كتّاب

– ماذا لو تم إستضافة المونديال المرة القادمة في إحدى البلاد…


– ماذا لو تم إستضافة المونديال المرة القادمة في إحدى البلاد الأوروبية المسيحية، وقام المسيحيـين المُنظمين هناك، بإفتتاح هذا المونديال بأيات من الكتاب المقدس، ورفع رايات الصليب في كل مكان، وكتابة أيات من الإنجيل وتعاليم السيد المسيح على كل حائط والآخر، ودق الأجراس في كل جانب داخل الإستاد، وتسليط مكبرات الصوت أثناء الصلوات الخاصة بهم وفرض سماعها على المتواجدين، ليس هذا فقط ؛ بل إستدعاء كارزين ومُبشرين لدعوة المُـشجعين واللاعبـين إلي المسيحية بكل تطفل وحشرية وإزعاج ؛ لـهدايتهم من الظلمة والكُفر إلي نور الإيمان الصحيح،

– بالأمانة إن كُنت تعرفها عزيزي القارئ، هل كُنت ستقبل وتتقبل هذا بصدر رحب كما قبلت وهللت لدولة قطر؟ ماذا ستكون ردة فعل العالم العربي والمُجتمع الإسلامي على ذلك؟ هل سيقبلون بذلك دون إعتراض؟ أم سيعترضون وستقوم الدنيا علينا ولم تقعد؟ هل كُنت سترى ذلك أمر طبيعي حدوثه في بلد أغلبيته العظمى مسيحيـين ويُريدون دعوة الآخرين للمسيحية خوفًا عليهم من الهلاك والنار كما تفعلون وتدعون وتبررون لهذه الأفعال الطفولية؟ أم ستُطالبون أن تُشاهدوا المباريات دون أي مظاهر دينية بأي شكل وبأي نوع؟ هل كان سيكون الرفض لأجل أن المسيحية ليست على هواكم أم لأن المبدأ ذاته مرفوضًا عندكم؟ ولو كان مرفوضًا بالفعل لماذا قبلتموه بالترحاب عندما حدث مثله في قطر وأعتبرتموه إنجازًا وفخرًا لكم؟..
أنت وحدك يا صديقي الذي تقدر أن تُجاوب مع نفسك على هذه الأسئلة التي طرحتها، فالمبدأ لا يتجزء، وما لا تقبله لنفسك من المفروض أن لا تقبله على غيرك، لئلا في هذه الحالة ستكون إنسان مريض تُعاني من الإنفصام والإزدواجية والنفاق أيضًا، مُجتمعـتنا العربية يا صديقي تُعاني الآن بشدة نفاق ديني ومن مظاهر وشكليات التدين الكذابة الخداعة، وهذه هي الحقيقة كما هي بكل أسف، والمُشكلة الكُبرى أيضًا في هذه العقليات الضئيلة إنهم يرون الدين المورث لهم هو أكبر إنجاز عندهم، ليس هذا فقط ؛ بل يرون أن حينما يأخذوا شخص غير مُسلم ويضموه إليهم كأنهم قاموا بعمل بطولي خارق ويحسبوه إنتصارًا وهميًا لهم.. عليه العوض!

– كُرة القدم هي لعبة عالمية يعرفها كُل سُكان العالم ويُمارسوها في كل مكان (الشوراع، المدراس، النوادي، ..) وهي من أهم الألعاب الرياضية التي يُتابعها ويُحبها الجميع من مُختلف الأديان والأجناس والألوان، إذًا هي لعبة ليست دينية، ولا يوجد في الكون كله ما يُسمى بـ(اللعبة الدينية)، فهي لكل إنسان على وجه الأرض بعيدًا عن دينه أو فكره أو مُعتقده أو إنتماءه أو أي إعتبار آخر، كل هذا منطقي وبديهي جدًا ؛ لكن كان لـقطر رأي آخر، وحوّلت كُرة القدم إلي مباراة دينية لـدعوة اللاعبين والمُشجعين إلي الإسلام، ولم أر في حياتي أن يكون الإستاد منبرًا للدعوة، ولم أر إستغلال الدين بهذه الطريقة والصورة المُنفرة التي تشوه الدين أكثر، ولم أر أن يكون عندي ضيف وأفرض عليه شيء لا يُريده أو يرغب فيه، ولم أر كل هذا الكم من المُضايقة والفروض على السائح، ولم أر أن الدولة هي التي تُخضِع السائح حسب أهوائها وتقاليدها وليس العكس، ولم أر أن دولة لا تُراعي مُتطلبات السائح الضيف وتُقيده بضوابط وشروط كما يحلو لها هذا ليس موجودًا أبدًا في قوانين السياحة، ولم أر أن أناس ذاهبين للإنبساط والإستمتاع يُفاجئوا بحصص دين ويتفاجئوا بمن يُعلمهم الأدب على اخر الزمن، من كان منهم يُريد الإسلام لكان ذهب إليه دون الحاجة إلي مثل النصاب المُرتزق ” ذاكر نايك ” ودون الحاجة إلي كل هذا الصياح الفارغ الذي يُهين الإسلام ولا يرفعه يضره ولا ينفعه.

– أخيرًا .. وهذا رأيي الشخصي وأتمنى أن لا أُفهم خطًأ..
أنا لست ضد الإسلام أو المُسلمين في أي شيء، فنحن نحترم الإسلام ونحب المُسلمين ولا يوجد بيننا إلا كل خير ومودة، ولكني بصفة شخصية رافض جملةً وتفصيلا ما حدث، ليس لأن هذا دعوة للإسلام كما يعتقد أصحاب نظرية المؤامرة.. إطلاقًا، فلا يوجد عندي أي إشكال لو أعتتق العالم كله الدين الإسلامي، لا يهمني شيء سوى أن من يعيش يعيش بسلام وهدوء وأمان دون قلق أو إرهاب، وصدقوني كنت سأرفض بشدة أيضًا لو حدث ذلك مع من يدعوا للتبشير بالمسيحية أو بأي مُعتقظ آخر في مثل ذلك الموقف، الملاعب ليست مجالًا للدعوة، الملاعب للجميع للإستمتاع والإنبساط فقط، ولا يليق أبدًا بالدين أن يُعرض بهذا الشكل وبهذه الصورة، كل شيء وله زمانه ومكانه اللائقان به، لا لتديـين الحياة ولا لتديـين الكرة واللعب، الكُرة هي من المُمكن أن تكون الشيء الوحيد الذي يجتمع فيه كل مُختلفين العالم على أرض واحدة للمُشاركة والمُنافسة الشريفة دون طائفية أو عنصرية أو كل ما نراه في مُجتمعنا العربي اليوم، من تُريد أن تدعوه لدينك فأدعوه أولًا بأعمالك التي تعكس صورة هذا الدين في حياتك، أرجوكم لا تجعلوا لأحد من تجار الدين أن يستغلكم باسم الدين حتى تتناسوا ما صدر منهم من قبل وكانوا سببًا في دمار وخراب ومصائب يئن منها الوطن العربي إلي اليوم، فمن يُريدون تعديل أو تغيـير صورة الإسلام عند الغرب هم أنفسهم الذين شوهوا الإسلام أولًا بأعمالهم الإرهابية، فلا تصدقوا هذه الألعيب الباطلة التي تُريد تخديركم وإستغلالكم باسم الدين، والله والدين أبرياء من كل ما يفعلونه باسمهما.

– الموضوع سياسي بحت وليس له أدنى علاقة بالدين، فهؤلاء كما نقول: ” لا عندهم دين ولا ضمير ”

حفظ الله بلادنا من كل شر ومن كل سوء.

#أبانوب_فوزي

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Abanoub Fawzy ابانوب فوزي

شاعر ـ كاتب قبطي

‫4 تعليقات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى