نصر مغشوش أسوأ من هزيمة صريحة!…


نصر مغشوش أسوأ من هزيمة صريحة!
المكان الذي استعرض فيه بوتين قوته العظمى كان سوريا. بعد نصره المغشوش أقام حفلا عسكريا مهيبا في موسكو أعلن فيه نجاحه في اختبار ٢٤٠ نوعا جديدا من السلاح على الواقع وفي حرب حقيقية. تحملت إيران أعباء المعركة واستدعت المجاهدين الشيعة من كل العالم، كما غطى ناشطون ومثقفون وإعلاميون عرب تلك الحرب أخلاقيا ودعائيا، وبات المرء منا غير قادر على إدانة الجريمة ومساندة ضحاياها، وإلا صار داعما للإرهاب أو إخوانيا. كسبت إيران الحرب التي جعلت منها صراعا سنيا شيعيا. كانت المقاتلات الروسية تلقي القنابل غير الموجهة، وتستعرض بكل السلاح غير الذكي، فما من أحد كان ليحاسبها على الدمار والإرهاب. ذلك النصر المغشوش دفع بوتين لتهديد باقي العالم، حتى إنه صار إيڤان الرهيب ونيڤسكي وستالين، الثلاثة في واحد كما سول له إعلامه البليد. صدق العالم ما يدعيه عن قوته، وآمن هو بعبقرية جيشه ولانهائية حكمته. جاءت أوكرانيا ووضعت حدا لذلك الوهم، وها نحن نعود إلى حلب فنرى: طائرات من الدرجة الثالثة تسقط القنابل على الأحياء والشوارع، وما من بطولة في ذلك. لم تساهم روسيا في الحرب السورية سوى في التدمير الأعمى، وكانت تلعب في الفراغ الذي تركته أميركا، الاستراتيجية التي بناها أوباما اعتمادا على مفهومين: بناء الأمة من الداخل، الاتجاه شرقا.

في الأشهر الماضية توسعت إيران في الفراغات التي تتركها روسيا داخل المجال السوري، بسبب احتياجها للقوات في أوكرانيا. وفي حلب لوحدها باتت تملك ما يزيد عن ١٢٠ موقعا عسكريا.

الممثل زيلينسكي، الذي فقع العرب ضحكا حتى استلقوا على أدبارهم، يشير إلى أمر مذهل: الحكم من خلال النقاش، أي الجماعية، المؤسساتية، الثقة، والتمثيلية. وفوق كل ذلك: الحركة من خلال الحقيقة. الوحش بوتين يشير إلى نقيض كل ذلك: الخوف، الواحدية، التكميم، السلطة المطلقة. كل ذلك يدفع العاملين داخل النظام إلى تزييف الحقيقة، كون الوحش المخدوع بنفسه لا يريد أن يسمع سوى شيء واحد: نحن أقوياء، وما من خطر في الأجواء. يحدث أن يمضي الوحش بأمته على حافة الهاوية، ويرديها.

الفارق الملحمي بين الوحش والممثل يقود في النهاية إلى انهيار الوحش. تقول حدوتة ألمانية إن سلحفاة ذكية هزمت أرنبا في سباق الركض، إذ واصلت حركتها البطيئة معتمدة على إصرارها من جهة، وعلى ما تعرفه من السلوك التافه للأرنب: يقضي معظم وقته في استعراض قدرته، والنظر إلى الجماهير ليرى مدى اندهاشها.

أصيب العرب، ربما الغالبية منهم، بصدمة بالغة بسبب الانكشاف الروسي. تراهم في كل المنصات يكيلون السباب لأي وسيلة إعلامية تذكر كلمة “سيطر الأوكرانيون على” ويهددون بالنووي. اثنان لم يتوقفا لحظة عن تهديدنا كلنا بالنووي الروسي: مدفيديف، وعرب تويتر. نفهم لماذا انهار الربيع العربي، ولماذا لا يمكن أن يهب ربيع إلى أراضينا حتى نهاية القرن: عبادة العربي للقوة الغشيمة. ثمة ڤيديو لصدام حسين على يوتيوب يرد على القاضي بكلمات ديماغوغية فارغة، شوهد الڤيديو ٥٧ مليون مرة، وكتب له المتابعون ٦٥ ألف مرة: الله يرحمك يا بطل.

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version