الحديث حول “علي” ينصرف عادة إلى جدل حول دفتر الفضائل الخاص به. فهو مدينة العلم! …


الحديث حول “علي” ينصرف عادة إلى جدل حول دفتر الفضائل الخاص به. فهو مدينة العلم! لا، بل لم يكن أهل المدينة يأخذون عنه فقههم. وهو نائب عن النبي كونه استخلفه على المدينة بعد خروجه إلى تبوك! لا ليس في الأمر ميزة فقد استخلفه على النساء والصبيان واستخلف آخرين على الرجال. هو أفقه الناس! لا ليس كذلك وإلا لما تخاصم مع الخلفاء على ميراث زوجته. قال له النبي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، ما يدل على جاهزيته ليكون خليفة للنبي! لا ليس كذلك فقد قال عن صحابة آخرين إنهم موسى ونوح وإبراهيم، أي أعلى شأناً من هارون.

خاض كثيرون في مثل هذا الجدل، وفي كل مرّة كان شيعة علي يرفعون أسهمه كان آخرون يحاولون خفض قيمتها لإعادة الاعتبار لعادية الرجل وبشريته. وفي سبيل ذلك كان المتحمسون يصعدون به إلى درجة “خلق الله من نور وجهه سبعين ألف ملك يستغفرون لمن يحبه”، فيرد عليهم آخرون أن الرجل حتى في غزوة خيبر [الرمز التاريخي لبطولته] كان يطحن الرحى للمقاتلين [أي يخبز] كما يتفق كبار المحدثين، قبل أن يستخرجه النبي من الطاحونه ويأمره بالقتال.

كل ذلك الجدل حول دفتر فضائله واستثنائيته رد هو بنفسه عليه حين نصّب نفسه حاكماً للمسلمين ومعلّماً للدين في الكوفة. خمسة أعوام مثّلت اختباراً عملياً لكل تلك الدعاوى حول الرجل. كيف بدت حقيقة الرجل، قدراته، خياله، حدسه، نزاهته المالية، مهارته الدبلوماسية، عقليته العسكرية، جيشه، عقيدته العسكرية، خطاباته إلى الأمّة، مدونته الأخلاقية، لغته، معرفته، علاقته بالخصوم، أخلاقه في الحرب، علاقته بالنساء، رؤيته للعالم، موقفه من العلم والتأليف، مساهمته في فن الإدارة، العُمران في حكمه، التنوّع الديني والثقافي في بلاده، نظريته السياسية، رؤيته للدولة، تسامحه تجاه المختلف معه، موقفه من الإسلام البديل الذي تخلق في الكوفة .. إلخ.

الكوفة كانت اختبار عمليّاً لا لبس فيه. أما اختزال سيرة “حاكم عربي” إلى القول إنه صاحب رسولَ الله وروى عنه حديثي الفرق بين بول الصبي والجارية، وكنتُ رجلاً مذاء .. فتلك إهانة لما هو علم، وما هو فن، وما هو تاريخ.

هذا ما حاولنا أن نجيب عنه في الشهريين الماضيين، وسنحاول نقاشه مستقبلا.

نهاركم سعيد ..

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version