كتّاب

مغالطات تاريخية: (2من2)…


مغالطات تاريخية: (2من2)
مآلات ونتائج ، من عرابى إلى ثورة يناير
دارت معركة التل الكبير بين عرابى والإنجليز 9 سبتمبر 1882، وبعد شهر واحد كان العرابيين ومشايعيهم فى قبضة الخديو، فمات من مات فى المعارك، وجنود عرابى تعد لهم المراكب التى ستحملهم بعيدا إلى منابع النيل، ومحمد عبده والشاب الأزهرى سعد زغلول فى السجن، وعبد الله النديم اختفى فى قلب الناس، وعرابى ورفاقة فى السجن أيضا يواجهون عقوبة الإعدام، وعاد الخديو –الذى اتهمه العرابيون بالخيانة وعزلوه- وحكومته ونوابه ورئيسهم سلطان باشا وصحفييه، لينتقموا من عرابى، وهكذا تحول عرابى الذى كان محط انظار الحركة الوطنية، إلى مجرد أحمق جهول، طامع فى حكم البلاد، جرت مغامراته على البلاد الاستعمار الإنجليزى، وقال قائلهم: وما يبقي إذا كنا تبعنا جهولا أحمقا مثل الحمار
فإن يك ذاد طولا ليس عقلا، فأطول منه عامود السوارى
المهم حكم على عرابى ورفاقة الستة بالإعدام وتجريدهم من رتبهم ومصادرة ممتلكاتهم، ورفض عرابى الإقرار بأنه مذنب ليخفف الحكم الى النفي المؤبد، لولا ان تدخل محاميه الانجليزى “برودلى” واقنعه بالإقرار على الاقل لإنقاذ أرواحهم، وفى المحكمة ناداه رئيسها: هل تعترف بالإقرار الذى قدمه محاميك، فأومأ برأسه موافقا
وفى يوم الخميس 28 ديسمبر تحركت من السويس المركب “مريود” التى تحمل عرابى ورفاقة، الى سيلان، وقبل أن تختفى أرض الوطن قال عرابى: يا كنانة الله صبرا فسوف يأت الله لك بالنصر.. وافردت الأسرة الخديوية بالبلاد لتهيل التراب على “هوجة عرابى” ويكون إهالة التراب عليها هو عربون التقرب لها،
وفى أواخر سنة ١٨٨٤ كانت الثورة المهدية قد اشتعلت في السودان وتقدم المهديون لمحاصرة الخرطوم.. وكانت تعليمات المهدي لأنصاره: لا تقتلوا “غوردون” _ حاكم السودان الإنجليزي_ أريده حيا، ولكن غوردون كان شجاعا لم يمكن أحد من الاقتراب منه فقتلوه وأخذوا رأسه للمهدي.. يقال حزن المهدي جدا، إذ كان يريده حيا ليطلب من إنجلترا منحه عرابي لو أرادت غوردون،
وجرت فى نهر الوطن مياة كثيرة ومات توفيق صغيرا، وتولى كرسي الخديوية ابنه الشاب عباس حلمى الثانى لم يتورع عن إهلان ضيقه بالاحتلال الانجليزى، ومناوأته المندوب السامى “كرومر” والسعى لاسترداد سلطته كاملة، فيقرب مصطفى كامل، ولطفى السيد وسعد زغلول وغيرهم، فيجمعوا إلى كراهية من أهان الكرسي الخديو إلى من كان سببا فى الاحتلال، وفى أوائل القرن العشرين كان عرابى قد أصبح شيخا محطما، كتب التماسا بالعفو من الخديو ليعود إلى بلده،
وكان الهول فى انتظاره، فمصطفى كامل يدبج المقالات فى صحيفته اللواء بعنوان:”القادم المشؤوم” ويصفه بمن جلب العار على وطنه وأمته.. ويكتب احمد شوقى القصائد الطوال فى هجاءه: صغار فى الذهاب وفى الإياب .. أهذا كل شأنك ياعرابى
عفا عنك الأباعد والأدانى … فمن يعفو عن الوطن المصاب
فيدخل عرابى الى القاهرة مكسور الخاطر حزينا كسيف البال، وعندما يدفعه الشوق للصلاة فى الحسين، يشتمه ويبصق على وجهه شاب أرعن من شباب الحزب الوطنى، فيقرر أن لايغادر داره حتى يموت، ينفق على أولاده الكثيرين من معاش استثنائى وهو يقدم التماسا بعد آخر للخديو لأعادة ممتلكاته (وكانت تبلغ نحو الألف فدان ملك، ووقف، ومنفعة)، وهو يشكوا فيها الفاقه والبؤس والفقر وضيق ذات اليد، دوان يعيره الخديو التفاتا
وفى النهاية فإن ما جرى على الثورة العرابية هو من وجهة نظرى مع الوضع فى الاعتبار طبعا اختلاف القوى والظروف والزمن هو نفسه ماجرى على ثورة يناير التى ثارت على مبارك ومرغت نظامه فى الوحل وعانت بسبب عودته من نفس الغل والتنكيل بشبابها والتنديد بها واتهامها…. ورغم هذا فقد ظلت قريحة الناس الصادقة تنشد لعرابى المنفى:
أسروك ألد العدا يا عز احبابى
بكيت معايا عليك أهلى وأصحابى
مشغول عليك فى النهار والليل يزيد مابى
يارب النهار والليل ترجع لبلدك وترفع راسنا ياعرابى
…. يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى