كتّاب

موائد اللئام…


موائد اللئام

عندما تقدم خدمة لأحدهم، أو تصنع معروفا في آخر، فإن من مكارم الأخلاق أن تفعل ذلك بنبل الرجال العظماء، لا أن تحوّل معروفك إلى عصا تضرب بها رأس من اعتبرك إنسانا نبيلا يوم استعان بك أو أعنته بدوافع إنسانية في ظرف من الظروف.

لقد كشفتنا الحرب وأخرجت أسوأ ما فينا، إذ لا يكاد يمر شهر دون أن نسمع أو نقرأ عن نذالة هنا أو هناك، يتقيأ أصحابها على أنفسهم حين يمنّون بما أعطوا ويعايرون الآخرين بالحاجة أو بالخدمات النذلة التي يقدمونها للناس .

نتابع جميعا، ونسمع دائما مثل هذه القصص التي أصبحت ظاهرة رخيصة وأداة حادة لتصفية الحسابات أو إهانة الخصوم أو ابتزاز المحتاجين أو جرح الأنفس الكريمة بالمن والأذى.

يستطيع اللئيم أن يدمر حياة إنسان بالمنّ أو المعيارة، أن يهشم زجاج القلب باستدعاء لقمة عيش أكلها جائع على مائدته، أن يهتك روح مستور بكشف حاجته يوم لجأ للنذل في حالة انكسار، أو لنقل يوم حاول النذل أن يكون نبيلا وكريما في لحظة ما، ثم ينكشف بمجرد أن يستاء من صاحبه فيذهب لتذكيره أنه صنع فيه معروفا، أطعمه خبزا أو أقرضه مالا أو أسعفه مريضا أو أنقذه مدينا أو ستره عاريا أو آواه مشردا.

قليلا من الخجل أيها الصغار ..

– إذا أستعان بك أحد، فلا تذكره بذلك بمجرد أنه اختلف معك أو لم يسبح بحمدك بكرة وعشيا..

– إذا طرق بابك محتاج حين ظنك رجلا، فلا تقف على السطح وتعيره بحاجته فتشوه صورة الرجل في عينه وتصبح حقيرا في كل العيون..

– إذا ساعدت صديقك في مأزق أو غربة أو في مرض أو في أي شيء مهما كان بسيطا، فمن العار أن تجعل مساعدتك غصة في حلوق خلق الله.

من النبل والشهامة واكتمال الرجولة والإنسانية أيضا، أن تحفظ للجميل جماله حين تصنعه في أحد..

من العار أن تصنع المعروف وتحوله إلى سلاح ..

من العار أن تقف مع صديقك وتشهر به بين الناس..

من العار أن تخدم صديقا بصمت، وتحدث زوجتك بما فعلت، فتذهب لتخبر نساء المدينة بذلك وتضع صديقك في حرج أمامك وأمام نفسه وأمام أصحابه وجيرانه وهم يلمزونه بك..

الكريم لا يحدث نفسه بما أعطى، يصنع المعروف ويرمي ذكراه في البحر أو ينثره بالريح..

سواء كان اللئيم مسؤولا حكوميا، أو شيخ قبيلة، أو زعيم عصابة، أو رأس مال، أو ملك أو أجير، وسواء أساء للآخرين بسذاجة أو سوء نية، فإنه سيبقى لئيما في نظر نفسه وأبنائه وأصاحبه الذين أراق ماء وجوه الناس أمامهم وفي نظر اللؤم ذاته.

عيب تحولوا جمائلكم إلى حملات تشهير..

عيب تنتقموا من خصومكم بما أعطيتم..

عيب عليكم تجعلوا لقمة العيش حجرا على رأس الجائع..

عيب تنقلوا صنائع المعروف إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ومجالس تفرطة النساء، وعناوين المواقع الإخبارية، ونوفذ الشات والشماتة في الناس.

عيب اللي تفعلوه ببعضكم.. حتى العداوة تحتاح إلى أخلاق.

كيف يثق الإنسان بالآخرين حين يرى تشهير الأصدقاء ببعضهم في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى الهدايا يتعايرون بها.

أنا لا أقصد أحدا هنا، أتكلم بشكل عام عن موضوع يكاد يصبح ظاهرة..
ويخجلني أننا وصلنا لهذه الضعة والرخص والابتذال واللؤم.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

عامر السعيدي

أغنية راعي الريح

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى