توعية وتثقيف

عن الجهل و أنواعه…


عن الجهل و أنواعه

لم تكن جدتى متعلمة، لكنها كانت فى رقة الملائكة، … مثلها مثل “البلسم الذى إذا وُضع على الجرح يشفيه.” كانت ‘ستى’، (هكذا كنا نسميها،) تدرك النقص الذى فرضه عليها قدَرُها، و كثيراً ما كانت تقول : “يا بنى إنتم تعلمتم؛ أنا ما تعلمتش …” كانت تبدى آراءها بتردد و تواضع، كعادة من “يعرف قَدْر نفسه،” أو من يشك فى صواب آرائه. كانت تقنياً جاهلة، لكن جهلها كان فى دفء و طيبة أمنا الأرض – قد لا تكون مصقولة أو لامعة، لكنها تنضح بالجودة و الخير و الأمان.

هذا هو ‘الجهل النبيل’، (إذا جاز أن نجمع بين هاتين الكلمتين فى تعبير واحد.) لا أحد يزدرى هذا النوع من الجهل أو يكرهه. بل، بالعكس، التعامل معه يعطينا إحساساً بالحبل السري الذى يربطنا بأصولنا.

لكن هناك أنواع من الجهل كريهة، أسوأها الجهل البجح (audacious) و الجهل المتعنطز (conceited). الجهل البجح (audacious ignorance) هو الجهل المقترن بالتسلط و التعالي – “أنا جاهل و أنا سيدك!” … “لم أتعلم شيئاً سوى شوية حكايات، لكنك ستخضع لى، و ستقبل يداي، و ستركع أمامى (أو ورائى) … و إلا … !” وتصل البجاحة عند الجاهل البجح إلى درجة أنه يسمى نفسه “عالماً”. نعم … هكذا … “عالِم”.

أما الجهل المتعنطز (conceited ignorance) فسنحكى عنه قصة طريفة – كان بنكر هنت (Bunker Hunt) مليارديراً من تكساس كوّن ثروة طائلة من المضاربة فى معدن الفضة. ذات مرة أثناء حديث صحفي إتضح أنه لم يسمع فى حياته عن ليوناردو داڤينشى. لما أحس هنت بالإستنكار فى لهجة الصحفي، صاح مستاءاً: “ما هو حجم ثروة ذلك الداڤينشى؟” بمعنى آخر – “إذا كان ليوناردو هذا عبقرياً كما تقول، لماذا لم يصبح غنياً مثلى!”

كان الجهل المتعنطز منتشراً بين مُحْدثي النعمة فى أمريكا، و ساهم فى تكوين نمط إجتماعي عُرف حول العالم ب’الأمريكي القبيح (The ugly American)’، كُتبت عنه كتب وأنتجت أفلام. لا يخجل الجاهل المتعنطز من جهله، بل يجاهر بإحتقار التعليم و الثقافة، و تعطيه فلوسه الثقة والجرأة على ذلك.

هذه ٣ أنواع من الجهل. لكنها ليست فى الحقيقة أنواع مختلفة، (فالجهل واحد والحمد لله). ما يبدو كأنواع مختلفة هم فى الحقيقة إنعكاسات مختلفة لنفسية الجاهل على ىسلوكه. أي نوع من الجهل مكروه و لا نتمناه لأحد، لكن جهل ‘ستى’ كان “حميداً” – هي لم تختاره، و كانت تعوض عنه بالعطف و الدفء و الطيبة الملائكية. أما تلك الأنواع الأخرى فليس هناك شيئ طيب يمكن أن نقوله فى شأنها.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫19 تعليقات

  1. أولا كل عام و أنتم و العائلة الكريمة بخير و صحة وسعادة .دعنى أقول لك كلمة من القلب .أنت تأسرنى يكلماتك المرتبة وموضوعاتك الإنسانية الهادفة بلغة هى مزيج خاص من الأدب و العلم .

  2. أخطرها جميعاً هو البجح فقد تسيد الموقف وصنع لنفسه هالةً من ورق وأخذ يصف نفسه بالعالم حامل الدكتوراه بس دكتوراه في إيه ؟ الله أعلم هي كدا واللي مش عاجبه يسيب البلد أو يُحاكم بقانون ازدراء الدكتوراه 🥲

  3. There is no limit for knowledge these days…
    Like no body can know it all anymore…
    Some science genius are totally ignorantwhen it comes to art… some brilliant physicians are ignorant when it comes to musicology…some gifted astronomers knows nothing about literature

  4. بارك الله فيك يادكتور كثير من اهلنا الغير متعلمين كانوا أكثر حكمه من متعلمين حاصلين على الشهادات العليا وانا أطلق عليهم غير متعلمين وليس جهلاء وكل عام وانتم بخير وسعاده وهناء اللهم امين يارب العالمين

  5. نعم
    وكذلك ستى ولكن جهلها فُـرض عليها ولم تساعدها الظروف والعادات والتقاليد الباليه على التخلص منه😢
    اما البجح والمتنعطز فهذا من صنعهم بالرغم انهم قادرون على تغيروه ولكنهم لم ولن يغيروه.
    احسنت ❤️

  6. عنطظزة الجهل متفشية في المجتمع و تحتضن الفساد . لذلك الجهد المطلوب للإصلاح غاية في الصعوبة . ربنا معانا بدعوات ستنا الجميلة الله يرحمها . 🌹

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى