صباح الفل أيها الناس …..


صباح الفل أيها الناس ..

قال التيجاني، العالم الشيعي المعروف، إن عليا كان الرجل الوحيد الذي بلا ذنب ولا خطيئة.

استفز هذ الرأي علماء السلفية وأدخلهم في أزمة أخلاقية ومعرفية. ولكن عثمان الخميس، السلفي الكويتي الأبرز، قرر أن يرد ادعاء التيجاني، أي أن يتحدث عن “مشاكل” علي. يعرف الخميس إن التاريخ يعج بكل ما يجعل من علي رجلا عاديا أو أقل من عادي. ماذا فعل الخميس؟ استحضر كل ما يعرفه عما أسماه “المآخذ على على علي” وذهب بها إلى من يثق بعلمهم من علماء السنة والجماعة. نصحه بعضهم، كما يقول، بإخفاء ما يعرفه عن خطايا الرجل، ونصحه آخرون بالاستعانة بالله. أما هو، يقول، فابتهل إلى الله وصلى الاستخارة طالبا التوفيق والمغفرة! هكذا.

ثم، بعد أن اطمأن قلبه إلى ما سيقدم عليه، كتب كتابا أسماه كشف الجاني محمد التيجاني، أفرد فيه فصلا لخطايا علي بن أبي طالب.

وفي الكتاب غمغم وبرطم، ولمح وتلكأ..

تحدث عن جبن علي يوم بدر، قال إنه وهو الشاب يقول عن ذلك اليوم (كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله).. أي، وهذا ما لم يجرؤ الخميس على إكماله، أنه لا يمكن لشاب يختبئ خلف قائده أن يقتل كل ذلك العدد من القرشيين كما تخبرنا سيرة ابن هشام.

وقال الخميس إن عليا أشعل النار في أناس أحياء (بسبب اختلافه معهم في العقيدة والسياسة). ومع أن مثل هذا الفعل مروع للغاية وبمقدوركم تخيل عدد كبير من البشر الأحياء والنار تلتهم أجسادهم، إلا أن عثمان الخميس ذكر القصة بوصفها خطيئة دون تصنيف! أشار إلى احتجاج ابن عباس على الفعل، وقوله “لا يعذب بالنار إلا ربها”..

راح عثمان الخميس يسرد قائمة من “المآخذ” على الرجل، ولولا أن التيجاني استفزه لما فعل.

وهو بالضبط ما فعله ابن تيمية في المنهاج. كان في فتاواه قد أورد كل شيء عظيم عن علي، وعن ولديه سيدي شباب أهل الجنة. إلى أن استفزه ابن المطهر بكتابه “منهاج الولاية”.. عندئذ انطلق ابن تيمية كالسهم في عمل رجراج وواسع يكتب عن الولاية وعلي. حتى إنه جرده من قيمته كعارف بالدين، قائلا إنه لم يكن من الذين يأخذ منهم أهل المدينة فقههم (راجع مقالاتنا السابقة)! وذهب أبعد من ذلك نازعا عن ولديه الشهيرين ميزة “سيدا شباب أهل الجنة”. قال أشياء كثيرة تخالف ما يقوله هو نفسه في كتبه الأخرى.

آخرون أيضا، حتى الجاحظ في “العثمانية” حول علي ليس هو الجاحظ في “البيان والتبيين”. في الأول يقول إنه ما من دليل على فصاحة علي وبلاغته، لا في صباه ولا فيما بعد. وفي البيان يقول خلاف ذلك. والسبب، غالبا، هو المبالغات المجنونة التي رفعت عليا إلى مصاف الآلهة في العصر العباسي، الأمر الذي استفز مثقفا مستنيرا كالجاحظ وجعلته يقول الحقيقة التي ما كان ليقولها!

الحقيقة أن “علي” ليس شأنا في الدين بل قصة داخل التاريخ. سنواته الخمس الأخيرة حاكما للكوفة وبعض الحواضر متنكرا في زي “الخليفة الرابع” تقول كل شيء عن: خياله، علمه، ذكائه، فروسيته، تصوره للسياسة، قدراته القيادية، قائمة مناقبه، ورؤيته الهاشمية للعالم. في السنوات الخمس تلك (وحين نقول تنكر في زي الخليفة فنحن نشير إلى فقدانه للحجاز، مصر، الشام، اليمن، وغيرها من الحواضر التي حكمها خصمه) رأينا الرجل خارج حزام المناقب والصفات، رأينا الدنيا تختبره. لنتذكر رفض عمر لاسم اقترحه أحد مستشاريه ليصير واليا على أحد الأمصار: لعلك رأيته يصلي، إذن أنت لا تعرف الرجل! الصلاة لوحدها (أي الإيمان والمناقب والأخلاق الفردية) لا تكشف المعدن، بل اختبارات الدنيا. وهذا ما رأيناه في سني علي الخمس الأخيرة.

ما فعله الخميس، وقبله ابن تيمية، مهم من ناحية إنزال الرجل من عليائه ومطلقيته إلى البشرية المحضة، أي من كونه دينا إلى اعتباره رجلا عاش حول النبي. غير أن ذلك لا يفيد كثيرا فهو بحث في السلوك والصفات الفردية لا في التاريخ.

في مقالاتنا حول سيرة علي ذهبنا إلى التاريخ، إلى ما هو إدارة وسياسة وحرب وخيال ومكائد وعمران، ورأينا صورة له أغضبت الناس وربما حيرتهم.

أتمنى لكم بداية هادئة ليوم سعيد

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version