كتّاب

وفي اليمن هولوكوست.. أيضاً!…


وفي اليمن هولوكوست.. أيضاً!
——
مروان الغفوري
الوطن
——-

في الحرب العالمية الثانية جمع النازيون خصومهم من الشيوعيين والاشتراكيين الديموقراطيين فضلاً عن أسرى الحرب وبعض الفئات الاجتماعية في معسكرات اعتقال وهناك قضى أغلبهم نحبه. أطلق على تلك المعسكرات «الهولوكوست» وهي كلمة يونانية تعني «القربان المقدم حرقاً». خسرت ألمانيا الحرب، وبقي الهولوكوست «الهراوة الأخلاقية» التي تطاردها، إذا استعرنا كلمات للفيلسوف الألماني مارتن فاسلر.

نجحت النازية، كما ستفعل الحوثية، عن طريق اللغة الشمولية في التغلغل إلى النفس البشرية، وتلك انهارت أمامها بلا مقاومة، وصادر الإنسان نفسه بنفسه وأصبح لا أحد، أو مجرّد مؤدّ محايد لأدوار توزّع عليه. هكذا رصد الهنغاري إمره كيرتيس، الحائز على نوبل، تجربة شعبه مع النازية.

وصار، في نهاية المشهد النازوي، آيخمان يعترف بجرائمه أمام المحكمة قائلاً إنه كان يؤدّي وظيفة وحسب وأنه لا يحس بالذنب، ولن يفعل، فقد كان موظفاً. شهدت حنّا آرندت، الفيلسوفة الشهيرة، محاكمة النازي آيخمان في إسرائيل وعادت إلى أميركا لتنحت في النيويوركر، مطلع الستينات، مصطلحاً عثرت عليه من ملاحظتها لطبائع النازية: تفاهة الشرّ.

تفاهة الشر عند كيرتيس وآرندت هي ظاهرة القاتل البيروقراطي الذي استسلم كليّاً للغة شمولية، وزخات متقطعة من العنف والخوف. حدّدت له تلك اللغة الأعداء ووزعت عليه أدواراً تجاههم، وذهب يتخلّص منهم بحياد تاريخي، أو بالتزام بيروقراطي صارم. تفاهة الشر: أن يقوم الموظف الصغير بأكبر الجرائم دون أن ينوي ذلك، كما لا تترُك الجرائم في قلبه أثراً. وهي ظاهرة خاصة بالفاشيات والنازيات، بالشموليات الإيديولوجية المعادية للتنوّع الخلاق، والمستندة إلى عقائد تفوّق إثنية أو دينية.

منذ ثلاثة أعوام وأنا أكتب عن التشابه العميق بين النازية والحوثية، من اللغة الشمولية وما تنتجه من إنسان بلا أبعاد، مطوّع كليّاً ومسحوق، صعوداً إلى عقيدة/ عقدة التفوّق والامتياز، وفشل الجماعة النازية في الاندماج مع العالم. غير أنّه لم يكن ليخطر ببالي أن يصل الأمر بالحوثية حد إقامة معسكرات اعتقال جماعية، معسكرات للموت حرقاً، أو هولوكوست لتذهب بعيداً في التطابق مع النازية، بعيداً جدّاً. انتصرت الحوثية في حروبها الداخلية لجملة واسعة من الأسباب وكان كل نصرٍ معضلة كبيرة. فحاصل إجمالي الانتصارات العسكرية للحوثية خلقت الصورة
النهائية للجماعة: مشروع مستدام للحروب. وذهبت انتصاراتها تقودها في اتجاه فنائها، إذ البديل عن الحروب الحوثية هو الاندماج مع العالم وذلك ما لا يمكن عمليّاً. فقد خرج الحوثي بحشوده نازوية الطابع بحثاً عن الأعداء ومسنوداً بالرب، وسرعان ما عثر عليهم.

تختلف داعش عن الحوثيين في إنها تستخدم عمليات القتل البشع كاستراتيجية تهدف إلى زعزعة معنويات أعدائها، كما يعتقد تودنهوفر الخبير في شؤون داعش. فهي تحرِق أسيراً أمام الكاميرا كي تدفع الجنود لإخلاء الطريق أمامها. بينما يذهب الحوثيون إلى اختيار وسائل بشعة للقتل في الظلام، مدفوعين بكراهية عميقة لا علاقة لها بشؤون الحرب. وبحسب التقرير الطبي الذي قدّم للنائب العام حول مقتل القشيبي، قائد اللواء 310 في عمران، فقد أطلق الحوثيون على الضابط الأسير 84 طلقة نارية وقاموا بخلع كتفيه وطحن عظام ساقيه. تختار داعش جرائمها الفردية بعناية فائقة
لزعزعة يقين الجيوش بذاتها، بخلاف الحوثيين. فهم، أي الحوثيين، يقاتلون إلى جانب الجيش ويطلقون السلاح على أناس عاديين بلا تاريخ مع الذخيرة.

الخطاب الحوثي القادم من صعدة وعلى مدى ربع قرن من الزمان كان يتحدث بلغة وحشية عن الأعداء. دائماً هناك أعداء، ويحدّد مكانهم: في صنعاء. وكان صالح الصماد، الذي صار مستشاراً لهادي، يلقي خطبة جمعة في صعدة عن المنافقين قبل ثلاثة أعوام. كان يحرّض المصلّين على مواجهتهم مدى الحياة، وقال إنّهم هم حزب الإصلاح. وبطريقة حاسمة نصح المصلّين «إذا رأيتموهم يدخلون القدس على ظهور الدبابات لا تصدقوهم». اللغة الأزلية الشمولية، لا طريق مع الآخرين سوى حرب أبديّة، حتى لو نفذوا أقدس واجباتنا ودخلوا القدس، سنقتلهم أيضاً.

ولم تمض سوى أشهر قليلة حتى كان الحوثيون يسقطون المدن ويدمّرون المنازل. وفي يريم، في أعالي اليمن، قاموا بتفخيخ جسد طفل. قدموا من صعدة وهناك قيل لهم مئات المرّات أنهم ما إن يغادروا صعدة فلن يجدوا سوى الأعداء، أو «المنافقين، المستبدّين، الطغاة، القاعدة، التكفيريين، الإقصائيين، المجرمين» إذا عدنا إلى خطابات عبد الملك الحوثي 2014. ويعرض تلفيزيونهم أحد مسلّحيهم ليتحدث عن اقتحام جامعة الإيمان المليئة بالإرهابيين من «الدول الغربية». وحدّد تلك الدول بقوله: الصومال، أفريقيا، إندونيسيا. لا يعرفون أين يقع العالم، بالمرّة.

فتحنا شبابيكنا في اليمن على حشود من المسلّحين المطوّعين، مطموسي الملامح، وبلا أبعاد. ولم يكن سهلاً لأي أحد أن يفلتَ من نشان بنادقهم. وإذا لم يكن المرء مستبداً فسيكون منافقاً أو شيئاً آخر يشبه ذلك. اللغة الشمولية التي قدّمها الحوثي لمقاتليه، تلك اللغة التي لم تصادر فرديتهم كما توقّع كيرتس بل حوّلتهم إلى آلات للموت، كانت شاملة ووسعت كل شيء وكل الناس ولم يعد بالمقدور الإفلات منها. لقد شملتنا كلنا وصرنا ضحاياها.

في 6 يونيو الجاري أوردت وكالة الأناضول خبراً عن مقتل 15 شاباً في عدن استخدمهم الحوثيون كدروع بشرية في جبل حديد. وقبل ذلك خرجت الحشود، إب وذمار، في جنازات أناس لقوا حتفهم نتيجة استخدامهم من قبل الحوثيين كدروع بشرية. جرى الأمر كالتالي: تهاجم مقاتلات التحالف العربي معسكرات الحوثيين فيذهب الحوثيون ويختطفون يمنيين عزلاً، يختلفون عنهم سياسيا أو مذهبيّاً، ويضعونهم كدروع في مخازن السلاح. وفي منطقة هرّان، بذمار، عُثِر على أكثر من 23 جثّة من بينها رئيس حزب الإصلاح المحافِظ في إب وصحفيّان شابان. كان ناشط من مدينة تعِز قد دوّن على صفحته في
الفيسبوك شهادة عملية عن عشرات المختطفين الجنوبيين في معسكر «مدينة الصالح» المحاذي لمدينة تعِز. كان في الأساس حيّاً سكنيّاً ثم صار منطقة عسكرية حوثية، وأصبح هدفاً للمقاتلات العربيّة. غير أن الحوثيين حاولوا خديعة طيران التحالف بوضع مواطنين يمنيين كدروع بشريّة.

اللغة الشمولية التي تعلمها الحوثيون على مدى سنين خلقت منهم نازيّين مطوّعين كل أناشيدهم تناشد «داعي الموت»، والموت موضوع بلا جلال ولا هيبة. فطبقاً لاستطلاع تربوي من صعدة فقد قال 7 أطفال من كل 8 إنهم يريدون أن يصبحوا شهداء عندما يصيرون شبّاناً. أي قتلى.

«الله معنا» قال الحوثي عشرات المرّات في خطاباته. كان متأكّداً من كلامه وآمنت به جماعته. وفي خطاب التعبئة العامة ابتسم بهدوء وأعاد التأكيد على أن الله معه، وأن النصر المؤزر مضمون. وأنه ليس أمام الآخرين سوى الهرب والهزيمة. ذلك، بالطبع، أن الله ليس معهم. أطلّت كارثة اليمني المعاصر على هذه الثنائية المروّعة: يحدّد الحوثي عدوّاً ويجعل منه درعاً بشريّاً. أي يحمي عرباته العسكرية بأجساد اليمنيين الحيّة. أما رجاله فهم منذ الطفولة مجاهدون وعندما يكبرون يصيرون قتلى، إذا استعرنا تعبيراً للروائي الأفغاني عتيق رحيمي. ينشر الحوثيون بوسترات
شهدائهم على صفحات التواصل الاجتماعي ويكتبون تحتها «تقبّل الله القربان». المواطن الحوثي قربان، أي حطب للنار، والمواطن غير الحوثي درع، أي وقود للنار. عمليّاً فالحوثي حالة شاملة من الموت والفناء، حتى بالنسبة لنفسه.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫33 تعليقات

  1. يا دكتور مروان رغم حبي لك واختلافي الأيدلوجي للحوثيين ولكن اتحداك ان تجد وجه شبه بين اوشفيتز المعسكر النازي الذى لا يزال شاهدا على بشاعة النازية فى بولنداوغرف الموت بالغاز والحوثي وجنوده عصابة عمنا رشوان عندها أخلاق إسلامية

  2. ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻣﺎﺭﺗﻦ ﻓﺎﺳﻠﺮ ،ﺍﻟﻬﻨﻐﺎﺭﻱ ﺇﻣﺮﻩ ﻛﻴﺮﺗﻴﺲ، ﺣﻨّﺎ ﺁﺭﻧﺪﺕ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻓﺔ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮﺓ، ﺗﻮﺩﻧﻬﻮﻓﺮ ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺩﺍﻋﺶ ،…البخيتي يصدق في توصيفه الوضع، مقال رائع.

  3. ابتسمت ابتسامة الحيران وانا اقرأ هذا الخبر العاجل اليوم
    والذي نص على ان (( الرئيس عبد ربه منصور هادي يدعو الجيش للاصطفاف الوطني بجانب الشعب )) ….

    لم ادري اي جيش تقصد سيدي الرئيس …… هل تقصد ذلك الجيش الذي دمر دماج فعمران ثم دخل صنعاء بتواطئ منك ، فعطل مهامك ثم زحف نحو قصرك لينقلب السحر على الساحر ….. ويشاهدك العالم وانت “اسيراً ، فسجيناً ، فطريداً ”

    ام تقصد ذلك الجيش الذي انخدع بك وبأوامرك وظل يدافع بشرفه العسكري عن بقايا وطن ضاع معظمه بسبب سياستك فانتهى به الحال بين فكي كماشة “فقُتل ، وأُسِر ، وطُرد”
    أم تُراك سيدي الرئيس تقصد ذلك الجيش الذي في اللواء “310” !!!
    ان كنت لم تعلم للآن … فقد حوصر ذلك الجيش لاكثر من ثلاثة اشهر ثم قتِل وهو ينتظر دعمكم واسنادكم حسب توجيهاتكم وحين انتهى امره لم يحظ منكم حتى بجنازة لائقة ثم ذهبت انت لعمران لتعلن استعادتها لحضن الدوله
    لم افهم ذلك اليوم اي دولة تقصد ولم افهم لحد الآن !!

    ليتنا سمعنا دعوتكم هذه ياسيدي الرئيس في وقتها المناسب !!
    الوقت الذي كانت فيه مقاليد كل الامور في يديك ..
    اما الآن فأنت في نظر اليمنيين كل اليمنيين مجرد “الرئيس الفار”

    ياسيدي الرئيس … لا تغضبك انتصارات الحوثيين فانت سببها
    ولا تحزن لانكسار المقاومة فانت من خذلها
    ولا تدمع عينك لدماء النساء والاطفال والابرياء فأنت من اجراها .
    لا تلعن الحوثيين فانت سيئ بقدرهم وانت وهم مشتركون مناصفةً بما وصلنا اليه

    سيدي الرئيس لقد صمت في زمن استوجب الكلام وتكلمت في زمن استوجب الصمت .

    فاصمت ودع اليمنيين يواجهون قدرهم المحتوم الذي رميتهم فيه .
    ولا نامت اعين الجبناء …..
    وحسبنا الله ونعم الوكيل ……
    بقلم : هيثم الرصاص ،،،،

  4. هذا مايسميه المواطن اليمني البسيط ..دغجم بغجم .. ارشح لك في سوق بارد.. السعوديه تستهدف الانسان والتاريخ ياعيال العاصفه وانت جالس تنظر بكلام هلامي فاضي.

  5. ربط تافه وتصنع كلمات رخيصه وسذاجه في المنطق ….
    اعذرك انت تشتري الريال يامروان ..تفلسفت ولعابك يسيل الا تشعر بالعار امام نفسك لو قالت لك الحقيقة ..” مهما قبضت فقد قبضت مثل اي عاهره ثمن شرفك مهما نمقته ووصفته هو شرفك الرخيص الذي تبيعة كاي نخاس انسانيته تموت امام المال ، الا تخجل حين تصارح نفسك او هي تخرج من صمتها لتصارحك وتبصق في وجهك صارخة اخزيتني فانت خائن وعميل “… تفو على حروف تقياتها، عد وابتلعها فستضل تلاحق ابنائك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى