كنت قد فقدت الثقة في قدرة الكتابة على زعزعة الأشياء، كل الأشياء. أمر بعناية على رسائل القرّاء، ثمة قلق عال، شغف، رغبة عميقة في إهدار اليقين لصالح الشك.
يوماً ما وقف الرجلان. قال المكّي: لا أكاد أشك. وقال الجهمي: أما أنا فلا أكاد أوقن. بقي الرجل الذي لا يكاد يؤمن محركا للمعرفة والتاريخ. ذلك الذي لا يشك غمرته مياه التاريخ.
هذه رسالة من بلدة في جنوب اليمن. نقر صاحبها على زر تحميل كتاب “على مقام الصبا”، قرأ المقدمة فأدركه الخوف. أراد أن يتخلص من الكتاب، من الإثم. غير أنه استجمع شكيمته وواصل القراءة .
سأحتفظ باسم مرسلها، وأضع النص:
——–
الدكتور مروان الغفوري ، سلام الله عليك ورحمته وبركاته ، تحية طيبة ، وأرجو لك العافية وراحة البال .
بنقرة واحدة قمت بتحميل كتابك على مقام الصبا ، قرأت مقدمته ،
أردت حذفه مباشرة ، وأردت في الوقت ذاته إكمال قراءته ، بغض النظر كنتَ شيوعيا او ماركسيا او طردك الحزمي من الاسلام ، ام اعطاك الخميني مفتاح الفردوس ، اتعامل مع الجميع بقوانيين الرياضيات التي درستها ، والتي لا تعرف الحب ولا الحنان .
لا زلت مترددا ، بشان باب حصن خيبر ، متخيلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقتلعه بيد واحدة ويرمي به لمئات الامتار ، كيف استطاع التحكم بنقاط التأرجح ، وبمحاور الارتكاز ، وبالثقل المتوزع على جميع يد الامام علي ، لكنه اقتلعه و رمى به خلف الأسوار .
قرأت مقدمة كتابك وانا اسكن في منطقة تحيطها المتارس ، وتحتضنها فوهات المدافع من كل مكان ، لكن كتابك ، ارغمني على اعادة التفكير ، هل من نراهم ارادونا ان نراهم بهذه الصورة ، ام ان عقولنا مغتصبة واسيرة التلقي والاستلقاء .
سأهرب من حقول الالغام في موروثنا الاسلامي ، الذي يحتوي الكثير من قصص اقتلاع ابواب الحصون ، لاستمع بخشوع الى قصص نزول الملائكة في افغانستان وقتالهم للروس الشيوعيين ، اما عن رؤية خالد بن الوليد في ساحات التغيير ، واختيار رب السماء لنا تلك الساحات ، فهذه من المرويات الجديدة التي سيقرأها امثالي بعد مئات السنين ، وقد تحتاج الى طبيب مثلك يجارحها و يعيد زراعة انسجتها الحقيقة .
سالت ذات مرة احد قيادات جماعتنا عن الغفوري ، فقال ذكي جدا ، يقرا في اليوم اكثر مما ينام ، قرا كتب التاريخ والتفسير وجمع كل ماذكرو عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه وجمعه في كتاب ، لكنه ( مش تمام ) .
لم تخض حقول الغام الجماعات الاسلامية ، كيف تم تغليف قيادات معينة بصفة القداسة والقدسية ، وتم عزلهم عن الجميع وعن المجتمع ، لاضفاء صفة الكمال ، فهم لا ياكلون الطعام مع الناس ولا يمشون في الاسواق ، اظهرو الجانب المشرق ، اما الجانب الاخر فلا وجود له او هكذا اراد المخرج ادراجه في عقول الاتباع ..
أصبحتَ الان مطالبا بفاتورة تكاليف هدم معابد القداسة ، و رسوم إزالة طقوسها التي تُمارس بمنتهى الرضا وكامل الاستسلام ، كلما التهمت سطرا من كتابك ، كلما اتسعت حدقة عيني ، دهشة او فزعا ، كلاهما سببان لنتيجة واحدة ، كل سطر كتبتَه ، يمحو أسطرا مما قرأتُه في إطار الجماعة وحلقاتها التأطيرية ، كل تلك المرويات التي سحقتها ، لها نسخ كثيرة والفاظ شبيهة داخل الإطار التنظيمي للجماعات الايديولوجية ، انتهت خلافة البغدادي القرشي البدري الحسيني ، بصاروخ امريكي ، لم تحمه خيول بيض يعتليها رجال طوال من نور لا ملامح لهم ، هل لأهل السنة مرويات اشد تطرفا وتوحشا من مرويات الشيعة ، انت ملزما باجابة ، مالم فيتوجب عليك دفع التكاليف ، تكاليف النبش العظيم .
لا بد من فتح عين ثالثة ، ترى البعد الثاني والثالث والرابع ، نحتاج لطبيب يعيد ترتيب المرويات ومصفوفات الحقائق ، يتعلق الامر كله بالسلطة والحكم ، وان ادى هذا الامر استدعاء الخوارق والمعجزات .
دائما ما يعاتبني اصحابي ، كيف تقرا للغفوري وهو يساري وانت من اصحاب اليمين ، هم لا يعرفون ان للدماغ فص ايمن وايسر ، ولا يعرفون حجم الناصية واهمية المخيخ ، كل همهم ان تدهن اللحية وتُكحل العين اليمنى واليسرى ..
خالص احترامي ومحبتي وتقديري.
—-
تحميل الكتاب من هنا:
يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات
-
-
-
-
-
-
-
-
