كتّاب

سبارتاكوس………………. القصيدة الخالدة….


سبارتاكوس………………. القصيدة الخالدة.
يدخل أمل دنقل القاهرة فى المرة الأولى زائرا، ولكنها ترفضه شاعرا مع أنه ألف عدة قصائد يواكب بها المد الثورى الناصرى، من قصيدة عن فلسطين إلى صفقة الأسلحة التشيكية، إلى الحلم الناصرى، ومع ذلك يظل شاعرا غير معروف، وفشل كطالب وموظف أيضا، فيسافر للسويس حيث أقاربه ومنها للأسكندرية، ويعود من هناك يحمل قصيدة تضعه فورا فى مقدمة شعراء التاريخ، قصيدة تجعلنى شخصيا أضعها فوق المتنبى ذات نفسه.
كلمات سبارتكوس الأخيرة……………….
سبارتاكوس هذا هو عبد رومانى تعلم المصارعة ليتسلى الأسياد برؤيته يقتل خصومه فى الحلبة، ولكنه فى القرن الأول ق م قرر الثورة على العبودية وجمع حوله المصارعين وقام بأكبر ثورة للعبيد فى التاريخ، وانتصر فى البداية كثيرا، ولكنه فى النهاية إنكسر وعلقت جثته ومعه عشرات الآلاف على المشانق رمزا لسيطرة السادة وهزيمة المستسلمين، ولكنها هزيمة بطعم النصر، هزيمة من رفض أن يظل عبدا…………..
المجدُ للشيطانِ .. معبود الرياحْ
مَن قالَ ” لا ” في وجهِ من قالوا ” نعمْ ”
من علّمَ الإنسان تمزيق العدمْ
من قال ” لا ” .. فلم يمت،
وظلّ روحاً أبديّة الألمْ !
………………………………………………………….
أصارحكم أيها الأصدقاء أنا محمد شومان أننى قد قرأت عشرات التفاسير لهذه القصيدة من نقاد وشعراء وأكاديميين، ولكننى للأسف لم أقتنع، فهذه القصيدة تحديدا هى أروع وأعمق ماقيل فى الشعر العربى، وتضع صاحبها فوق المتنبى شخصيا، وأنا واحد من الناس لا أرى فوق المتنبى سوى الله………………
العنوان نفسه يحتاج للتفسير، فهو يرمز للعظمة، عظمة الرفض والتحدى، والعظيم ليس من ينتصر فى معاركه، بل العظيم هو من يدخل معركة يعلم سلفا أنه سيخسرها، ولكن الشرف يلزمه بخوضها حتى الصليب، أحيانا العظمة تكمن فى المصلوب قبل الصالبين…………………
كلمة المقدمة ” المجد للشيطان” وضعت صاحبها فورا فى صفوف الكفرة، ولكن هناك – من الصوفية- من يرى تبريرا للعصيان الإبليسى، فإبليس حبيب الرحمن وأداة من أدواته، عصى المشيئة وخضع للأمر وظل عابدا مخلصا لله رغم لعناتنا جميعا عليه…………….!!!
قيل أن لله مشيئة وأمر، فهو يشاء لك أن تصوم، ولكن مشيئتك ترفض الصيام، ولو كانت مشيئته ملزمة لك لاختفى الحساب والعقاب، فهو يشاء وأنت تشاء ومشيئتك هى الأقوى، ولكن أمر الله لايرد، إذا أراد شيئا فهو حتما يكون ولاراد لأمره، وهنا إبليس يعلم أمر الله ويعلم مشيئة الله، فهو رفض المشيئة ونفذ الأمر ليستحق أن يكون أول من قال لا فى وجه من قالوا نعم، فهو أعلم من الملائكة جمعاء، ومن هذه الزاوية الصوفية يرى البعض أن إبليس يستحق المجد لا اللعنات …………..
هل قرأ أمل هذا الرأى؟ الله أعلم، وفى كل الأحوال نردد معه: المجد للشيطان معبود الرياح ………………………..
…………………………………………………………………………………………………
معلّقٌ أنا على مشانق الصباحْ
و جبهتي – بالموت – محنيّةْ
لأنّني لم أحنها .. حيّةْ !
……………………………………………………………………………………………………….
أجمل كلمات قيلت فى الشعر والنثر العربى، هاهو الفارس يخسر المعركة، ويعلق على المشنقة وتسقط جبهته محنية فوق صدره بحكم الموت، ولكن الفارس لايرى الموت ولا يلتفت إليه، هو مشغول فقط بأن جبهته إنحنت مرغمة، تلك الجبهة التى لم تنحن لأحد فى حياتها، هى قمة العظمة من الفارس والشاعر والمتمرد صاحب الكبرياء، هو رجل لا يهمه الموت، المهم هو موته منتصب القامة مرفوع الرأس، الموت بجبهة تناطح السماء ولا تعترف بالركوع………..
وينادى المصلوب المحنى الجبهة للمارين فى الشوارع من تحت المقصلة أن يرفعوا رؤسهم ليروا كيف انتصر على الصالبين، وربما نظرة فى عينيه منهم تجعله يشعر بأن هناك أمل فى جيل جديد لا يعرف الإنحناء، صحيح هو يدعو الآخرين – وحتى إبنه- للإنحناء حتى يرثوا الأرض، فكما قال المصلوب يوما ” والأرض يرثها من عبادى الودعاء”، فالوديع لايرفع الرأس ليقطعها الطاغية، بل يحنيها ليرث الأرض من الطغاة ………………….
ولكن هذه الدعوة للإنحناء دعوة تحريضية وليست دعوة حقيقية، فلو آمن بها صاحبها لانحنى بالفعل ولم يعلق على أعواد المشانق، إذن هى إستفزاز للمارين تحت المقصلة برفع الرؤس بلاخوف، حتى لو كانت النهاية على أعتاب المشانق.
قصيدة واحدة تستطيع أن تكتب عنها آلاف الصفحات، ولا توفيها حقها، قصيدة جعلت صاحبها “أمير الشعراء الرافضين”…………………….
………………………………………………
كلمات سبارتكوس الأخيرة ……………………………………….

( مزج أوّل ) :
المجدُ للشيطانِ .. معبود الرياحْ
مَن قالَ ” لا ” في وجهِ من قالوا ” نعمْ ”
من علّمَ الإنسان تمزيق العدمْ
من قال ” لا ” .. فلم يمت،
وظلّ روحاً أبديّة الألمْ !
( مزج ثان ) :
معلّقٌ أنا على مشانق الصباحْ
و جبهتي – بالموت – محنيّةْ
لأنّني لم أحنها .. حيّةْ !
… …
يا اخوتي الذين يعبرونَ في الميدانِ مطرقينْ
منحدرين في نهاية المساء
في شارع الاسكندر الأكبر :
لا تخجلوا ..و لترفعوا عيونكم إليّ
لأنّكم معلقون جانبي .. على مشانق القيصر
فلترفعوا عيونكم إليّ
لربّما .. إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ:
يبتسم الفناء داخلي .. لأنّكم رفعتم رأسكمْ .. مرّةْ !
” سيْزيفُ ” لم تعدْ على أكتافه الصّخرةْ
يحملها الذين يولدون في مخادع الرّقيق
و البحر .. كالصحراء .. لا يروى العطش
لأنّ من يقول ” لا ” لا يرتوي إلاّ من الدموع !
.. فلترفعوا عيونكم للثائر المشنوق
فسوف تنتهون مثله .. غدا
و قبّلوا زوجاتكم .. هنا .. على قارعة الطريق
فسوف تنتهون ها هنا .. غدا
فالانحناء مرّ ..
و العنكبوت فوق أعناق الرجال ينسج الردى
فقبّلوا زوجاتكم .. إنّي تركت زوجتي بلا وداعْ
و إن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بلا ذراعْ
فعلّموه الانحناء !
علّموه الانحناء !
اللهُ لم يغفر خطيئة الشيطانِ حين قال لا !
و الودعاء الطيّبون ..
هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى
لأنّهم .. لا يشنقون !
فعلّموه الانحناءْ ..
و ليس ثمّ من مفرْ
لا تحلموا بعالمٍ سعيدْ
فخلف كلّ قيصرٍ يموتُ : قيصرٌ جديدْ !
وخلفَ كلّ ثائر يموتُ : أحزان بلا جدوى ..
و دمعة سدى !
( مزج ثالث ) :
يا قيصر العظيم : قد أخطأت .. إنّي أعترف
دعني- على مشنقتي – ألثم يدك
ها أنذا أقبّل الحبل الذي في عنقي يلتف
فهو يداك ، و هو مجدك الذي يجبرنا أن نعبدكْ
دعني أكفّر عن خطيئتي
أمنحك – بعد ميتتي – جمجمتي
تصوغ منها لك كأسا لشرابك القويّ
.. فإن فعلت ما أريدْ :
إن يسألوك مرّة عن دمي الشهيدْ
و هل تُرى منحتني ” الوجودَ ” كي تسلبني ” الوجودْ ”
فقل لهمْ : قد ماتَ .. غير حاقدٍ عليّ
و هذه الكأسُ – التي كانت عظامها جمجمته –
وثيقة الغفران لي
يا قاتلي : إنّي صفحتُ عنكْ ..
في اللّحظة التي استرحتَ بعدها منّي :
استرحتُ منكْ !
لكنّني .. أوصيكَ إن تشأ شنقَ الجميع
أن ترحم الشّجر !
لا تقطع الجذوعَ كي تنصبها مشانقا
لا تقطع الجذوعْ
فربّما يأتي الربيع
” و العام عام جوعْ ”
فلن تشمَّ في الفروعِ .. نكهة الثمرْ !
وربّما يمرّ في بلادنا الصيفُ الخطرْ
فتقطع الصحراء . باحثا عن الظلالْ
فلا ترى سوى الهجير و الرمال و الهجير و الرمالْ
و الظمأ الناريّ في الضلوع !
يا سيّد الشواهد البيضاء في الدجى ..
يا قيصر الصقيعْ !
( مزج رابع ) :
يا اخوتي الذين يعبرونَ في الميدان في انحناءْ
منحدرين في نهاية المساءْ
لا تحلموا بعالمٍ سعيدْ ..
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديدْ .
و إن رأيتم في الطريقِ ” هانيبال ”
فأخبروه أنّني انتظرته مدىً على أبوابِ ” روما ” المجهدةْ
و انتظرت شيوخ روما – تحت قوسِ النصرِ – قاهر الأبطالْ
و نسوة الرومان بين الزينةِ المعربدةْ
ظللن ينتظرن مقدّم الجنود ..
ذوي الرؤوس الأطلسيّة المجعّدة
لكن ” هانيبال ” ما جاءت جنوده المجنّدة
فأخبروه أنّني انتظرته ..انتظرته ..
لكنّه لم يأت !
و أنّني انتظرته ..حتّى انتهيت في حبال الموت
و في المدى : ” قرطاجه ” بالنار تحترق
” قرطاجة ” كانت ضمير الشمس : قد تعلّمت معنى الركوع
و العنكبوت فوق أعناق الرجال
و الكلمات تختنق
يا اخوتي : قرطاجةُ العذراءُ تحترقْ
فقبّلوا زوجاتكم ،
إنّي تركتُ زوجتي بلا وداعْ
و إن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها .. بلا ذراعْ
فعلّموه الانحناءْ ..
علّموه الانحناءْ ..
علّموه الانحناءْ ..


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫12 تعليقات

  1. اذا كان للشعر شيطان يلهم الشعراء فهو لم يكن يلهم امل بل حل في جسده ، هذه القصيده و قصيدة مقابلة خاصه مع ابن نوح من اروع ما كتب ، تسلم يا كبير

  2. سبارتاكوس الشعراء .. وثائر المستضعفين والبسطاء .. متمرداً قاهراً لسطوة الطغاه .. حاملاً نور الحرية في وجه الظلام والاستبداد .. رائعة هذه القصيدة في كل تفاصيلها وابداع كلماتها .. تحليلك الفني أضاف عليها لمسة من الرقي والتميز 👏👍

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى