كتّابمفكرون

” يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ”…


” يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ”
كان مجتمع المدينة (يثرب) مجتمعا متعددا, فيه الأوس والخزرج, واليهود, والأعراب, وعندما هاجر اليها النبي وأصحابه بدعم من الأوس والخزرج (الأنصار), كان مجتمعا جديدا عليهم, تسوده عصبية القبائل, واختلاف الطبقات, بين أسياد وعبيد, وأغنياء وفقراء, وصالحين وطالحين, وقطاع طرق وفسّاق, ومع الهجرة وانتشار الدعوة, برزت طائفة جديدة هي طائفة المنافقين, مرضي القلوب الذين يظهرون غير ما يبطنون.
إعتاد بعض هؤلاء الفسّاق والمنافقين التعرض للنساء خاصة الإماء, والتحرش بهن عند سيرهن للخلاء لقضاء الحاجة ليلا, وهو ما عانت منه النساء المسلمات أيضا في الهجرة.
نحن في السنة الخامسة للهجرة ثمانية عشر عاما من بدء الدعوة, حيث لم يفرض علي النساء زي محدد جتي الآن, بمعني أن نساء النبي واصحابه وبناتهم لم يفرض عليهن زي معين وأنهن ما زلن يرتدين الملابس المتعارف عليها بين نساء عصرهن.
حينها عانت نساء المسلمين أيضا من تحرش السفهاء فنزلت الآية :
” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا”
في الجزء الثاني من الآية يتبين الهدف منها, وهو أنهن بزيهن هذا سوف يصبحن معروفات أو مميزات عن غيرهن من النساء, فهن أتباع النبي, فيتجنبن التعرض لهن والتحرش بهن.
أما في الجزء الأول من الآية فلدينا أمران (يدنين) و(جلابيبهن). فالجلباب هو رداء يرتديه الرجال والنساء فوق ملابسهم الداخلية (أيا كان شكلها في هذا الحين) يغطي الجسد من تحت الرقبة الي قرب الأقدام ولم يعرف أن له ملحقا لتغطية الرأس بل أن تغطية الرأس كان لها خمارا يحميها من العوامل الجوية وحرارة الشمس سنتحدث عنه فيما بعد.
أمّا الإدناء فهو التقريب أو الإنزال لأسفل فأنت تسأل الرجل أن يدنو منك أن يقترب منك, وحياتنا علي الأرض هي الحياة الدنيا أي السفلي.
وهكذا فإن (يدنين عليهن من جلابيبهن) لا تعني تغطية الرأس ولا إخفاءها وانما تؤكد علي ارتداء الجلباب عند الخروج للخلاء, وأن يكون دنياً أي طويلا بما يكفي.
وهل كنّ يرتدين شيئا آخر غير الجلباب حتي يتم التأكيد عليه؟
نعم كانت النساء في صدر الإسلام يرتدين أزياءا تنوعت طبقا للحالة الإجتماعية والعمر والمناسبة, وما أمكن إحصاؤه رغم عدم وجود آثار تحكي عنها, ومن خلال أوصاف الشعراء, كان هناك (الدرع) للمرأة الكبيرة و(المجول) للمرأة الصغيرة أو الجارية وكلاهما بلا أكمام, وهناك أيضا النطاق لباس تشده المرأة إلى وسطها وترخي نصفه الأعلى على نصفه الأسفل, ومن فوقه (البت) يحيط بجسمها من القماش الرقيق وغالبا لونه الأخضر, ومن الأزياء أيضا (الحبرة), وهي (برد) من اليمن موشى من أبهج وأثمن ما لبست المرأة العربية, كما لبست (المرط) وهي ملاءة ذات شقين من الحرير الخالص, وكذلك من ثيابها (الإزار).
ورغم أن الإسلام قاوم الخلاعة وأمر بالستر, فإن النساء تحايلن بطرق مختلفة في حياكة ملابس جديدة تحترم تعاليم الدين من جهة, وتظهر محاسنهن من جهة أخرى مثل زي (القباطي) وهو ثوب ضيق يلتصق بالجسم ويبدي نحافة الجسد من ثخانته, وثبت أن عمر بن الخطاب نهى عن لبسه.
واختارت المرأة العربية في زمنها ذاك لباس “جر الذيل” في المناسبات المختلفة كالأعياد وحفلات الزفاف, والحفلات الساهرة وفي المآدب العامة, وفي هذه المناسبات ترسل ذيل لباسها النفيس اعتدادا بنفسها وزيادة في التأنق.
ومما اخترعته المرأة اللباس القصير الضيق لتظهر محاسن جسدها, وقد احتج علماء ذلك العصر على هذا النوع من اللباس بهذه المقولة “ليحذر العالم من هذه البدعة [لبس القصير والضيق], التي أحدثتها النساء”.
وأيضا مما اخترعته النساء في صدر الإسلام (الناهزة) وهي طريقة تعظم بها رؤوسهن تتمثل في لبس الخمر والمقانع على شكل عمامة توضع على الرأس لتوهم بغزارة شعرها وكثافته, ولتكتمل شروط الزينة لبست النساء الخاتم والعقد والقرط المتناسقة مع ثيابهن الجميلة.
أطلت كثيرا في وصف ملابس المرأة المسلمة في صدر الإسلام وفي حياة النبي فقط لأنبه الي أن الجلباب الذي أصبح نقابا أو إسدالا يفرضه الفقهاء المدلسين علي النساء جميعا لم يكن الّا زيّا قصد به أمرا محددا في موقف محدد كما أسلفت.
إن قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب التي يتبناها فقهاء الذكورية هي قاعدة ظالمة تم عكسها لاستمرار قهر المرأة ووأد حقها في الحياة والإحتفاظ بها أسيرة لشهواتهم وأمراضهم النفسية.
#بالعقل_والهداوة
16 يوليو 2020

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى