كتّاب

أي طريق سلكته ثورة ١١ فبراير؟


أي طريق سلكته ثورة 11 فبراير؟
مروان الغفوري
——

مرت الذكرى السادسة للثورة اليمنية في ١١ فبراير. جيل كامل، تقريباً، لم يكن حاضراً تلك الثورة احتفل بها هذا العام. ولأول مرة يعلن الرئيس هادي، كما فريقه، انضمامه رسمياً إلى الثورة بعد ستة أعوام من اندلاعها. فقد أعلنت الحكومة يوم الثورة يوماً وطنياً، وتلقى هادي التهاني بتلك المناسبة.

أخبرتني توكل كرمان عن الصراعات التي خاضتها مع ممثلي الثورة داخل لجان الحوار الوطني، ٢٠١٣، لأجل الاعتراف ب١١ فبراير كيوم وطني. داخل اللجنة، التي كانت هي عضواً فيها، كانت تضرب بكفها على الطاولة لفترات طويلة، لأيام، احتجاجاً على تواطؤ النخب السياسية ضد ١١ فبراير، ورفضاً لأي نقاش قبل تسوية موضوع الثورة كيوم وطني. الآن، وقد صار ١١ فبراير يوماً وطنياً، فإن أكثر ما لا نجده هو الوطن. لكن الثورة لا تزال قادرة على أن تحل محل الوطن، وتمنح المعنى والهوية والوشيجة المشتركة.

في عديد من دول العالم احتفل اليمنيون بثورة لم تنجح، بعدُ، في جلب وطنٍ ليمنيي الشتات. داخل اليمن احتفل يمنيون بالثورة على جغرافيا صغيرة في تعز ومأرب، وغابت باقي المُدن عن الذكرى، فتدفق اليمنيون، الأجيال الجديدة منهم، على فيس بوك واحتفلوا بثورتهم على طريقتهم. في مدن الجنوب المحررة مررت الذكرى وكأنها غير معنية بها. مدن الحوثيين توقفت هذا العام، لأول مرة، عن الاحتفال. حتى العام ٢٠١٦ كان الحوثي لا يزال قادراً على أن يفعل الأمرين معاً:

يقاتل ثورة ١١ فبراير، بميليشياته وأسلحة صالح، ويحتفل بها في الآن نفسه. في العام الماضي هاجم صالح الرئيس هادي بسبب تهنئة خفيفة كتبها الأخير في الذكرى الخامسة لثورة فبراير. هذا العام توقف صالح عن الصراخ في وجه احتفالات ثورة، فهي تتكرر من عام لآخر وعلى نحو متعاظم وهو قد أدركه التعب، ولا يزال مخلوعاً. أما هادي فقد أعلن رسمياً التحاقه بثورة قال عنها في العام ٢٠١٤ إنها كانت فوضى ومشكلة كبيرة.

تصبح ثورة ١١ فبراير مع الأيام ظلالاً. إنها تشبه، بمرور الوقت، ذكرى أناس خرجوا في النهار وهتفوا حتى غلبهم التعب وعادوا مساءً، ثم راحوا يحتفلون بذلك الحدث عاماً وراء الآخر، غير آبهين بما حدث بعده. احتفالات هذا العام كانت خليطاً من معنيين: الذكرى الرومانسية، والهوية القلقة. داخل فكرة الثورة تعثر الأجيال الجديدة، ربما، على معنى، وتمتلك الهوية تفسيراً. الانهيار المتزايد للدولة بالمعنى الجغرافي يفسح المجال للثورة كدالة بديلة، على الصعيدين النفسي والتاريخي.

بعد عامين من اندلاع الثورة بدت فكرة حوار وطني شامل، حصل فيه النظام القديم على وضع استثنائي، فكرة عملية وممكنة. كانت الثورة متسامحة مع كل الخيارات الوطنية، شريطة أن تفضي إلى دولة لكل الناس

نحن أبناء ١١ فبراير، كان المحتفلون يرددون. استطاع ١١ فبراير أن يوفر لليمنيين، في العام ٢٠١٧ على الأقل، وطناً. فهو المكان/الزمان الذي جمع كل أولئك الناس، في تناقضاتهم العلنية والخفية، ومنحهم صفة واحدة وجعلهم لوقت قصير متشابهين يعرفون الأغنية نفسها. ما من معنى مشترك قادر، راهناً، على جمع اليمنيين مثل ١١ فبراير. إنه الملاذ الأخير، والإعلان الذي يشمل كل الناس، ولم يكتبه أحد.

لم يتعهد ثوار فبراير، في ساحاتهم الشهيرة، بإنجاز دولة أسطورية، ولا حتى دولة عادية. خرجوا ليقولوا إننا نعرف طبيعة الدولة التي تناسب الأزمنة الحديثة. بعد عامين من اندلاع الثورة بدت فكرة حوار وطني شامل، حصل فيه النظام القديم على وضع استثنائي، فكرة عملية وممكنة. كانت الثورة متسامحة مع كل، والخيارات الوطنية، شريطة أن تفضي إلى دولة لكل الناس. لم تكن ثورة ١١ فبراير جماعة ولا تنظيماً، كما إنها كانت جرداء من الإيديولوجيا والعنف معاً. فقد وسعت كل الناس، حتى هادي. وها هي تصير روحاً وطنية بلا ملامح، شيئاً من الرومانسية التي تدخل طي التاريخ، وفي ضمير الأجيال القادمة.

في العام ٢٠١٤، في ذكرى الثورة، التقط مصور شاب صورة نادرة للحشود التي خرجت تحتفل بالثورة في صنعاء. عندما نشر الصورة كتب تحتها: هؤلاء هم الذين ركبوا الثورة. بعد سنوات طويلة، وفي مناسبات وطنية معقدة، سيخرج شباب في الوقت المناسب وسيقولون إنهم أبناء ثورة ١١ فبراير. في ديسمبر ٢٠١٥ كتب دومينيك مويسي مقالاً عن صعود حزب “لوبين” اليميني في فرنسا. كانت لوبين قد حققت نتيجة لافتة في المرحلة الأولى. في المرحلة الثانية، والنتائج توشك أن تكون نهائية، كان حزب لوبين قد حصل على صفر. يتحدث دومينيك إلى أكبر أولاده، وهم يشاهدون التلفاز: إنهم شباب الثورة الفرنسية. يهمس فيه ولده “في مثل هذه الأوقات يشعر المرء بالفخر كونه فرنسياً”. بعد أكثر من مائتي عام عادت قيم الثورة الفرنسية وخاضت التحدي.

انهيار النظام أمام ثورة ١١ فبراير عنى أن دولة ذلك النظام ما عادت قادرة على الاستمرار، ولا أن تنسجم مع التحولات الكبيرة. أما الثورة فتركته ينهزم وتحولت هي إلى فكرة عابرة للأزمان، فكرة عن العدالة والحياة المشتركة والتنوع الخلاق، فكرة عن دولة لكل الناس ينشأ سلطانها من الناس، فكرة عن الإبداع والحرية والكرامة. إنها الفكرة الشاملة التي لا يمكن هزيمتها. خاض نظام صالح، بأدواته الملكية والجمهورية معاً، صراعاً ضد فكرة مطلقة لا تخص شعباً ولا وقتاً بعينه. حاول تجزئتها، وتشييئها، استخدم حيله العارية لتبديدها، وفي كل مرة كان يغرق أكثر. صراعه ضد المطلق قاده إلى صراع ضد كل الجهات، حتى مع نفسه. لم تخلعه الثورة بل انهزم هو أمام فكرة صارت ضميراً، ثم خطاباً، ثم جمهوراً. لم تمض سوى شهور قليلة، عقب إعلانه سقوط الثورة كلياً مع سقوط صنعاء، كان حلفاؤه الخليجيون قد اغاروا على معسكراته وجعلوها خراباً.

نعم هناك يوم اسمه ١١ فبراير، فهي ثورة أصبحت نظيراً طبيعياً للتاريخ، ولم يعد بمقدور ذلك اليوم أن يموت، فقد صار مطلَقاً. لم تعُد الثورة الآن في أي مكان، ولم يعد أحد يطالبها بشيء. كانت ثورة ١١ فبراير بروفا عظيمة اختبر فيها الشعب قدرته على صناعة التاريخ، وتغيير مجرى السيول، وتفكيك الحتميات. المقاومة المسلحة، ضد الفاشية الدينية والانقلاب العسكري، استندت إلى قيم ١١ فبراير عن العدالة والحرية والحق في العيش الكريم. ستتجلى ١١ فبراير، من وقت لآخر، عبر حركات تناسب طبيعة التحديات الحرجة، فقد بدأت بالتلوين أمام جامعة صنعاء وانتهت بالمدفعية.

كانت تلك القصص هي النار التي حافظت على قيم الثورة حية وجسورة. فبالإضافة إلى كل القيم المجردة التي بشرت بها الثورة، عن الحقيقة والعدل، كان هناك وجه آخر للثورة: لا بد من إلحاق الهزيمة بأولئك الذين هزموا آباءنا.
المشاريع الصغيرة والمصغرة، سياسيا واجتماعيا وإقليمياً، ستكابد مشقات صعبة مع أجيال فبراير التي ستتناسل في المستقبل. ليس الآن وحسب، بل في الأزمنة التي ستجيئ. الاستقرار الحرج الذي حصل عليه صالح، بعد انقلابه العسكري، لم يدُم كثيراً، والأبواب التي فتحها ١١ فبراير لا يمكن غلقها، وهناك أجيال جديدة تتخلق في اليمن ورثت ١١ فبراير بوصفه البطولة الأهم في حياة الآباء، وستكون مهمتهم التاريخية حراسة ذلك المجد، مجد الآباء الذين انتصروا في وضح النهار، وخسروا المعركة دون أن ينهزموا.

ترك لنا آباؤنا قصص الهزيمة والاستبعاد، كانت تلك القصص هي النار التي حافظت على قيم الثورة حية وجسورة. فبالإضافة إلى كل القيم المجردة التي بشرت بها الثورة، عن الحقيقة والعدل، كان هناك وجه آخر للثورة: لا بد من إلحاق الهزيمة بأولئك الذين هزموا آباءنا.

مستقبلاً لن يكن هناك استقرار خارج قيم ١١ فبراير، وما من ممكن سياسي بمعزل عن الخضوع للأخلاق التي بشر بها فبراير.

مدونات الجزيرة.

أي طريق سلكته ثورة ١١ فبراير؟

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫36 تعليقات

  1. ذكرى الثورة ..
    في ٢٠١١ كنت اشجع ما يسموها الثورة كما لا يشجعها غيري ، كانت لي طريقة خاصة في تشجيعها ، كنت وطنيا للغاية لدرجة اني قررت آنذاك بالالتحاق بالجيش ، كرهت علي صالح و كرهت حكومتة التي لا ازال اكرهها حتى الان ..
    كنت مسيسا بكل ما تعنية الكلمة ، اذكر جيدا ذاك اليوم الدي خرجت فيه للتظاهر مع زملائي وأصدقائي ،اغلب من كنت معهم أرادوا ان يكونوا مهندسين و اطباء حلموا بذلك بعد ان تنجح ثورتهم و لكن الواقع قال شيئا اخر ، اما انا تمنيت ان اصبح عسكريا والتحق بالجيش كان حلمي سهل التحقيق ولا يعتمد على شهادة عالية ، كنت أكلم نفسي عن القادة والجنود الشجعان أمثال القشيبي والجايفي والكثير ..
    وكيف يخدمون بلادهم و أرضهم لم انتبه يوما الى انهم لا ينالون غير ميداليات على ملابسهم و ان زعيمهم و اميرهم فقط من يستفيد من كل ذلك لم انتبه الا بعد ان لاحظت كيف تسرق الثورة وتتبدل مساراتها وتُستغل من قبل الأحزاب والميليشيات
    حينها كرهت حلم الالتحاق بالجيش وان أصبح جنديا مدافعا عن بلدة ,دخلت عالم الطب وتعمقت فيه ولعلة ترك الأثر الكبير فيني فلم اعد وطنيا كما كنت لقد صرت شخصا يمقت وطنه ويمقت حكامه ، صرت شخصا لا يكترث ليمنية المدينة و لا ليمنية الريف ، كل ما اكترث له هو العيش الكريم وسط المجتمع الزائف الدي تتربص فيه الذئاب ببعضها ، لذا فلا يهمني حقا من يفوز بالثورات العسكرية فلن يستفيد غير اسيادنا فلا نصيب لنا من الغنيمة .
    اكثر ما يهمني الان هي الثورة الفكرية وكيف نساهم بحقنة تنويرية لمجتمعنا البسيط والمكافح…

  2. لقد استخدمت توكل طيبتك ونقاءك كي تمرر لها هذا المقال
    .. ماذا قلت ؟ ، انها كانت تضرب الطاولة ؟
    ..
    يجب ان تفهموا ان فبراير ليس كل المعركة ، ولن يكون المستقبل .. لقد صار مشكلة ولم يعد الحل

  3. ولو كنت سألت توكل من الى كانو يعارضون ان تكون يوم 11 فبراير يوما” وطنيا” وكان يجب ان تذكره في البوست هم الان تحت قميص الشرعيه وذكرهم هادي في مقابلته بصحيفه عكاظ (الرافضون لمخرجات الحوار الوطني ومنها الفيدراليه)

  4. كيف حدثتك توكل عن الصراعات التي خاضتها داخل لجان الحوار
    بالرغم من انها استقالت من عضوية الحوار ولم تشارك فيه
    اما انك تكذب او انها كذبت عليك

  5. سيبقى الغفوري أكثر الكتاب اليمنيين قدرة على رسم لوحة جوانية لما كان يعتمل في مخيلات ثوار فبراير.. ذلك الحلم البريء الذي فرد جناحيه كطائر أبيض يوم 11 فبراير ثم طار في الأعالي.. وعندما صوبت بنادق المجرمين رصاصها نحوه استحال نسرا سبئيا.. ثم انصب على عليهم كالشهاب الحارق من علٍ.. أحد جناحيه المقاومة الوطنية والآخر الجيش الوطني

  6. ثورة نعم الا انه قام بنهبها وسرقتها اثرياء ال الاحمر واقلامهم الهاربين كالفئران في تركيا ولندن وميونخ… ولذلك فشلت ومات..

  7. جميل هي الثورة المبعثرة التي ستجمع شتاتها يوما ما ….وغريب هم شركاء الثورة الذين تنكر بعضهم لها… وعجيب هو اعتراف الرئيس التوافقي بها بأثر رجعي ……. ورمز ية هي الثورة التي استمدت روحها من ضربة كف السيدة توكل على الطاولة أمام رجال السياسة الذين كانوا لا يستوعبون ماهية ثورتهم وكيف تسير …..أليس هذا مختصر مقالك التبريري لثورة يفضل تذكر انطلقتها! وعدم الترهيب لمخالفتها خاصة أنها اصلا من البداية لم تعد بدولة ولكنها بقية وضاع الوطن! …فهل بلامكان أن تعيد توكل لنا الوطن ولها مجد الثورة مرصعا بجواهر نوبل!. تقديري

  8. أمانة تسلم لنا يادكتور مروان على روح الثورة المهاجره..أما نحن فهنالك من غامر بحياتنا وأصبحنا نحلم بوطن ومن يستظل بسماه يحلم بالهجرة. …..

  9. لماذا الجنوب لا يعير اهتماما لمن تقول عنها أنها ثورة لكل اليمن ، هل سألت نفسك هذا السؤال ؟

    يا دوك ثورة فبراير حملت شعار كبيرا وحلم واسع وانتجت اسطنبوليين توكليين واحمريين !!

    أنتجت فبراير كتاب شعارات فضفاضة وتنظيرات خنفشارية أثبتت الأيام مدى هلاميتها !!

    سأخبرك شيئ تعرفه ولكنك تتغاضى عنه : أردتم من خلال فبراير وئد ثورة الجنوب لذلك فبراير ليس لها وجود عند الجنوبيين ، لا منذ إطلاقها ولن تكون في المستقبل .

  10. فعلاً مقال رائع لرجل رائع وكلام جميل وثورة فبراير كانت ترجمة لاحلام اليمنيين ببناء الدولة والتحرر من واقعهم المؤلم وليست الثورة ملك مجموعة وانما كانت تشمل كل اليمنيين الباحثين عن وطن تسوده العدالة .كون 11 فبراير لم تحقق على الواقع الكثير لأن الاحباطات ومراكز النفوذ قسم عاداها وقسم عمل علي اسقاطها من الداخل ولكنها مستمرة حتى في ضمائرنا فلابد ان يحق الحق ولو طال الأمد.وسيسقط قناع الباطل ولو بعد حين.

  11. كفرنا بكل الثورات، ثورات تجلب المعاناه للشعوب والتقسيم والكراهية والاحقاد والحروب وسفك دماء بعضنا البعض ليست ثورات، عني انا وكثير من أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره ستكون احتفالاتنا وفرحتنا يوم تتوقف هذه الحرب اللعينه، يوم يتفق جميع اليمنيين على إيقاف الصراع والحروب والاقتتال فيما بينهم ووقف حمامات الدماء التي تتم تحت شعارات وعناوين زائفة يرفعها تجار الحروب والدين والوطنية ووقودها المواطنين الغلابه والبسطاء من هدا الشعب، وسنعلن اليوم الذي يعم فيه السلم والإخاء بين جميع اليمنيين يوم وطني يوم ثورة- إذا مغرمين بالإسم – عيد الأعياد.. ياليت قومي يعقلون.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى