توعية وتثقيف

المَلَكيّة (Monarchy) – ١…


المَلَكيّة (Monarchy) – ١

منذ تفتحت عيناي على الدنيا وأنا لا أتقبل فكرة المَلَكيّة (monarchy). ربما لأن فى لغتنا كلمة مَلَكيّة (Monarchy) قريبة من كلمة مِلْكِية (ownership)، مما يوحى بأن الملك يملك بلدى، و يملكنى معها. بأي حق يتملّك شخص، أياً من كان، بلدى بكل ما و من فيها؟ لا لسبب سوى أن أباه كان يملكها قبله. و ذلك أيضاً لا أساس له سوى أن أباه كان يملكها من قبله، … وهكذا … حتى نصل إلى مؤسس الأسرة (dynasty) الذى إغتصب البلد من بلطجي آخر مثله كان يملكها، (وفى الغالب قتله.)

ذات يوم فى حصة المطالعة فى المدرسة الإبتدائية، و بينما نحن نطالع ملحمة ‘القرد وبائع الطرابيش’ الخالدة، لا أعرف لماذا “طلع فى دماغى” أن أكتب فى كراستى ‘يسقط الملك فاروق’. لا أزعم أننى كنت فى ذلك الوقت ثورياً أو جمهورياً أو أي شيئ، (فقد كان سنى ٩ سنوات،) لكن هذا هو ما حدث – ربما لأن الشوارع كانت تشغى بالمظاهرات و الهتافات؛ و ربما هي رغبة دفينة فى تحدى القدر، و ربما مجرد ‘شقاوة عيال’ … لا أعرف.

لمَح تلميذٌ كان يجلس ورائى إسمه ‘ع-م’ ما كتبتُه، و أوشى بى إلى مدرس العربى، الشيخ علي. كان الشيخ علي صديقاً لوالدى، لكن الوشاية وضعته فى موقف حرج – إذا هو ترك الفعلة تمر بلا عقاب، فقد يبدو وكأنه متسامح، أو حتى موافق، عليها، … (و ربما يصل الأمر إلى أسماع المباحث.) إنتزع الشيخ علي الصفحة من كراستى بسرعة و مزقها إلى مئة قطعة وضعهم فى جيبه، ثم عاقبنى بعشرة ضربات بحد المسطرة على راحة يدى أمام الفصل دون أن يخبر التلاميذ عن السبب. و كانت تلك هي المرة الوحيدة التى عوقبتُ فيها جسدياً طوال مراحل تعليمى، ولا أنساها.

غنى عن الذكر أننى لا أُكِن لرفيق الشؤم ‘ع-م’ كثيراً من المودة، و أخبرتُه أثناء الفسحة معلومات عن والدته لم يكن يعرفها، (و لا أنا كنت أعرفها.) أما الشيخ علي فلم أشعر نحوه بأية ضغينة، لأنه كان يحبنى و كثيراً ما يثنى عليا. لكن الحكي قد شطح بنا فى إتجاه غير الموضوع الأصلي، فلنعود إليه –

لم يكن الملك فاروق محبوباً (و لا مكروهاً) فى الوسط الذى نشأتُ فيه، (و هو وسطٌ يتكون من صغار التجار و الحرفيين و المهنيين.) و لم تعلق بذاكرتى أية إنطباعات عن حزن شديد أو فرح عارم بمناسبة إضطراره للتنازل عن العرش فى العام التالي. على أية حال – عومل فاروق معاملة طيبة نسبياً من جانب العسكريين الذين عزلوه؛ فقد ضربوا له “تعظيم سلام” عند مغادرته البلاد على ظهر اليخت الملكي، و لم يتعرض لأي تفتيش أو إهانة أو مساءلة.

بالمقارنة مع مصير الملك فاروق كان حظ ملكي فرنسا و روسيا أسوأ كثيراً. كانت الأمور قد بدأت على نحو لا بأس به، لكنها تطورت بسرعة فى إتجاه سيئ بحكم الظروف. فى حالة لويس ال١٦ قبض عليه موظف صغير فى الأقاليم و هو يحاول الهروب متنكراً إلى خارج البلاد (*)، و بعد محاكمة ثورية تم إعدامه علناً فى ميدان عام هو و زوجته مارى أنطوانيت (بنت إمبراطورة النمسا.)

أما فى حالة قيصر روسيا نيكولاي الثانى فقد كان مسجونا مع أسرته فى مدينة فى شرق روسيا عندما تدخلت دول أجنبية فى الحرب الأهلية، و بدت الأمور و كأن الجيش الأبيض المناصر للقيصر على وشك الإنتصار. عند ذلك قرر قادة الجيش الأحمر، (و ظهرهم للحائط،) ضرورة التخلص من القيصر و من جميع ورثة العرش، حتى لا يبقى للملكيين رمز يلتفون حوله (**). يقال إن إحدى الأميرات – أناستازيا – نجت من الموت بمعجزة حتى تتمكن هوليوود فيما بعد من عمل فيلم عنها حقق دخلاً لا بأس به (***).

موضوع الملوك درامي و مسلي ويطول الحديث عنه. لكن منصات التواصل الإجتماعى لا تناسبها المقالات الطويلة؛ (لن يقرأها حتى النهاية أحد.) لذلك سنتوقف الآن عن الكلام المباح، و سنستأنفه فى مقالة قادمة بإذن الله. لن تكون تلك المقالة متعاطفة مع الملوك، فقد نابهم من الخيرات بالفعل نصيب يفوق ما يستحقون بكثير، و هم ليسوا فى حاجة إلى تعاطفى بالإضافة إلى ذلك.
__________________________
*) لو كان قد نجح فى محاولته، لأعطى الدول المجاورة حجة شرعية فى الهجوم على فرنسا.
**) من غير الواضح ما إذا كان الأمر قد صدر من المركز أو كان قراراً إتخذه القائد المحلي.
***) لأن الناس يعشقون حكايات الأمراء و الأميرات.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫17 تعليقات

  1. لافت للنظر ، ولا أفهم كيف ولماذا ، ان الدول العربيه تحت الحكم الملكي ومايشابهه ، أفضل حالاً من مثيلتها الجمهوريه ..
    قد يكون أن الاخيره ليست جمهوريه صحيح انما عسكريه برداء جمهوري !

  2. خطوط تقاطع كثيره لا يمكن إغفالها إن أبعدنا العواطف و الميول و فخصنا الموضوع بما يقترب من الموضوعيه .

    الجمهوريه جربت من وقت مبكر في روما
    و انتهت بالحرب الاهليه
    التي اغتيل في بدايتها مكونها المرموق خوفا علي الديمقراطيه

    الملكيه البريطانيه وقعت الماجنا كارتا
    و الانجليز جربوا جمهوريه / ديكتاتوريه اوليفر كرومويل و كان جيشه في الخرب الاهليه يمثل البرلمان
    و لكن العصر الاليزابيثي و العصر الفيكتوري طبعا الحياه البريطانيه

    قياصرة روسيا من وزن بطرس الاكبر و كاترين العظمي كانوا من اتي ب روسيا من غياهب العصور الوسطي و نمط الانتاج الاسيوي الي العصور الحديثه

    الثوره الفرنسيه استغرقت ل تنضج و تفرز الجمهوريه الخاليه فتره امتدت منذ نهايه القرن ال١٨ الي بدايه سبعينات القرن العشرين

    بدون ملكيات الخليج و السعوديه لا توجد ما يمكن ان يقام علي اساسه نظام سياسي مركزي بها
    و تقدمها يحدث من قدر تطور و حداثه قادتها
    و الوضع العماني و البحريني مثلا افضل بما لايقاس من الوضع اليمني

    ملكيات العراق و ليبيا و شاهنشاهية ايران كان من الممكن ان تتحول باتجاهات الملكيات الدستوريه
    و تحولاتها الجمهوريه انتهت عمليا ب كوارث

    الوضع المصري افضل في توزيع الثروه و تعظيم الانتاج و حقوق المصري العادي
    و لكن في اتجاه سيء فيما يتعلق ب نموذج الادازه السياسيه

    العالم الجديد الامريكي و الكندي و الاسترالي امكنه القفز فوق المراحل لان كوادره كانت قد مرت بما مرت به مراحل التطور الاقتصادي السياسي الاداري الاوروبيه

    قدر المرور في القادمين من شبه الجزيره الايبيرية الي امريكا اللاتينيه لم يكن لينقل نموذج اداره و اقتصاد جيد الي الارض الجديده
    ف بقيت كما هي

    الديمقراطيه تحافظ علي التماسك الهندي

    و مركزيه الحزب الشيوعي الصيني تحافظ علي التماسك الصيني !!!

    مالذي يمكن استنتاجه من كل هذا !!!

  3. المشكله في الثورات ان من يقوم بالثوره بتولي الحكم ويتحول الي ديكتاتور ويعتقد انه ضليع في كل الامور وتمنعه عنجهيته من اللجوء لذوي الحكمه والعلماء الحقيقيين ويستمع لماسحي الجوخ فيفشل ويجر معه البلاد الي الخراب

  4. الطروح طريفه حقا
    و شديده التناقص مع بعضها

    اصل الملكيه معناها الاستقرار
    امال الثوره الفرنسيه قامت ازاي

    اصل الحكم الجمهوري في اصله حكم عسكري
    و علشان كده فاشل
    امال ايزينهاور
    و ديحول
    و تشرشل
    دول مين

    اصل الحاكم الجمهوري اللي انقلب علي النظام الملكي ما كانش بيسمع كلام غير نفسه
    و النظام الملكي اللي سقط
    هوه اللي كان بيسمع غيره
    و اذا كان بيسمع
    سقط ليه

    النظام الجمهوري بيحقق العداله
    و ايه رايك في ما سمي بالثوره البيضاء وقت الشاه و التي شملت توزيع اراضيه علي الفلاحين
    و حقوق المراه مثلا الان في ايران

    النظام الجمهوري يوزع الحقوق علي المواطنين من الاقليات
    و هم ممثلون بالضروره
    زي لبنان كده !!!!

    النظام الجمهوري يمنع وصول الاطراف ( اقصي اليمين و اليسار الي الحكم لانه تداولي و بيتعامل مع الوسط )
    و ماذا حدث عندما سلم هندنبرج السلطه ل هتلر

    النظام الملكي يمنع وصول الفاشيه الي الحكم لانه يمثل مرجعيه موثوق به من الجمهور ان لم يثق الجمهور في عناصر السياسه الموحوده
    و شوف خوان كارلوس عنل ايه في انقلاب اسبانيا
    و ماذا عن فيكتور عمانويل الدي سلم السلطه ل موسوليني بعد زحف الاخير علي روما
    و رفض تدخل الجيش الايطالي

  5. النقطه ان كياسة اي نظام ليست متعلقه الا بنفطه بعينها

    If it works !!’

    و هذا التعبير في حد نفسه يستبعد اقصي الاطراف

    لان اقصي الاطراف لا يمكن ان تعمل بشكلٍ يرضي باقي كتله الجمهور سواء اكانت علي يسارها او يمينها

  6. من بعد اسماعيل باشا لا يتذكر الناس العاديين من ملوك الأسرة العلوية سوى فاروق. وهذا يجعلنا نقول بشكل واضح. إن أهم حدث في حياة فاروق هو انقلاب عبد الناصر عليه ههههههههههه

  7. هل لو كانت كلمة ملك في لغتنا ليست مشتقة من التملك ولكنها كسائر اللغات الأوروبية مشتقة من الحكم
    Monarch= (Greek: mónarkhos, sole ruler)
    كنت ستعيد النظر في فكرة الملكية و كون الملكيات الدستورية الحديثة كما نراها في النرويج و السويد و الدنمارك هي أرقى النظم الديموقراطية و أفضلها للحكم؟ الملك في تلك البلاد يسود و لا يحكم:
    King reigns, but he does not rule
    وأعضاء الأسرة المالكة لا يزيد عددهم عن أصابع اليد و كلهم حاصلين على أرقى الشهادات العلمية و يعملون في أعمالا شريفة و يدفون منها الضرائب كباقي أفراد الشعب و إذا تخلفوا يوما عن أداء واحدة من مهاهم الدستورية مثل افتتاح البرلمان وجب عليهم تقديم شهادة طبية مرضية من طبيب مرخص؟

  8. انا اشكر حضرتك علي سردك الرائع السلس ، والذي مهما أطلت ، لا أمَّل ابداً من القراءة .
    حتي لو كان هناك بعض او قليل من الاختلاف في وجهات النظر ، فإنني استمتع حقاً بكل مقالاتك وانتظرها 🙏

  9. لو تتكرم لي بتعليق دكتور فريد :
    عن جملة أخبرته بأشياء عن والدته…الخ ، أعجبني تلميحك الراقي عن ما قلت ، ولم يعجبني على الإطلااااااق أن يصدر منك ذلك حتى لو كنت طفلا ❤️ .
    ما يتعلق بأن فاروق عومل معاملة طيبة نسبيا ، ربما لا تعرف أن عبد الناصر كان مصرا على شنقه لولا رفض مجلس قيادة الثورة لهذا الاتجاه بكل قوة ، كما جاء على لسان حسين الشافعي أحد الضباط الأحرار ونائب رئيس الجمهورية الأسبق في حديثه لبرنامج عمرو الليثي ( اختراق ) …ولم يضرب له رجال الثورة تعظيم سلام ، بل فعلها محمد نجيب فقط عند رحيله ، ولا يخفى عليك أيضا أنه صودرت أملاكه وأملاك عائلته ، بل صدر بذلك قانون مستقل نشر في الوقائع الرسمية ( قانون مصادرة أملاك أسرة محمد علي ) ، دون تفرقة بين ما هو حق له ولأسرته وما ليس بحق ، ووصم في الصحافة والمجلات بكل الصفات المعيبة ، بل إن مجلة روز اليوسف في عددها الصادر في أول أغسطس بعد الثورة بأيام وصفته بالسرطان !!! ، وأنه لم يكن أحد في مصر – بخلاف الحاشية – يكن له ذرة من المحبة يوما ما !!!
    والأحقر على الإطلاق أن ملابس زوجته الملكة ناريمان عرضت للبيع على الجمهور في مزاد عام ، وفيها ما أطلقوا عليه كذبا ( قميص النوم الذي ارتدته ليلة الزفاف ) !!!!!!
    وترى ذلك منشورا في هذا الرابط :
    https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10221539198132054&id=1315081584
    وما أريد قوله إن الملك فاروق نجى من المقصلة بفضل الله وكان أسعد حظا من غيره ، لكن للأسف من الناحية الأخرى عومل بأسوأ المعاملة .
    مع ضرورة ملاحظة أنه لم تحدث ثورة عليه من الأساس حتى نقارنها بباقي الثورات ، هو انقلاب صريح محض لا شك فيه ، بل كانت الصحافة وقتها تصفه بمنتهى الوضوح ب ( انقلاب الضباط الأحرار ) ، لكن لما رأى الضباط الأحرار أن كلمة ( انقلاب ) توحي بانتزاع الحكم بالقوة بدون مشاركة شعبية تمت تغيير الكلمة بعد ذلك إلى ( ثورة يوليو ) ، مع أنه من قام بها بضع عشرات من الضباط ( على اختلاف في عددهم بدقة ) ولم يخرج فيها فرد واحد من أفراد الشعب !!
    ( ملحوظة : نسيت ذكر الانقلاب على الملك فيصل الثاني ملك العراق والمجزرة الدموية التي حدثت في حقه مع باقي أفراد الأسرة المالكة )

  10. بقدر إستمتاعي بسلاسة السرد و رشاقة القلم بقدر ما لا أستطيع مجاراة طرح دكتورنا الكريم حول كراهية أو رفض أمر ما بناءا علي إتيمولوچية محرفة – فأصل الكلمة من اليونانية و أنتم سيد العارفين تعني حكم فرد و ليس ملكية فرد 🤔 بناء عليه لو قلنا أن إنقلاب ٥٢ حول بجرة قلم ما كان ملكية دستورية إلي ملكية مطلقة عمليا تحت شعار جمهوري لكنا من وجهة نظري أقرب للصواب 🤔…

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى