كتّاب

“الخضوع”، رواية إشكالية للفرنسي هوليبيك (2015)، تحوّلت إلى فيلم ألماني (2018). ي…


“الخضوع”، رواية إشكالية للفرنسي هوليبيك (2015)، تحوّلت إلى فيلم ألماني (2018). يقف الممثل الألماني الشهير إدغار زيلغا على مسرح الممثلين في هامبورغ، يتوغل في مونولوغ طويل تتخلله مشاهد تمثيلية. التداخل بين خشبة المسرح ومشاهد التصوير المختلفة، بين فرنسا وألمانيا، صنعت فيلماً مثيراً. مثير من أكثر من جهة، ومقلق أيضاً.

يحدثك فرانسوا “إدغار زيلغا”، وهو بروفيسور يدرّس الأدب في السوربون، عن المشهد السياسي في فرنسا، وفي كل مرة يعبر إلى السياسة من خلال جسد امرأة. غالباً ما تكون المرأة واحدة من تلميذاته. يمعن في سرد تفاصيل لقاءاته الجنسية ويمكن للمرء مشاهدة بعض النسوة وهن يغادرن قاعة مسرح هامبورغ لبعض الوقت. في اللحظة الأخيرة يقف المشاهدون في كل أدوار المسرح العملاق للتصفيق الطويل، وينحني الرجل في لحظة امتنان.

في عيد ميلاده تهاتفه تلميذته اليهودية:
“سأزورك في المساء، هل نسيت إنه عيد ميلادك؟”.
تمنحه جلسة جنسية ملتهبة، وعلى طاولة الطعام تبلغه الخبر “سأنتقل مع والدي إلى إسرائيل، لن ننتظر حتى الجولة الثانية من الانتخابات”. في الجولة الأولى كان المسلم محمد بن عبّاس قد حصل على المركز الثاني، ومن المتوقع أن يصبح رئيساً لفرنسا في انتخابات الإعادة.
“وأنت، ماذا ستفعل؟” تسأله.
يرد فرانسوا شارداً:
سأبقى هنا، لا إسرائيل لدي.

تحدث الانتخابات ويصير أن ملامح باريس يطرأ عليها تغيير راديكالي، حتى إن بروفيسور الآداب “فرانسوا” يفقد عمله. يقرر التحوّل إلى الإسلام بعد أن نصحه من زميله الأكاديمي الذي صار مسلماً وألف كتاباً عن الله.

يتحدث فرنسوا عن مشهد انتقاله إلى الإسلام ولحظة الشهادتين، عن الماء الفاتر الذي غسل الكفر عن جسده، عن الرواق المزين بالأحجار الكريمة، عن الصحراء اللانهائية التي ملأت رأسه وهو يدلف إلى قاعة “التحوّل”. صار فرانسوا مسلماً، وارتدى ملابساً أفغانية.

يقترب إدغار زيلغا “فرانسو” من حافة مسرح هامبورغ وقد ارتدى الملابس الأفغانية، يصمت للحظات، ثم يقول:
“عدت إلى التدريس في الجامعة وأصبح لدي تلميذات محجبات، جميلات وشهيات. كنّ يشعرن بالفخر عندما أتحدث عن جمالهن، وبالتكريم عندما اختار واحدة منهن لتقاسمني السرير. وكما فعلت مع تمليذاتي الكاثوليكيات صرت أفعل مع هؤلاء التلميذات المحجبات والرائعات. لم يتغير شيء في الواقع، كما لم أندم على شيء. إنها، ببساطة، حياة جديدة دخلتها”.

يلقي السرد الضوء على رومانسية اليسار الذي احتفى بصعود محمد بن عبّاس. في جلسة الغداء يتحدث أحد أصدقائه المثقفين عن بن عباس قائلاً إن الرجل يملك رؤية كافية لإصلاح الإنسانية كلها، وهو يذكره بالمصلحين الكبار، وأن النسخة الإسلامية التي يعرضها بن عباس مذهلة على نحو لا يصدق.

يمضي وقت قصير قبل أن يكتشف المثقف اليساري سذاجته وبراءته، وابن عبّاس آخر. شهدنا لحظات من الرومانسية اليسارية تلك في تاريخنا الحديث أمام: ستالين، حزب الله، بوتين، جهيمان .. وغيرها. كما سمعنا صوتاً يسارياً مدوياً في القرن العشرين يصف احتلال جهيمان للحرم ب”ثورة البروليتاريا”. ويمنياً في الموقف من الحوثيين، حتى إن رئيس أقدم حزب ماركسي عربي كان يسافر إلى مفاوضات جنيف ضمن وفد الحوثيين. كما قرأنا نواحاً مستطيراً، وندماً مراً، لأبرز كتاب القرن الماضي عقب سقوط الجثة رقم “٤٦ مليون” من ضحايا ستالين. ربما كان يسار الثلاثينات في ألمانيا هو الاستثناء الوحيد، وذلك ما جعل الماركسيين الألمان أول ضحايا النازية الهتلرية في التاريخ.

قبل أيام أعاد أحد المثقفين نشر تغريدة لعاملة في سوق “البورنو” قالت إن زبونها المسلم نهرها وبصق في وجهها عندما أخبرته أنها أيضاً مسلمة. وقالت معلقة تمارس المهنة نفسه إنها يهودية وإنها مرت بتجاربة مماثلة مع زبون يهودي. أما فرانسوا فكان يقول إن الناس هم الناس، وأن الواجهة الدينية الشكلانية لا تستحق كل هذه الحروب إذا كان هو، في نهاية المطاف، قادراً على أن يعود إلى بيته كل بضعة أسابيع بفتاة:
كاثوليكية، ملحدة، مسلمة، يهودية.

نهاركم سعيد.

م. غ.


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫15 تعليقات

  1. هذا تجني على الإسلام من شخص مسلم
    الإسلام أكبر واعظم من أن يفهمه أشباه المسلمين ومساواته بالأديان الاخري السماوية والوضعية
    من تشارك رجلا اجنبيا على سريره وهي تحمل صفة أنها مسلمة تلك حالة شاذه ينكرها ويمقتها المجتمع المسلم وقد حرمها الإسلام وليست حجة على الإسلام.

  2. الإنسان هو الإنسان و الغريزة هي ذاتها عند الجميع و يختلف التحكم بها من فئة الى أخرى و من شخص الى آخر، و لكن بالمجمل هذه إحدى الصفعات الأدبية التي تجعل الجميع يعيد حساباته الأخلاقية و المجتمعية.

  3. دكتور مروان ما هو سر هذه النغمة الجديدة من السخرية من اليسار وأنا أشوف كثير من المثقفين العرب يتماشو مع هذه السخرية من كل ما يخص أفكار القيم المشتركة والعالم الواحد والتعايش والتسامح إزاء الأديان والثقافات المختلفة؟!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى