كتّاب

توكل كرمان | صفحة مُحقّقة



كلمة توكل كرمان في الذكرى الأولى لاستشهاد الرئيس محمد مرسي
—-
الحديث عن الرئيس محمد مرسي حديث ذو شجون، فنحن نتحدث عن أول رئيس مدني منتخب شهدته مصر منذ أكثر من ٧٠٠٠ عام تم الانقلاب عليه ، وقتله سواء تم ذلك بصورة مباشرة أو من خلال الإهمال المتعمد، فضلا عن معاملته بصورة وحشية داخل السجن.
شكل وصول محمد مرسي للحكم بارقة أمل للعرب والمصريين بشكل خاص، ليس لأن الرجل سوبرمان أو منزل من السماء، أو لأنه يملك قدرات خاصة، الزعم بمثل هكذا أمور تثير السخرية، ولكن لأنه كان يمثل اختيار الناس في انتخابات حرة تنافسية، وهذا كان يعني بداية تحول العرب الى عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الحريات العامة. بالطبع كانت مصر والمنطقة العربية تحتاجان لمزيد من الوقت حتى تترسخ الديمقراطية وحتى يتم تأسيس نموذج حكم قائم على حكم القانون وخضوع الحاكم للمساءلة، وقد اثبتت الأيام أن الموقف من مرسي ليس إلا موقف من الديمقراطية نفسها، حيث استعاد النظام الشمولي سيطرته على مقاليد الأمور مجددًا، ولم يعد هناك انتخابات بالمعنى الحقيقي.

في العام الذي حكم فيه مرسي اصاب في حالات كثيرة، واخطأ وأساء التقدير في حالات اخرى، لكنه في كلا الحالين لم يكن فاسدا أوخائنا أو محتالا، ورغم حملات التشويه التي طالت الرجل والتي من المتوقع ان تستمر خلال السنوات المقبلة، الا ان هذه المحاولات سوف تبؤ بالفشل، إذ بمجرد سطوع شمس الحرية، سيقول الناس ما اجبروا على كتمانه، فالديكتاتور يحب أن يرى التاريخ كما يريد، وبما يتوافق معنزواته وأكاذيبه، لكن هذه الرغبة لا تظل سارية المفعول بعد موته أو اختفاءه من المشهد، الناس دوما تنحاز إلى الحق في نهاية المطاف.

الرواية التي يقدمها الانقلابيون تقوم على مغالطات كبرى، تحركها الأحقاد من جهة، والخوف من الحقيقة. لاحظوا كيف أن أي شخص لايتوافق مع نهجهم وأفكارهم يتم وصمه بكل النعوت السيئة، والرئيس مرسي يمثل إرادة الشعب التي تم الانقلاب عليها، ولذا فإن نصيبه من التشويه أكبر من أي شخص اخر، لكن كما اسلفت فتجارب التاريخ تخبرنا أن ادعاءات الانقلابين وأكاذيبهم لا تدوم، بل تكون موضوعا للتندر، وتنال قسطًا وافرا من النقد والمراجعة.
ورغم ثقتي بأن اليوم الذي سيتم فيه اعادة الاعتبار لمرسي ولعهده ولثورة يناير قبلهما سوف يأتي، الا ان من المهم مجابهة دعايات نظام الانقلاب من خلال كشف الحقيقة حتى يستفيد منها الناس وهم ينجزون انتقالا سلميا للسلطة يضع مصر في مصاف الدول الديمقراطية ويضع المنطقة العربية في المكان المناسب.

سيظل الرئيس محمد مرسي احد أبرز أيقونات الربيع العربي لتمسكه بروح وجوهر ثورة يناير، ولصموده الأسطوري في معتقله غير الإنساني. إن المكانة التي تليق برئيس مثل مرسي هي تلك التي نتذكرها جميعا للقادة العرب والعالميين الذين اختاروا المواجهة وعدم التنازل عن مبادئهم، ومناهضة الباطل بكل صلابة لا تلين.
لقد عبرت عن موقفي بوضوح في مناسبات كثيرة تجاه استشهاد الرئيس محمد مرسي، واليوم أكرر هذا الموقف، إن ما حدث لمرسي كان أمرًا مدبرًا، وأن تحقيقيا دوليا يجب أن يبدأ لكشف الحقيقة، ليس بداعي الانتقام، ولكن حتى لا يفلت القاتل من العقاب.

إن سيرة الرئيس محمد مرسي جديرة بالتأمل والإعجاب، فالرجل الذي خاض معارك مشهودة ضد الفساد والتسلط ودخل السجن مرات عديدة جراء ذلك، والرجل الذي آمن بالناس، وأنهم يستحقون العيش الكريم والديمقراطية لم يفقد إيمانه بكل ذلك حتى وهو في سجنهالانفرادي. لقد ظل ثابتًا على مواقفه ضد القمع والانقلاب حتى اخر يوم في حياته.
اليوم ونحن نحيي ذكرى وفاته الأولى، نتذكر محمد مرسي رئيسا حكيما وشجاعا ورمزًا من رموز الربيع العربي، لم يهن أو يخن أو يبدل تبديلا.

الشعوب لاتتخلى عن أحلامها، والشهداء لايموتون، والثوار لاينسون الثورة.
الربيع العربي مستمر والثورة المضاده تلفظ أنفاسها، وستتهاوى عروش كثيرة للمستبدين.
ونحن على العهد والوعد .. باقون في كفاحنا العظيم في سبيل الحرية للعبور بشعوبنا الى ضفاف الحرية والكرامة ذلك قدرها وقدرنا .. وإما أن ننتصر أو ننتصر.


توكل كرمان | ناشطة سياسية

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى