علينا أن نعترف بعدة أمور :…


علينا أن نعترف بعدة أمور :

أولا : أن الفقه (ومعناه الفهم) وتعريفه (إستنباط الأحكام العملية من أدلتها الشرعية) هو عمل بشري أولا وأخيرا, وأي عمل بشري قابل للخطأ والصواب, وأن إدراك الإنسان قد اتسع بإتساع المعارف والعلوم, وما يتيسر من المعرفة لمن يعيش في القرن الواحد والعشرين, هو بلا شك أكثر كثيرا ممن عاش في القرون الأولي للإسلام, وأن باب الإجتهاد مفتوح, لا يمكن إغلاقه طالما استمرت الحياة, وتواجد بشر جديد, يدعمه ادراك متنامي للإنسان الجديد, ووسائل معاونة كثيرة قد استحدثت, يسّرها العلم والتطور لدعم هذا الإدراك, وأنه من الطبيعي أن تستجد أمور وظروف وحالات لم تشهدها القرون الأولي للإسلام.

ثانيا: أن الفقه المصدر لنا هو فقه انتقائي, وأن العديد من الاجتهادات الفقهية قد أغفلت عمدا وخبئت, ولم توضع في الحسبان, ومنهم علي سبيل المثال, فقه الأئمة الليث بن سعد, وابن حزم الأندلسي, وأبو جعفر الطبري, وغيرهم.

ثالثا: أنه حتي الفقهاء الأربعة المتفق عليهم, والمأخوذ منهم, قد اختلفوا في كثير من الأمور, وهو أمر طبيعي طالما اعترفنا أنه عمل بشري غير إلهي.

لقد أدي إغفال العناصر السابقة الي انتقال القداسة من الأنبياء والكتب السماوية, الي هؤلاء الفقهاء الذين أصبح فهمهم وحده هو ما يتخذ في كل شؤوننا الدينية, والعجيب أنك تجد رجال الدين المعاصرين يدافعون عنهم بضراوة, بدلا من إعمال عقولهم وتجديد الفهم الديني بما يتيسر في العصر الحالي, وهو في المقابل يسرع بالعديد الي الإلحاد عندما يصطدمون بفقه لا يناسب العصر ولا يجدون مفرا منه.

وهنا مثال واضح
“وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ”

خمار المرأة : غطاء تغطّي به رأْسَها, وقد جاء اللفظ معرفا, بمعني أنه يشير الي ثوب هو بالفعل موجود, وليس فرضا جديدا يختص بالمسلمين وحدهم, والخمار عموما هو (الغطاء أو ما يستر الجسد أو جزء منه) فيقال للرجل خمر فخذك بمعني غطيه, ويقال عن سجادة الصلاة خمار لأنها تستر الوجه من تراب الأرض.

أما جيب المرأة : فهو فتحة صدرها, حيث كانت النساء يغطين رؤوسهن – وكذلك الرجال – للحماية من شمس الصحراء وأتربتها وكذا للحماية من الحشرات, لكن كانت المرأة حينها تترك شقاً في ثوبها من عند الرقبة إلى أسفل الصدر (أي بين ثدييها)، حتى تستطيع ارتداء الثوب بسهولة ولإرضاع ولدها, وقد ينكشف صدرها من هذا الجيب (أي الشق), ولذلك أمرت بأن تغطي (أي تخمر) هذا الجيب, وتيسيرا لها جعلها بإستخدام قطعة الخمار علي رأسها.

وماذا عن غير المؤمنات في نفس الظروف؟ هل يخلعن خمار الرأس أم يستبقينه؟

وماذا لو لم تكن الظروف المناخية والطبيعية تحتاج غطاء للرأس؟ بماذا كانت النساء سيغطين صدورهن؟

وماذا بعد أن تطور الملبس وأمكن تغطية الصدور دون غطاء للرأس؟.

الإجابة علي هذه الأسئلة تضعنا أمام قاعدة فقهية لا منطق لها وهي (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فما فعله الفقهاء أنهم أخذوا عموم اللفظ (الخمار) وفرضوه علي النساء ليشمل فيما يشمل غطاء رأسها, ولم يأخذوا بخصوص السبب وهو تغطية المرأة لصدرها. أمّا كيف ولماذا ؟ هذا أمر يطول شرحه, يدور حول النظرة المتدنية لهؤلاء الفقهاء للمرأة.
٢٩ يوليو ٢٠٢٠
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version