كتّاب

مقال في مُنتهى الجمال و الروعة للصديقة العزيزة الكاتبة…


مقال في مُنتهى الجمال و الروعة للصديقة العزيزة الكاتبة الكبيرة أ. فاطمة ناعوت عن شهر رمضان المُبارك و أجوائه الجميلة المُختلفة و المُميزة بين الأشقاء المصريين ، كل سنة ونحن جميعًا بخير وسلام ، دمُنا أخوةً و سندًا لبعضنا البعض ، رمضان كريم حبايب.❤️

في رمضان … نصومُ معًا!
===============

هذا شهرُ رمضان الكريم يبدأ اليومَ ليجلبَ لنا الطمأنينة والسلام والتوادَّ والرحمة والفرح. وتدورُ روزنامةُ التقاويم دورتَها، فيتقاطعُ التقويمُ الهجريُّ مع الميلاديّ لكي نصومَ معًا. فأشقاؤنا المسيحيون يصومون الآن صيامَهم الكبير، ٥٥ يومًا، الذي ينتهي مع “عيد القيامة المجيد”، مثلما نُنهي صيامَنا الرمضانيّ مع حلول “عيد الفطر المبارك”، أعادَ الله علينا أعيادَنا ومصرُ في أوج المجد، والعالم في سلام وهدوء، وشعبنا الطيب في رباط وتضامّ وحب، آمين. وبالفعل “رمضان في مصر حاجة تانية”، كما كتب الشاعرُ “أمير طعيمة”، على موسيقى “إيهاب عبد الواحد”، على أوتار حنجرة “حسين الجسمي” الآسرة. وطبعًا ”السرّ في التفاصيل”. وحدث أن حضرتُ رمضان في عديد من دول العالم، الغربية والعربية، فلم أجد لرمضاننا المصريّ مثيلا. تغرقُ الشوارعُ والحاراتُ وشرفاتُ البيوت بالزينات الملونة والفوانيس المضيئة. وجميعنا نحملُ من الطفولة ذكرياتٍ جميلةً حول زينة رمضان، وكيف كنّا “نحوّش” القروش في حصالاتنا، ثم نفتحها قبيل الشهر الكريم لكي نشتري الخيوط والأوراق وعلب الألوان وقناني الصمغ والمقصات الصغيرة، ثم نجتمع في بيوتنا مع أصدقائنا نقصقص ونلون ونلصق ثم نمدَّ أمتار الخيوط تحمل البهجات والفرح، وبعدها نطرق أبواب الجيران لكي يسمحوا لنا بتعليق فروع الزينة من بلكوناتهم ممدودة إلى البلكونات المقابلة. كنا أطفالا لا ندري من أمر الكبار شيئًا، ولا يعنينا إلا الفرح بشهر جميل ننتظر بشغف طقوسه الفريدة. بعد الإفطار، حين يحلُّ المساء، نحمل فوانيسنا ذات الزجاج الملون والشموع المضيئة، وننزل مع أطفال الجيران نغني “وحوي يا وحوي، إيوحا”، و”حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو”. كنّا صغارًا ولا ندري أن كلمات أغنياتنا قد وصلتنا من الجد المصري القديم حين كان الأطفالُ يغّنون للقمر إذا غاب: “وحوي” تعني “رحل”، أياحا” تعني “القمر”، و”حالو” تعني “أهلا”، ومنذ العصر الفاطمي صارت تلك الأغنيات الفلكلورية أناشيد استقبال رمضان. وتشيرُ رواياتٌ أخرى أن “إياح حتب” هي الملكة المصرية والدة “أحمس” المقاتل الجسور طارد الهكسوس من مصر. وبعد النصر ذهب المصريون إلى قصرها يهنئون الملكة الأم ويغنون: “واح واح إياح”، أي: “تعيش تعيش إياح”، وظلّت تلك الأنشودة خالدة على ألسن المصريين حتى العصر الفاطمي، غنّوها حين صنع المصريون أول فانوس لإضاءة الشوارع مستقبلين شهر رمضان. لم نكن نعلم كل هذا، ولا كنا نعلم أن نصف الأطفال الذين صنعوا معنا زينات رمضان كانوا أطفال جيراننا المسيحيين. كانت الحياة بسيطة وجميلة يجمعنا الحبُّ والسلام والاحترام ولا تفرّقنا النزعاتُ الطائفية. ولا شيءَ قادرٌ على تمزيق وشائجنا المجدولة منذ مئات السنين على المحبة. فحتى اليوم، وفقط في مصر الجميلة، يقفُ شبابٌ وصبايا على قارعات الطريق، يقدمون لك الماء والتمر مع أذان المغرب، إذا داهمك الوقتُ في الطريق. هؤلاء الشباب منهم كثيرٌ من أشقائنا المسيحيين الطيبين، يقومون بهذا الطقس الجميل حبًّا لنا لكي نكسر صيامنا مع الأذان ريثما نعود إلى بيوتنا. ومازلت أذكرُ بكل الفرح ذلك الصليب الأزرق الصغير المرسوم على رُسغ يد طيبة قدّمت لى حبّة تمر لأكسر بها صيامي فى رمضان عام ٢٠١٣، يوم الجمعة ٢٦ يوليو أمام قصر الاتحادية، حين خرجنا جميعًا، نحن المصريين، نطالبُ الجيشَ المصريَّ بمواجهة الإرهاب. كنتُ جالسةً فوق المنصّة مُنهكةً من الصيام العطش، وما أن حلَّ المغربُ وانساب الأذانُ الجميلُ على مسامعنا، قُدمت لي زجاجةُ ماء وتمرةٌ من يدٍ مصرية، رفعتُ بصري فإذا بفتاة صبوح تقول لي: “اتفضلي اكسري صيامك”، فنهضتُ وعانقتُها. هكذا كنّا، واحدًا صحيحًا لا ينفصم، وسوف نظلُّ إلى نهاية الدنيا.
رمضانُ شهرُ الجميع، وبهجةُ الجميع، وصلاةُ الجميع لإله واحد مالكِ هذا الكون الشاسع؛ نعبده جميعًا، كلٌّ عبر رؤيته. ونحبُّه جميعًا، كما أحبَّنا وخلقنا وجعلنا شعوبًا وقبائلَ لنتعارفَ ونتحابّ ونتآخى. يزورنا رمضانُ هذا العام، ومصرُ قد تعافت من ظلال الإرهاب القاتمة، ومازلنا نسعى أن نتخلّص من الأشواك القاسية التي وخزها أعداءُ الحياة في خصر مصر وفي نحورنا، لكي نصفو وننصت إلى أصوات السماء العذبة في تواشيح “سيد النقشبندي” وقرآن الشيخ “محمد رفعت”، وصخب أطفال الشارع، الذين لن نميز أبدًا إن كانوا مسيحيين أم مسلمين، مادمنا متأكدين أنهم مصريون. مصريون وفقط. كل سنة ومصرُ، مصرُ، والمصريون مصريون.
وأناشدُ الرئيس العظيم “عبد الفتاح السيسي” أن يقدم للمصريين هديةَ رمضان بعودة الطفل “شنودة فاروق” إلى حضن أبويه اللذين كفلاه وربياه حتى بلغ الخامسة من عمره، بعدما وجدوه ملفوفًا في غطاء ومرميًّا في ركن الكنيسة يوم ميلاده. كلَي ثقةٌ أن الرئيس لنا يخذلنا، وسوف يترفق بقلب أمًٍّ يتمزق كلَّ يومٍ بعيدًا عن طفلها.

***

Fatima Naoot-فاطمة ناعوت


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Abanoub Fawzy ابانوب فوزي

شاعر ـ كاتب قبطي

تعليق واحد

  1. جميل جدًا عنوان المقال ..
    « في رمضان .. نصوم معًا »

    تقبل الله أصوامنا و صلواتنا جميعًا ، كل سنة ومصرنا الحبيبة بأفضل حال ، وشعبنا الطيب طيب وبخير وسلام❤️

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى