كتّاب

الدجل، الحق، البسالة….


الدجل، الحق، البسالة.

من قال أن الفلسطينيين اعتدوا على دولة مستقلة ذات سيادة؟ من منح إسرائيل صفة الدولة المستقلة واعترف بسيادتها؟ الجواب: القرار الأممي رقم ١٨١ لسنة ١٩٤٧. وهو نفس القرار الذي قال إن فلسطين، أيضا، دولة مستقلة ذات سيادة!
أين هي فلسطين المستقلة ذات السيادة؟

يردد القادة الأوروبيون بمناسبة وبلا مناسبة: إذا لم تدافع أوكرانيا عن نفسها فإنها ستمحى من الوجود. يسري الأمر على الفلسطينيين، وعددهم [في الداخل والشتات] يساوي ضعف عدد مواطني إسرائيل “اليهود”. إذا لم يدافع الفلسطينيون عن أنفسهم فإن بلادهم ستمحى من الوجود. لا يحتاج الأمر لكثير جدل حول هذه البديهية. أما عن طبيعة ذلك الدفاع فقد تعلمه الفلسطينيون من متابعة الشأن الأوكراني والنصائح الغربية لشعب أوكرانيا. في الأسابيع الماضية منحت أميركا الجيش الأوكراني القنابل العنقودية المحرمة دولياً، وأضافت إليها قنابل اليورانيوم المنضب. وكانت – أعني أميركا- أول من بشّر العالم بنجاح الأوكرانيين في استخدام السلاحين المحرّمين.

على الضفة الشرقية من العالم يصرّ الأميركان على تزويد تايوان بكل التقانة العسكرية للدفاع عن نفسها في مواجهة الصين. تدّعي الصين ملكيتها على تايوان، يحذرها الغربيون من اقتحام الجزيرة. لماذا لا يجري القياس على ادعاءات إسرائيل في كل الأرض الفلسطينية؟ في العام 1947 عيّنت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة لدراسة المعضلة الفلسطينية. أفضى النقاش إلى قرار أممي يحمل الرقم 181، يقضي بأن يقيم العرب دولتهم على 45 % من الأرض، وأن يذهب الباقي إلى اليهود: دولة للعرب، ودولة لليهود، قال القرار الأممي. منذ ذلك الحين وقفت أميركا حجرة صلبة في طريق القرار الأممي، ولجأت إلى الفيتو زهاء 35 مرّة. لماذا عطّل القرار الأممي منذ ذلك الحين؟

يعيش داخل فلسطين التاريخية 7 ملايين إسرائيلي – يهودي، و7 ملايين عربي- فلسطيني. ترى العدالة الدولية أن الملايين الإسرائيلية تملك الحق في دولة معترف بها دولياً، ولا يملك الملايين السبعة من العرب الحق نفسه. هذا الميزان المائل ليس مثالاً لأي عدالة. وإن كانت العدالة الدولية لا تحترم حق 7 ملايين في فلسطين [ومثلهم في الشتات] في دولة مستقلة وذات سيادة فعلى تلك العدالة أن تتوقف عن الهراء والخطب الأخلاقية ولتصلح نفسها أولاً حتى تكون جديرة بالاحترام، ثم بالموعظة.

فلسطين عاصمة لأمة كبيرة تداني 1.8 ملياراً حول العالم، وهم مسلمون يعانون من جرح عميق في كبريائهم ونرجسيتهم، وفوق هذا يشعرون بالإنتماء إلى تلك الأرض وما حولها، بالمعنيين الديني والتاريخي. بمقدور الغربيين القفز على هذه الحقيقة ولكن عليهم أن لا يتفاجأوا كل مرّة حين تبرز وقائع استثنائية إلى العلن.

تنتمي الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى شعبها، وهي متنوّعة من اليسار إلى أقصى اليمين، ومن الصعب العثور على مواطن فلسطيني واحد، في الداخل والشتات، لا تمثله واحدة من تلك الفصائل، على الأقل في الأوقات الصعبة. الاستهتار التاريخي الذي يبديه الغرب حيال المعضلة الفلسطينية من خلال وسم الفصائل بالإرهاب، ثم الحديث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لن يحل المعضلة.

إن كان المجتمع الدولي يعترف من وقت لآخر بحق الشعب الفلسطيني ذي الملايين ال14 بدولة مستقلة فليعمل على إنشائها كما فعل سابقاً حيال الوكالة اليهودية والمجتمع اليهودي. لما في ذلك الإنشاء من مصلحة قصوى للسلم العالمي والتعايش السلمي بين الحضارات والثقافات.

أما إن كان عاجزاً عن إجبار إسرائيل على احترام القرارات الأممية، والرغبة العالمية في رؤية سلام مستدام، فعليه أن لا يتفاجأ بدورات الصراع التي تعيد نفسها.

أيضاً، على الغرب أن يتمهّل قبل أن يحدثنا عن معاداة السامية، ويلقي الخطب والمواعظ يمنة ويسرة. نظرة واحدة فقط إلى أدب تشارلز ديكنس أو شكسبير ستكشف حقيقة لا يحتملها العالم المتحضر. بل تكاد معاداة السامية تكون السمة الأساسية في الأدب الأوروبي، من الروسي حتى البريطاني، منذ ما قبل ما شكسبير وحتى الهولوكوست.

الثقافة العربية المعاصرة معادية للسامية، وذلك ليس بلا سبب. تحدثت الصحف الألمانية اليوم عمّا أسمته “النسخة الإسرائيلية من 11 سبتمبر”. مقاربة جيّدة بالنظر إلى الحقائق العميقة التي تكمن خلف الحادثين: الحق الفلسطيني المهدور، وما ترتب عليه من جرح عميق للكبرياء والنرجسية العربية.

الآن لنتساءل: هل على إسرائيل أن تواجه، كل بضع سنين، حرب غوريللا متكرّرة؟ الاحتفاء الشاسع الذي أبداه العرب، والعالم المسلم، بالحرب التي تشنها الفصائل على فلسطين يخبرنا عن طبيعة مركبة وعميقة للمعضلة. قرار ألمانيا بحظر التظاهر من أجل فلسطين يعني أن ألمانيا، مثل سائر دول الغرب، تخوض قماراً مستداماً، متشبثة بكيان يفوق في صلفه وفاشيته كل معنى أوروبي للإرهاب.

تتجذر معاداة السامية عميقاً عربيّاً، وستعبر عن نفسها من وقت لآخر. تفكر إسرائيل بحياة طويلة داخل محيط عامر بالكراهية؟ هذه مقامرة انتحارية. من غير الممكن المراهنة على حسم مسألة تاريخية عويصة لمجرد أن عبد الله بلخير وتركي آل الشيخ أبديا استعداداً لالتقاط الصور معك. تجربة التطبيع مع مصر تقول الشيء كله وأكثر. فما من جريمة في مصر توازي “التطبيع”، لا نخبوياً ولا شعبويّاً. هي، حقيقة، تهمة التّهم، وأم الكبائر.

يملك الفلسطيني الحق الكامل في دولته “العربية”. أمّا كيف يتدبر وسائله في الحصول على ذلك الحق فلا نملك، لا نحن ولا السيد بلينكلن، الصلاحية في إرشاده إلى الصواب والخطأ ما دمنا لا نرى له حقّاً في دولة مستقلة. كما لا يملك السيد بلينكلن ولا السيد شولتز الحق في أن يطالبا الفلسطيني باحترام المواثيق الدولية إن كان الفلسطيني لا ينتمي إلى أي “دولة”.

اعطوه دولة مستقلة وسيحترم كل القوانين التي تسري على الدول.

مروان الغفوري

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫35 تعليقات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى