كتّاب

مع سيد درويش فى ذكراه:…


مع سيد درويش فى ذكراه:
العبقرى مؤسس الغناء المصرى الحديث
الموسيقى والغناء جزء أصيل من حياة المصريين، مند فجر الحضارة المصرية القديمة، وتدخر جدران المقابر والمعابد بمناظر فرق الغناء والعزف والرقص، واستقر هذا التراث الفنى فى قداسات الكنائس وترانيمها، وانتقل بعد دلك الى تلاوة القرآن الكريم والإنشاد الدينى، فضلًا عن استمرارها فى مواويل الصعيد والدلتا، الحمراء والخضراء، وأغانى العمل والمناسبات الاجتماعية المختلفة
وفى زمن محمد على (1805 – 1848 ) بدأت الموسيقى الحديثة بإنشاء مدرسة الموسيقى1824، لتخريج العازفين فى فرق الموسيقى العسكرية المصاحبة للجيوش، ولكن سرعان ما سرحت الفرق الموسيقية، بعد أن تخرج منها عدد من الموسيقيين المهرة الذين تتلمذ على يدهم الرعيل الأول من الملحنين والمغنين المصريين، ومنهم: عبد الرحيم المسلوب ويوسف المنيلاوى وخليل محرم ومحمد الشلشلمونى ودرويش الحريرى ومحمد عثمان وسلامة حجازى وعلى القصبجى وعبده الحامولى، ومن النساء المظ وساكنة هانم وهؤلاء الفنانين هم الذين مهدوا للمدرسة الوطنية فى الغناء والموسيقى، ومع هذا كاد أن ينصرم من القرن العشرين خماسيته الأولى دون أن يعرف هؤلاء الفنانين العظام الأغنية – بمعناها وموضوعها الذى عرفناه فيما بعد – وإنما كانت معظمها أدوار وموشحات ينتمى بعضها للعصور الوسطى وبعضها مما ألفه ولحنه هؤلاء الرواد، كدور أصل الغرام نظرة، وقد ماحبك زعلان منك لمحمد عثمان، ودور الله يصون دولة حسنك للحامولى ولم تكن أغراض هدا النوع من الغناء تتجاوز الغزل والوصف العفيف للمحبوب – الذى كان كثيرا ما يوضع فى صيغة المذكر – فضلًا عن الشكوى من صد الحبيب وهجرانه، ولقد أدى غياب مفهوم ومعنى الملكية الفكرية وعدم وجود آلات التسجيل، على أن تسرى تلك الأدوار والموشحات عبر الأثير يتلقفها كل مؤدى ومطرب وفنان تبعا لمهارته وقدرته وسميعته
. لكن مع نهاية العقد الثانى من القرن ومع ثورة 1919، تأهبت مصر لمجتمع جديد وثقافة حديثة ونظام سياسى حديث فكان لا بد أن يواكبها “غناء حديث” وضعت الأقدار تأسيسه وبلورته على عاتق الفنان العبقرى سيد درويش (1892 – 1923)، الذى عاش صدر شبابه وهو يؤدى الأدوار والموشحات التقليدية التى سبقت الإشارة إليها، ولكن الثورة، أشعلت طموح المصريين وتضحياتهم لمواجهة الاستعمار، وبعث تاريخهم المجيد وبناء دولتهم الحديثة، والسعى لإرساء قيم المواطنة والعدل والحرية، ومثلت هذه الأغراض التاريخية الطاقة التى ألهمت سيد درويش موضوعات أغانيه الحديثة، فراح يرسي دعائم الغناء ويبتدع فى القوالب الموسيقية وأصبح الوطن وأحلامه وناسه هو موضوعه الأول فى أوبريتاته ومسرحياته، فهو يغنى لزعيم الثورة: مصرنا وطنا سعدها أملنا كلنا جميعا للوطن ضحية، ويا بلح زغلول، ويغنى للوطن: سالمة يا سلامة روحنا وجينا بالسلامة، وللتاريخ: أنا المصرى كريم العنصرين بنيت المجد بين الأهرمين، وقوم يا مصرى ويغنى “بلادى لك حبى وفؤادى” الذى اتخذناه لحنا للسلام الجمهورى ولم تنجح محاولات زحزحته عن مكانته فى وجداننا بعد 100 سنة من وضعه، ويغنى لنهضة المرأة: بنت البلد يا ولد ما أحلى قيافتها، ودا وقتك دا يومك يابنت اليوم، ويغنى للمواطنة: إيه نصارى ومسلمين قال ايه ويهود دى العبارة أصل واحد م الجدود، وفى العربجية غيرش اللي كان هالك أبداننا ومطلع النجيل على عينا إن محمد يكره حنا، ويغنى لوحدة مصر والسودان” وبالايقاع الإفريقى”: فوقانى يروح في داهية لو كان سيبوا التحتانى، ويغنى للجند: إحنا الجنود زى الأسود نموت ولا نبعش الوطن، ويغنى للصناعة المصرية: خسارة قرشك وحياة ولادك ع اللى ماهوشي من طين بلادك، ويمقت الإنتهازية فيغنى: علشان ما نعلا ونعلا لازم نطاطى، ويغنى لليونانيين والطليان وكانوا جزءا أساسيا من نسيج المجتمع، ويسخر من تناقضات المشايخ: إقرأ يا شيخ قفاعة تلغراف آخر ساعة، ويغنى للشيالين والبنائين والفلاحين والعربجية والجرسونات والبوستجية والسقايين والمراكبية، ولا ينسى نصيب الحب والعواطف الجياشة فيغنى: حبيب الروح بيتعاجب وانا عشقت وانا هويت وعلى قد الليل ما يطول، ثم يتحفنا برائعته: بلادى بلادى.. ورغم هذا الزخم لم يغن للملك مرة واحدة، كل هذا فى أربع سنوات ونصف بين ثورة 19 مارس – سبتمبر 1923، ومات قبل أوانه وهو لم يصل للثانية والثلاثين من عمره.. ونعم كانت تقف خلفه عقول مبدعة كبديع خيرى وبيرم ويونس القاضى لكن تظل عبقرية سيد درويش هى التى صاغت من هذا كله أسس”الغناء المصرى الحديث

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى