وينامون..
خذ براويز و ألوانا لصور القتلى..
خذ صبرا لأجساد المختطفين..
خذ دموعا للمشردين و سكرا لقهوة المنفى..
خذ هدوءا للبيوت،و ضجيجا للشوارع،ومصابيح للمدينة، وسلاما للبلاد..
خذ قلوبا للناس، و أسئلة للتائهين في السبل..
خذ إلها لعبدة الأنظمة والملوك و لسدنة الأحزاب و المذاهب والأوهام..
خذ دينا يتسع للبشر والشياطين وللتواشيح و الأغاني..
خذ وجوها للساسة و خجلا لرجال الدين..
خذ وفاء للأرض وغضبا على المستعمرين وتسامحا بين الأخوة..
خذ ملحا للكلام و نكهة للشعراء..
و أخيرا..
خذ لنا وطنا، أو خذ نفسك و انصرف، اخرج من ضياعنا وعد من حيث أتيت فنحن بلا موائد ولا وطن.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

عامر السعيدي

أغنية راعي الريح

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى