كتّاب

قد لا تحصل إسرائيل، الكيان الفاشي، على فرصة كهذه. وقد لا يحصل العرب على فرصة مما…


قد لا تحصل إسرائيل، الكيان الفاشي، على فرصة كهذه. وقد لا يحصل العرب على فرصة مماثلة.

حدث، فجأة، إن وضعت المسألة الفلسطينية على فوهة بركان.

اسم فلسطين صار إلى الأكثر تداولاً في العالم. بعد مرور أسبوعين من العدوان الهمجي على غزة، يبدو أن الغرب شرب الكثير من الدماء، وأن رسائله إلى الأعداء البعيدين لم تخفهم كما كان يأمل. شوهد عارياً قي غزة، يلقي عشرة آلاف طن من المتفجرات على المشافي والأطفال. هذا الشكل من الردع لن يدفع الصين إلى تحسس قفاها، بل سيعلمها درساً حول المدى اللامحدود لهمجية الغربي الحديث، وعليها كما على سائر العالم أن يكونوا على مستوى الجاهزية.
في العقدين الماضيين تزايد منسوب الفاشية في كل أوروبا، وانتقلت الأحزاب المعادية لليهود من الضجيج إلى البرلمانات. تتفق الأحزاب الفاشية (توصف باليمينية الراديكالية) على أمر واحد: تفكيك الاتحاد الأوروبي وإعادة الحدود. الشاغل الأساسي لتلك الجماعات هو إعادة تعريف الهوية والإنسان القومي. ومن المثير للملاحظة أن البديل الراديكالي، ألمانيا، تجاوز اليسار الديموقراطي الذي يرأسه شولز، مستشار ألمانيا، كقوة برلمانية في أكثر من ولاية. يرفض هذا الحزب بنسبة ٧٨% أي التزام تجاه إسرائيل. تعاني ألمانيا من عودة مستعجلة للنازية، ثمة تطابق مثير للإعجاب بين الخطاب النازي في ثلاثينات القرن الماضي والنازية المستحدثة. أمام هذه الأزمة قفز التحالف الحكومي إلى تل أبيب، ورفع سقف تهديداته ضد المسلمين داخل ألمانيا: إياكم والمساس بالسامية. الحقيقة أن وزارة الداخلية الألمانية تنشر سنوياً تقريراً واسعاً تحت تصنيف PMK أو الجرائم المحفّزة سياسيّاً. الجرائم ضد اليهود، أفراداً ومؤسسات، تتناسب طردياً مع النجاحات التي يجنيها حزب البديل. في التفاصيل ينفرد الراديكاليون الألمان، يميناً ويساراً، بما يزيد عن ٩٥% من الجرائم ضد اليهود. السلطات الألمانية تصر على تهديد المسلمين واتهام العرب بأنهم يقفون وراء ارتفاع منسوب معاداة السامية. العرب لا يعادون اليهود، ولم يحدث أن اشتبكوا معهم قبل العام 1920م. الغرب الاستعماري – ولن يكف قط عن نزوعاته الاستعمارية- حول الديانة اليهودية إلى مشروع سياسي، وكأي مشروع سياسي صار له أعداء. وفي الواقع فإن الصهيونية في الأساسي مشروع استعماري مسيحي يعود إلى القرن التاسع عشر. فيما بعد تحمس له اليهود العلمانيون ثم اليهود الراديكاليون. تهرب ألمانيا من مشاكلها الحقيقة إلى صناعة مشاكل أكثر تعقيداً، وبدلاً من واجهة الألماني الأبيض بالتهديد فإنها تصب وعيدها على الألماني القمحي.
فلسطين في الواجهة الآن، وإذا لم يستغل نتنياهو الزخم ويجتاح غزة فإن ما بعد هذه الحرب ليس كمثل ما قبلها. الغربيون يتسابقون لتصفية قضية فلسطين إلى الأبد: تدمير غزة وتهجيرها، ثم وضع الضفة في قبضة اليد. قال نتنياهو:يملك العرب فرصة للعيش بيننا وليس إلى جوارنا.

كما حدث قبل اجتياح العراق فإن تصفية القضية تجري بغطاء دعائي حول ضرورة إنفاذ حل الدولتين. احتلال العراق رافقه مقدار تاريخي من الحديث حول الحرية والتاريخ المجيد.

ثمة أمثلة ناجزة حول قدرة الغرب على تحويل المدن إلى أمكنة غير صالحة للحياة كما جرى في عين العرب. حماس تهديد لكل العالم ولشعبها، ما سيعني أن على العالم أن يسهم في العملية القتالية ويجزّ على أسنانه حتى يصل الأمر إلى نهايته. فرصة نادرة للخلاص من معضلة غزة، التي ستعني المعضلة الفلسطينية.
على الجانب الآخر: بات العالم يدرك، على نحو متزايد، أن المشكلة عميقة الجذور وأن هناك شعباً من ١٤ مليون، في الداخل والشتات، بلا هوية سياسية. وأن القرار ١٨١ لسنة ١٩٤٧ أعطى العرب الحق في دولة على ٤٥% من الأرض. آنذاك كان عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة 56. مرت سبعة عقود مذذاك، صارت الأمم المتحدة إلى زهاء ٢٠٠ دولة، ظهرت حوالي ١٥٠ دولة جديدة إلى العلن عدا فلسطين.
آنت اللحظة الدرامية إما دولة فلسطين، أو لا دولة إلى الأبد. يعلم الفلسطيني والإسرائيلي خطورة اللحظة. الدول الأوروبية، التي تعاني من أزمات مستعصية داخلها وعلى أطرافها، ألقت بوزنها إلى جانب إسرائيل. وعربيّاً تركت مصر والأردن تواجهان لوحدهما هذا التحدي. حتى إن بن سلمان وبن زائد رفضا حضور مؤتمر القاهرة الذي عقد في لحظة عصيبة على النظام المصري.

الآن بعد أكثر من أسبوعين بدا للعالم أن إسرائيل شربت من الدم ما يكفي لإطفاء غضبها. قلت سابقاً أن انهيار العدوان الثلاثي على مصر حدث بسبب المظاهرات الحاشدة في باريس ولندن. وبالطبع أسهمت التهديدات السوڤيتية بضرب العاصمتين بصواريخ طويلة المدى في إنهاء العدوان. اتضح فيما بعد أن السوڤيت لم يكونوا قد صنّعوا تلك الصواريخ.

الرواية الفلسطينية تنجح في فرض نفسها على العالم، رغم كل الحصار الذي تفرضه الدول الديموقراطية على حرية التعبير.

م غ

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى