توعية وتثقيف

المَلَكيّة (Monarchy) – ٢…


المَلَكيّة (Monarchy) – ٢

هناك الكثيرون ممن لا يشاركونى فى مشاعرى نحو المَلَكيّة، بل يعتبرون أن النظام الملكي هو طبيعة الأمور وإرادة الخالق، و كل ما يملكه الملك هو حلال-بَلال بغض النظر عن كيف حصل عليه. ليست تلك المشاعر وليدة الحاضر التعيس، و لا هي ناتجة عن خيبة الأمل فى النظم الجمهورية، بل هي عاطفة تأصلت فى الناس بحكم طول الممارسة.

إستيقظ هارون الرشيد ذات صباح و أمر ببتر رأس أخيه فى الرضاعة و صديق عمره جعفر البرمكي. عندما دخل مسرور السياف على جعفر فى قصره لينفذ الأمر، لم يجد جعفر أية غرابة فيه، فإرادة هارون كانت بالنسبة له هي إرادة الله. و فى الألف سنة التى مضت منذ تلك الواقعة لم يفهم أحد سببها، لكن لم يشك أحد فى شرعيتها. فالملك يملك أرواح رعيته و يفعل بهم ما يشاء، بسبب أو بدون سبب (*).

نفس الشيئ حدث عندما أصبح أُكتاڤيوس قيصراً على روما ، (و كان صبياً لا يتعدى ال١٧.) كلف أُكتاڤيوس ضابطاً فى الجيش ببتر رأس الفيلسوف المخضرم و الخطيب المفوه Cicero (الذى كان أيضاً عضواً بارزاً فى مجلس الشيوخ.) و عندما جاء الضابط إلى ڤيللا سيسرو و أخبره بمهمته، لم يختلف تصرف سيسرو فى جوهره عن تصرف جعفر البرمكي بعده بألف سنة. (**) لم يتساءل أحدٌ “ماذا كانت التهم و الحيثيات؟ و أين العدالة؟” الملك ملك، و فى يده روح كل من يعيش فى مملكته – هذه هي طبيعة الأمور. و هكذا أيضاً يفكر الدجاج – الديك ديك، يطأ من يشاء من الفراخ – هذه هي طبيعة الأمور، و لا أحد يجادل فى طبيعة الأمور.

عندما جاء زمن هنرى الثامن كانت الأمور قد تغيرت نوعاً ما، و وجد الملك نفسه مضطراً إلى تلفيق تهم للذين أراد بتر رؤوسهم. و من ضمن أولئك كانت إثنتان من زوجاته الست. و إستمرت فى مراعاة ذلك التقليد إبنته إليزابث، (الملكة العذراء،) التى كان هنرى قد أعدم أمها بتهمة ملفقة. بترت الملكة العذراء عدداً لا يحصى من الرؤوس، من ضمنهم رأس بنت عمها مارى ‘Mary, Queen of Scots’ بتهمة ملفقة.

و عندما أصبح جورج واشنطون أول رئيس للولايات المتحدة، طلب منه أعيان البلد أن يعلن نفسه ملكاً عليهم حتى يبتر رؤوسهم و يتملك نسائهم. لم تستوعب عقولهم البسيطة فكرة “ملك” مؤقت محدود السلطة يعتزل بعد إنتهاء مدته ليعود مواطناً عادياً. و كانت أعظم خدمة قدمها جورج واشنطون لبلاده، (و للبشرية،) هي أنه رفض طلبهم.

لم يكن الملك فاروق يبتر الرؤوس. ليس من كرم أخلاقه، بل لأن الإنجليز كانوا قد فرضوا على مصر نظاماً أقرب إلى المَلَكية الدستورية منه إلى المَلَكية المطلقة. أما فى موضوع النساء فالأمر يختلف – عندما ذهبت الآنسة ناريمان صادق مع خطيبها إلى محل مجوهرات فى شارع قصر النيل لإختيار الشبْكة، كان صاحب المحل يعرف الذوق الملكي، (أن يكون الوجه مستديراً ناصع البياض مثل لهطة القشطة، و السواعد إسطوانية مثل المرمر المخروط، و دلائل الأنوثة وافرة نافرة … إلخ.) لن أستفيض فى التفاصيل، فهي تاريخ مكتوب (***)، لكن بعد أن عاين الملك “الصنف” (من وراء ستار) و أعجبه، إنسحب العريس و ذيله بين رجليه لأن فى موضوع النساء، الملك يأخذ ما يشاء.

مرة أخرى لم ينتهى الحديث عن الملوك، لأن نوادرهم كثيرة، و خروجهم على المعتاد هو المعتاد. لكن المقال قد طال نظراً لضرورة الإستفاضة فى وصف محاسن ملكة مصر الأخيرة. لذلك لا بد من إضافة جزء ثالث بعد أن كانت النية قد إستقرت على جزئين. فإلى لقاء قريب …
_____________________________
*) خمن البعض أن جعفر ربما كانت له علاقة سرية بأخت هارون. لكن ذلك غير مثبت.
**) فى نفس ذلك اليوم قضى أوكتافيوس (ببتر الرؤوس) على معظم أعضاء مجلس الشيوخ و أعيان روما ضمن حملة “لمسح السبورة” السياسية. ولم يناقش أحد “حقه” فى فعل ذلك – لا وقتها، و لا بعدها.
***) أقنع الجواهرجى العريس والعروسة أنه ستصله موديلات جديدة فى الأسبوع التالى. فى تلك الزيارة كان فاروق يراقب العروسة من وراء مرآة خاصة بحيث يراها و هي لا تراه.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫9 تعليقات

  1. لايختلف الامر كثيرا عن الحكم العسكري وكان هناك صحفيا متروج من فنانه فاتنة الجمال واعجب بها احد رجال المشير الفرق فقط انهم دخلوه سراية المجانين

  2. لم نقل إن كل ما يحصل عليه الملك حلال بلال كما تفضلت بغض النظر عن كيفية الحصول عليه ، ولا أظن عاقلا يقول به يا فندم !
    وأما أن هارون الرشيد استيقظ فأطاح برأس جعفر بهذه البساطة فلم يقل به مؤرخ واحد !! ، وإنما للأمر فيه ما فيه من أسباب اختلف فيها أهل التاريخ وأسهبوا فيها الشرح والبيان ، ورواية علاقته بالعباسة أخت الرشيد هي مجرد رواية ليست لها ما يؤيدها عموما من أسانيد ( مع أنها قد تكون صحيحة في حد ذاتها )
    أما عن رواية الملك فاروق وكيفية اختياره لناريمان فأتمنى ذكر مصدرها لو تكرمت !!
    على كثرة إعجابي بما تكتب ، على شدة اختلافي معك في هذا المنشور للأسف الشديد .

  3. كل ما ذكرته سعادتك اقدره وبالوثائق وخاصة فيما يخص تاريخ الأجانب لكنني أتشكك في مسألة هارون الرشيد في المصادر والوثائق الأصيلة لأن مسألة الحكي والنقل ليست مصدرا أستطيع أخذه بمأخذ الجد شأنه شأن التراث الفقهي والمنقولة عبر الزمن دون مصادر موثقة تحياتي وتقديري لسعادتك.

  4. عندما تقارن بين ملوك العصور الحجرية وحكام الجملوكيات الحديثة امثال صدام والقذافي وغيرهما كثيرين ستترحم طويلا علي المرحوم نيرون الطيب الجميل !!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى