ديكتاتور مهووس ركض وراء أوهامه، قرر أن يكون: نيڤسكي، إيڤان، ستالين .. الثلاثة في…


ديكتاتور مهووس ركض وراء أوهامه، قرر أن يكون: نيڤسكي، إيڤان، ستالين .. الثلاثة في رجل واحد. بدا واضحا، من الأيام الأولى، أن جيشه الكبير ببساطة جيش نظام فاسد، والأنظمة الفاسدة تصنع جيوشا على شاكلتها. منذ ٢٠٠٩ استخدم بوتين حق النقض، الڤيتو، ٢٦ مرة. وبالطبع حماية لأمراء الحروب والدول المارقة (مقارنة بأربع مرات للولايات المتحدة). في الأسابيع الماضية دارت العجلة إلى الخلف وبات الأوكرانيون هم من يصنع الانتصارات العسكرية، وبدت غاية ما تؤكده وزارة الدفاع الروسية على نحو يومي هي نفي “تقدم الجيش الأوكراني” في الجنوب والشرق. مؤخرا، كما كشفت وول ستريت جورنال وغيرها، ذهب الروس إلى كوريا الشمالية وإيران للحصول على السلاح (مسيرات من إيران وقذائف مدفعية وصواريخ من كوريا).

لا أحد بمقدوره التحكم بأقدار الحرب، وهكذا آل المشهد إلى هذه الصورة: يقاتل الأوكرانيون بمسيرات أميركية والروس بمسيرات إيرانية! تقول معلومات وزارة الدفاع البريطانية أن المسيرات الإيرانية التي تسلمتها روسيا تعاني من مشاكل تقنية جمة.

بعيدا عن الحرب، قال تقرير مذهل أعداه بي بي سي إن بوتين يحرق غاز بلاده عوضا عن بيعه. بحسب التقرير، ومصادر معلوماتية أخرى، فإن بوتين يحرق يوميا ما بين ٤-٥ مليون مترا مكعبا من الغاز والغاز المسال في منطقة بورتوفايا القريبة من حدود فنلندا. هناك محطة للغاز المسال تملكها غاز بروم الروسية. الغاز المحترق من المفترض أن يصل إلى ألمانيا عبر خط نورد ستريم ١، ومنها إلى دول أخرى. إجمالي ما يحرقه بوتين في اليوم يصل إلى ١٣ مليون يورو! أي مليار يورو كل ثلاثة أشهر. لا يوجد مشتر لذلك الغاز غير أوروبا، الحل المتوفر إحراقه.

كان الأوروبيون يحصلون على الطاقة من روسيا أيام الاتحاد السوڤيتي في عز الحرب الباردة. يحرق بوتين أموال بلاده بخفة ورعونة تنبئنا الكثير عن مستقبل مثل تلك البلدان. لاعب دولي غير موثوق، انحيازاته كلها تذهب إلى الجريمة والفوضى، ظن العالم حلبا كبيرة.

حصل على الباكيت كله: توسع للنيتو إلى فنلندا، هزيمة مذلة في أوكرانيا، زلزال اقتصادي وعزلة، أزمة داخلية مركبة، انزلقت روسيا إلى مستوى دولة مارقة باتت تشتري السلاح من كوريا الشمالية بمخالفة صريحة لمقررات مجلس الأمن، عزل مجتمعه كليا عن مصادر المعلومات في العالم، توغل إيران في الفضاء الروسي في سوريا (سيطرت مؤخرا على ما يزيد عن ١٠٠ موقع عسكري في الشمال السوري بعد استدعاء روسيا لجنودها)، ارتماء روسيا في حضن دولة فاشية مفترسة كالصين بطريقة تهدد استقلالها السياسي وتذكر بخضوع الحاكم الروسي نيڤسكي للتتار في القرن العاشر! حصل على كل ما لا يتمناه رجل عاقل لبلاده، وفي سبيل تمرير أوهامه صادر كل ما تراكم من حرية سياسية وتنوع في بلاده وأطفأ كل الشموع.

منابر عربية كبيرة لا تزال حتى الساعة ترى في حروبه أم المعارك وتتغنى بحنكته وعبقريته وجيشه الجبار. بينما تقول الافتراضات التي يقدمها الخبراء في موضوع “الجيش الروسي” أن جيش بوتين سيكون أعجز ما يكون عن الحفاظ على مكتسباته مع نهاية الخريف، وأنه لا مناص من دوران العجلة في الاتجاه الآخر.

ما يجري لروسيا بوتين هو درس مهم للحضارة الراهنة، إذ لا بد أن يتذكر الديكتاتوريون أنه ما من حرب خاطفة، وأنه حتى “حرب الأيام الستة” استمرت، بطرق عديدة، سبع سنوات حتى أكتوبر ١٩٧٣!

م.غ

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version