مفكرون

****** النسخ في الوحي*****…


****** النسخ في الوحي*****
(ج٤)
——–ما نُسخ حكمه وبقيت تلاوته——

يقول «د. محمد علي الصغير»: إن الوحي قام يجابه الفضوليين على الرسول ﷺ «الذين كانوا يأخذون عليه راحته، ويزاحمونه وهو في رحاب بيته بين أفراد عائلته وزوجاته، فينادونه باسمه المجرد، ويطلبون لقاءه دون موعد مسبق … إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ.» وهو بذلك إنما يشير إلى تغير الواقع وتبدله، بعد أن هاجر المصطفى ﷺ من مكة إلى المدينة، وبعد أن مر زمان استتبت فيه الأركان للدعوة وصاحبها، وأصبح هناك أصول يجب اتباعها في التعامل مع النبي ﷺ، ولم يعقلها ويعها أولئك الذين ظلوا يتصورون أنه بالإمكان مناداته من خارج بيته «يا محمد». ويتابع «د. الصغير» القول: «واستأثر البعض بالإمكان بوقت القائد، فكانت الثرثرة والهذر وكان التساؤل والتنطع، دون تقدير لملكية هذا الوقت، وعائدية هذه الشخصية، فحد القرآن من هذه الظاهرة … وعالجها بوجوب دفع ضريبة مالية تسبق هذا التساؤل أو ذلك الخطاب، فكانت آية النجوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المجادلة: ١٢) … فامتنع الأكثرون عن النجوى، وتصدَّق من تصدَّق، فسأل ووعى وعلم وانتظم المناخ العقلي … ولما وعت الجماعة الإسلامية مغزى الآية … نسخ حكمها ورُفع، وخفف الله عن المسلمين بعد شدة … في آية النسخ: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المجادلة: ١٣).»٤٥
والحالة التي بين أيدينا هنا واقع حي يتحدث ويفعل، فيتفاعل معه الوحي منفعلًا وفاعلًا، ويتهرب المتسائلون من لقاء النبي إشفاقًا من نفقات يدفعونها ضرائب للسؤال والتعلم، فيعود الوحي يجمعهم مرة أخرى، مسقطًا عنهم ضريبة العلم، مبقيًا على الصلاة والزكاة، مع شرط طاعة الرسول ﷺ. وهكذا نجد آية النجوى وقد نسخ حكمها بآية ناسخة، بينما بقيت التلاوة قائمة في القرآن الكريم غير منسوخة. وفي تفسير الخازن أمثلة أخرى لهذا الوجه من وجوه النسخ إذ يقول: «وهو كثير في القرآن، مثل آية الوصية للأقربين نُسخت بآية الميراث عند الشافعي، وبالسنة عند غيره.
وآية عدة الوفاة بالحول نُسخت بآية «أربعة أشهر وعشرًا». وآية القتال: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ (الأنفال: ٦٥)، نسخت بقوله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا (الأنفال: ٦٦)، ومثل هذا كثير.»٤٦ وقال ابن العربي: «كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم منسوخ بآية السيف، وهي: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، الآية نسخت مائة وأربعًا وعشرين آية» (التوبة: ٥)٤٧ لكن السيوطي يشير إلى إشكالية ضمن إشكاليات تثور في نسخ آية السيف لآيات الصفح والتولي والإعراض في قوله: «قال تعالى: أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (التين: ٨)، قيل إنها مما نسخ بآية السيف وليس كذلك، لأنه تعالى أحكم الحاكمين أبدًا، لا يقبل هذا الكلام النسخ، وإن كان معناه الأمر بالتفويض وترك المعاقبة.»٤٨
والمعلوم أنه عندما جُمع المصحف زمن «عثمان بن عفان رضي الله عنه»، تم جمع كثير من الآيات المنسوخة إلى جوار الآيات الناسخة، وهذا هو الواقع الذي فرض إنشاء باب في النسخ بعنوان «ما نُسخ حكمه وبقيت تلاوته»، وهو الواقع الذي أدى إلى ظهور كثير من الآيات بمظهر التضارب والتناقض، وليس الأمر كذلك، إنما الأمر يعود إلى واقع حدث الجمع، فالقرآن الكريم لا يحمل تناقضًا ولا تضاربًا، ومثالًا لحالات التناقض الظاهري أمثلة نسوقها في عدة نماذج:
النموذج الأول: الآيات المتعلقة بالكتب السماوية السابقة على كتاب الله العزيز: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ (المائدة: ٤٣)، إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ (المائدة: ٤٤)، وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ (المائدة: ٤٧) الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ (المائدة: ٤٦) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ (المائدة: ٤٨)، وهي الآيات التي يقابلها آيات أخرى تقول: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (النساء: ٤٦) يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (المائدة: ١٣) وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ (البقرة: ٧٥).
النموذج الثاني: الآيات المتعلقة بأصحاب الديانات الكتابية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: ٦٢)، وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (العنكبوت: ٤٦)، وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً (الحديد: ٢٧)، وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (آل عمران: ٥٥)، وهي الآيات التي يقابلها آيات تقول: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ (آل عمران: ١٩)، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران: ٨٥).
النموذج الثالث: الآيات المتعلقة بالمدى المسموح به من الحرية الدينية: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (الكافرون: ٦)، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس: ٩٩)، لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (البقرة: ٢٥٦)، وهي الآيات التي يقابلها: أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا (آل عمران: ٨٣).
النموذج الرابع: الآيات المتعلقة بالموقف من المشركين: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ (آل عمران: ٢٠)، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (فاطر: ٢٣)، إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ (هود: ١٢)، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ (النساء: ٦٣)، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ (النساء: ٨١)، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ (المائدة: ١٣)، عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة: ١٠٥)، وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (الأنعام: ١٠٧)، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (الغاشية: ٢٢)، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (الإسراء: ٥٤)، وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (المزمل: ١٠)، فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (المعارج: ٥)، فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ (طه: ١٣٠)، فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (الحجر: ٨٥)،خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الأعراف: ١٩٩)، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (فصلت: ٣٤)، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (الرعد: ٤٠).
هذا بينما نجد آيات لا ترجئ الحساب ليوم القيامة، إنما تضعه بيد الجيش الإسلامي، وتأمر بقتال من لم يسلم، ونموذجًا لهذه الآيات: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ (التوبة: ٢٩)، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (النساء: ٩١)، فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ (محمد: ٤)، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (النساء: ٨٩)،فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (الأنفال: ١٢)، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ (الأنفال: ٣٩).

وهكذا نجد على الطرفين آيات مثل:

وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ (آل عمران: ٢٠)، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (النساء: ٨٩).

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا (الأنعام: ٦١)، فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ (محمد: ٣٥).

وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (البقرة: ١٩١)، فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (التوبة: ٥).

ومِن ثَمَّ بات واضحًا أن جمع الآيات المنسوخة إلى جوار الآيات الناسخة، أنشأ نوعًا من التضارب الظاهري في الآيات، جلَّ الله تعالى عن ذلك. وقد ذهب العلماء في تعليل ذلك إلى القول بأن بقاء المنسوخ هو من قسم المنسأ، وهو ما يقول فيه السيوطي: «فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى … بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة تقتضي ذلك الحكم، بل ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله، وقال مكي: ذكر جماعة: إن ما ورد من الخطاب مشعرًا بالتوقيت والغاية، مثل قوله في البقرة: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ، محكم غير منسوخ لأنه مؤجل بأجل.»٤٩
وهكذا، وتأسيسًا على الأخذ بمبدأ أزلية الوحي، أرجع الأمر لباب جديد هو باب المنسأ، بينما الآية التي يوردها السيوطي فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ (البقرة: ١٠٩) تشير إلى الظرف الموضوعي الذي تجادل معه الوحي وتفاعل. مما أدى لتغير موقف الوحي وتبدله مع تغير وتبدل ذلك الظرف وما يطرأ فيه من تحولات. فالمعلوم أن موقف الإسلام من المسيحية كان في البداية موقفًا مهادنًا متسامحًا يؤكد حرية الاعتقاد، وأن في الإنجيل هدى ونور، وأن القرآن جاء يصادق على ما سبق وورد فيه، وأن الله رفع أصحابه فوق الكافرين إلى يوم القيامة. لأسباب ظرفية واضحة في حاجة المسلمين إلى دار هجرة لدى نجاشي الحبشة المسيحية، وإذ رددت شفاه المسلمين هناك الآيات عن المسيح وأمه، فكان أن أحسن استقبالهم ووصلهم بالود والرحمة.

كذلك الحال في الموقف من اليهودية واليهود، فقد كانت يثرب دار هجرة للمسلمين، بينما كانت معقلًا كبيرًا ليهود الجزيرة، وكانت «المصلحة» والحكمة تستدعي أن تسبق المسلمين، المهاجرين إلى يثرب، آيات تردد ذكر أنبياء بني إسرائيل، وقصص العهد القديم، والقرار بأن الله فضَّلهم على العالمين، وأن توراتهم فيها هدًى ونور، وعليهم الحكم بما جاء فيها. وكان أول عمل سياسي مهم قام به المصطفى ﷺ عند وصوله يثرب هو عقد الصحيفة التي كفلت حرية الاعتقاد لأهل المدينة جميعًا. وكان من أهم نصوصها «هذا كتاب محمد النبي ﷺ، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم، أن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين … وأن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم … وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة …» بل واشترع للمسلمين صوم الغفران اليهودي، بل والتوجه في الصلاة وجهة اليهود (بيت المقدس).
ولكن الظرف لم يستمر على حاله، مما أدى إلى إلغاء الصوم العبري واستبداله بصوم رمضان العربي، كما ألغيت كعبة بيت المقدس واستُبدلت بكعبة مكة، ثم أخذ كل من النبي ﷺ واليهود يكتشفون اختلاف توجهاتهم، ثم يكتشفون اختلافات عميقة، بين ما بين يدي اليهود من التوراة، وبين ما يتلوه رسول الله ﷺ. وهنا اتخذ الأمر وجهة أخرى، خاصة بعد غزوة بدر الكبرى، التي مكنت المسلمين من العتاد والسلاح والقوة المادية والمعنوية. إذ يكشف لنا الوحي أن سبب اختلاف القرآن عن التوراة في كثير من التفاصيل، إنما يرجع إلى قيام اليهود بتحريف التوراة الأصلية ومن هنا حق قتالهم لتبديلهم آيات الله؛ ومِن ثَمَّ نقض الصحيفة وإبطال الحرية الدينية، وجاء الأمر وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلهِ (البقرة: ١٩٣)، بعد أن أصبح «الدين عند الله الإسلام».

وكان الموقف نفس الموقف من المسيحية اليعقوبية بعد انتفاء الحاجة للحبشة ونجاشيها، وكان لا بد أن يقول الوحي كلمته إزاء العقائد المسيحية. وهو الأمر الذي ينطبق على الموقف من أهل مكة، إذ بدأت الآيات الحكيمة في مكة زاخرة بما يلائم حال الضعف التي كان عليها المسلمون وسط أكثرية معادية، فقررت حرية الاعتقاد وأنه لا إكراه في الدين، والأمر موكول إلى الله يوم القيامة. أما بعد الهجرة من مكة إلى المدينة، وبعد وقعة بدر الكبرى، والتحول من حال الضعف إلى حال القوة، أتت الآيات الناسخة تبطل حرية الاعتقاد، وتأمر بقتال غير المسلمين وقتلهم. وهو الأمر الذي لحظه الإمام السيوطي وجلة الأجلاء من العلماء، لكنهم أدرجوه في باب المنسأ وهو ما عبرت عنه الآيات بجلاء فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ (البقرة: ١٠٨)

#سيد_القمني


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى