توعية وتثقيف

“الخروج (Exodus)”…


“الخروج (Exodus)”

كان القدماء يستعملون الأوانى الفخارية فى الأكل والشرب والطهي وحفظ الماء والطعام و العديد من الإستعمالات الأخرى. وإستمر هذا إلى ماضى ليس ببعيد. (ما زلت أذكر ‘القُلّة’ و ‘الزير’ و ‘البلاص’ و ‘الماجور’ من زمن طفولتى.) هذه الأوانى الفخارية كانت تتكسر بسهولة، ولا تتحلل شظاياها مع الزمن. لذلك يعتمد علماء الآثار والأنثروپولوجيا على الشظايا الفخارية لتحديد أماكن المستوطنات البشرية وزمنها ومدة دوامها وأعداد سكانها. كذلك تترك التجمعات البشرية دلائل أخرى على وجودهم، أهمها مدافن موتاهم وعظام الحيوانات والطيور والأسماك التى كانوا يأكلوها، و الدواب التى كانوا يستخدموها.

تقول التوراة إن العبرانيين تجولوا فى سيناء لمدة ٤٠ سنة، وكان عددهم أكثر من ٦٠٠ ألف رجل (بالإضافة إلى من معهم من نساء وأطفال (*)). لكن علماء الحفريات لم يعثروا فى سيناء على أية آثار تدل على وجود مثل هذا التجمع البشري (ولا أية تجمعات تستحق الذكر،) لا فى الزمن الذى ذكرته الأسطورة، و لا فى أي زمن آخر. لا شظايا فخارية، ولا عظام بشرية، ولا أية دلائل أخرى. وليس ذلك لأنهم تقاعسوا عن البحث، فقد كان التمويل سخياً ومستمراً من طرف دراويش أمريكا الأغنياء وغيرهم من الجهات التى تريد إثبات أسطورة الخروج.

هذا وحده دليل كافى على أن قصة الخروج هي مجرد أسطورة. لكن هناك المزيد …

كانت الإمبراطورية المصرية القديمة تسجل تاريخها على جدران المعابد والمقابر بدقة تثير الإعجاب. كما كانت الإمبراطوريات الأخرى المعاصرة لها أيضاً تسجل الأحداث على الجدران وعلى شقفات الفخار التى لا تتحلل وعثر العلماء على كميات هائلة منها. لم يجد أحد فى آثار مصر، ولا آثار الحثيين ولا الأشوريين ولا البابليين أي ذكر عن حدث كاتاكليزمي غرق فيه أعظم ملك فى العالم و معه جيشه بالكامل. (تخيل لو أن رئيس أمريكا، مثلاً، مات غرقاً وهو يطارد بعض المهاجرين المكسيكيين، و غرق معه الجيش الأمريكى بأكمله، ولا يجيئ ذكر لذلك فى أية صحيفة أمريكية أو كندية أو روسية أو صينية.)

ما هو التفسير إذاً؟

لم تكن علاقة القدماء بالحقائق والأرقام على نفس القدر من الجدية الذى نعرفه الآن. وكان المغزى بالنسبة لهم أهم من الدقة. على سبيل المثال – كتب إبن بطوطة أنه عندما زار القاهرة وجد فيها ١٤ ألف مئذنة. وهذا بلا شك رقم خيالي، فالقاهرة وقتها كانت محصورة بين باب زويلة وباب الفتوح وباب النصر، وهي مساحة لا تكفى ل ١٤ ألف منزل، دعك من ١٤ ألف مئذنه (**). الراجح أن إبن بطوطه كان يقصد أنه رآى مآذن كثيرة، وإستخدم أي رقم كبير خطر على باله للتعبير عن ذلك. (كما يقول الشخص إن لديه مليون مشكلة، و هو يقصد أن مشاكله كثيرة، وليست مليون بالتحديد.)

قد يكون لقصة الخروج مغزى روحانى أو أخلاقى، … هذا وارد ولا إعتراض عليه، أما إعتبارها حقيقة تاريخية، ووصم واحد من أعظم ملوك مصر بأنه “طاغوت” على أساسها، فهذا أمر لا يليق بالمتعلمين.
___________________________________
*) هذا يعنى أن عددهم كان ما بين ٢ إلى ٣ مليون، أي أكثر من سكان مصر نفسها وفق أول تعداد أجرته الحملة الفرنسية (بعد “الخروج” بأكثر من ٣٠٠٠ سنه.)
**) كان هذا فى منتصف القرن ١٤، فما بالك بقصة الخروج التى كُتبت فى القرن السابع قبل الميلاد.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫26 تعليقات

  1. ١٠٠٪؜ قصة موسى اسطورة ،، التاريخ الفرعوني كله موثق رغم كل محاولات المسيحيين والاسلام أخفاء الكثير من الاثار والدلائل الفرعونية وخاصتا مكتبة الاسكندرية التي كانت تحتوي على ٤٠٠ الف مخطوطة ما تعادل ١٠٠٠٠٠ كتاب

  2. كلام سليم تماماً

    و أضيف لك كتابين مهمين جدا للبروفيسور شلومو ساند
    -اختراع الشعب اليهودي
    -اختراع أرض اسرائيل

    و ينفيان تماماً قصة الخروج و قصص العهد القديم

    عناوين الكتب تفصح عن ما توصل إليه الباحث الاسرائيلي بوضوح

    تحياتي و تقديري يا صديقي المحترم

  3. لم يرد أى ذكر لليهود فى ما سجله المصريون القدماء
    لكن هناك لوح مرنبتاح -و هو فى المتحف المصرى- يذكر أن ملك مصر طارد (حبرو) حتى خارج حدود البلاد، و لم يذكر أنه غرق هو أو جيشه…
    – أتساءل:
    هل هناك خلط بين قصة اليهود و قصة الهكسوس؟ و على حد علمى فإن قدماء المصريين لم يسجلوا الكثير عن الهكسوس…
    و هل وجد المنقبون آثارا للهكسوس فى رحلة خروجهم (exodus) من مصر..
    – يسوئنى كثيرا الظلم الواقع من (المتدينين) على قدماء المصريين أصحاب الحضارة و الرقى و المجد..
    – المشترك فى قصة الهكسوس و اليهود، هو أن الهكسوس لم يأتوا إلى مصر كجيش غاز، و إنما حضروا بسبب مجاعة، و على مراحل، و كانوا يعملون لدى المصريين، إلى أن كثر عددهم، و اشتد عودهم..
    كذلك فإن الهكسوس عاشوا فى الدلتا، و هو نفس ما يقوله اليهود عن انفسهم
    – هناك سردية تقول ان اليهود قدمو خدماتهم للهكسوس فى أمور لا قبل للهكسوس بها، – حيث انهم لم يكونوا سكان ضفاف أنهر من قبل- فلما خرج الهكسوس من مصر اختار اليهود البقاء مع الطرف المنتصر، و الذى عاداهم بسبب تعاونهم مع الهكسوس

  4. هم لم يعجنوا فى ماجور ولا كان عندهم جبنه أو عسل فى بلاص كمان ماكانش بيطبخوا يعنى مش محتاجين اطباق أو حلل من. الفخار لأن اكلهم كان من السماء وكلامك يثبت هذا

  5. متفق معك علي اثار الفخار
    اما بالنسبه للتدوين فلم نجد مثلا ماهو مدون عن حقبة الهكسوس وخروجهم ورسومات تخص الانتصار العظيم وطردهم وكيف كانوا يعيشون
    ثم انه لو حدث سلبي فكيف يدونوه

  6. نحن شعوب اعتقدت في الأساطير أكثر من كونها حقائق تاريخية كما سجلتها حضارات مثل المصرية القديمة واليونانية والفارسية والرومانية لك كل التحية والتقدير

  7. كلام منطقى جدا مع ملاحظة واحدة و هى ان قصة الخروج كتبها على اغلب الظن عزرا فى حوالى سنة 500 قبل الميلاد و ليس القرن السابع قبل الميلاد و الله العلم

  8. اتفق مع حضرتك.. ومتوافق مع كلام د. طه حسين و د علي عبدالرازق
    لكن في أبحاث بسيطه اتكلمت عن ان مصر المقصوده فالتوراه والقرآن
    ليست مصرنا
    وان في مكان مشابه لما ذكر فالتوراه عن جبل مصرا باليمن والطرق والتضاريس مشابه لأحداث التوراه.
    المشكله ان اليمن لم يحظي بالابحاث الكافيه لأثبات او انكار هذه الافكار.

  9. منذ الصغر لم أصدق أسطورة شق البحر و غرق الجيش إلخ … أما عن قصة التيه العظيم فظلت لفترة في خلفية عقلي تقبل الصحة و التكذيب علي أساس فكرة فلسفية تقول أن غياب الدليل ليس بالضرورة دليلا علي الغياب – و مع دراسة العلم الطبيعي و القراءة في العلوم الإنسانية توصلت لقناعة أنها أيضا أسطورة هدفها سياسي بإمتياز 👍 و شكرا علي البوست القيم

  10. و لكن الاهم من هذه الملاحظة هو ان اعرف رأيكم فى تطبيق معايير المؤرخين الصارمة، كما فعلتم فى حالة موضوع الخروج و غرق فرعون و جنده، على كافة القصص التوراتية بل و الانجيلية و القرآنية الاخرى بوجه عام. فهل لدينا ما يثبت ان ابراهيم و لوط و اسحق و اسماعيل و يعقوب و يوسف و موسى نفسه او حتى آدم و نوح و غيرهم من الانبياء كانوا شخصيات حقيقية؟ ام ان هناك جانب قصصى فى الكتب المقدسة يقصد من ورائه العبر و المواعظ و سن قوانين اخلاقية و معيشية للبشرية جمعاء (i.e. the allegorical interpretation of Biblical stories) اكثر من التأريخ الدقيق لوقائع حدثت او شخصيات عاشت على هذه الارض بالفعل؟ و ارجو الا يساء فهم الغرض من سؤالى هذا، فانا شخص متدين و الحمد لله و لكننى اؤمن انه سواء وجد انسان فى زمن من الازمنة السابقة اسمه ابراهيم او موسى او عيسى ام لا فهذا لا ينتقص من كونهم امثلة عليا role models يحتذى بها و علينا ان نتبع تعاليمهم التى تهدف الى رفع شأن الانسان و تنظيم حياته و تعاملاته مع اقرانه فى هذه الدنيا. انا اعتبر مثلا ان الامثلة الشعبية نوع من التلخيص العبقرى للتجارب الانسانية التى يصيغها اجدادنا فى مكان و زمان معينين لتنتقل الينا حكمتهم من خلالها الى ابد الدهر فى صورة كبسولية مختصرة و شديدة التأثير. فلماذا لا تكون قصص الانبياء فى كتبنا المقدسة وسيلة الاهية مشابهة و مبسطة لوضع المبادئ و القيم الاخلاقية و الايمانية السامية فى صورة اسهل فهما للعقل البشرى و ايسر وصولا لقلبه و وجدانه. يتبقى موضوع الرسل و الرسالات فاتركه لحديث لاحق ان شاء الله و عذرا على الاطالة.

  11. كلام فاضي لان القرأن ذكر الخروج بتفاصيله وشق البحر وغرق فرعون والتيه ٤٠ سنه كما ذكرتها التوراه….هنكذب رب العزه ونصدق طه حسين ……لا طبعا ….ده كلام فااااااارغ 😘…..تحياتي

  12. شدني تاريخ اليهود و لدي كتب هامة في هذا المجال
    هذه الكتب تتحدث بثقة عن ان كل هذه الشخصيات هي شخصيات تاريخية و مؤثرة، و عن احداث الخروج و التيه كذلك، بلا دليل ، و كلها تذكر The Merneptah Steele و به اشارة غامضة عن “اسرائيل”، العبرانيين قبائل اسيوية و تاريخهم غامض، التشريد الآشوري لهم ربما كان تاريخيا و كذلك حروبهم مع The Philistines اهل الساحل القادمين من البحر، اشخاص و اسامي و ملوك و ابطال ! القبائل العشر التائهة؟ الاصول الاثنية ليهود وسط و شرق اوروبا ؟
    غموض كبير بالمقارنة مع التاريخ الموثق لبلاد ما بين النهرين و مصر و حتي الحيثيين

  13. 1
    س :هل عاش يوسف النبي حقا في مصر ؟!
    وهل خرج جثمان يوسف النبي فعلا من مصر ليتم دفنه في شكيم (نابلس)
    ج : من المؤسف أن علم المصريات لن يكون ذا عون لنا في الإجابه علي هذا السؤال !
    إذ أن قصة يوسف النبي -بحسب الموروث الديني للعقائد الإبراهيمية الثلاث- لا تزال حتى هذه اللحظة تقع في (المنطقة المظلمة) من التاريخ المصري القديم، أو ما نعرفه منه على الأقل.
    ليست لدينا بردية واحدة أو نقش يتحدث عن شخصية (يوسف بن يعقوب) الذي وصل إلى مكانة رفيعة في البلاط المصري (عزيز مصر بحسب الموروث الإسلامي، أو أبو الفرعون بحسب نص التوراة)..
    لا توجد قرائن واضحة من التوراة أو القرآن يمكننا أن نستشف منها الزمن المفترض لتواجد يوسف النبي في مصر أو لمجيء أبيه يعقوب النبي وعائلته إلى مصر..
    لا يوجد لدينا في الحوليات المصرية ذكر صريح لقصة سني المجاعة السبع، ولا لموقع أرض “جاسان” أو “جوشن” التي تروي التوراة أن أسباط بني إسرائيل قد سكنوا فيها منذ جاءوا إلى مصر في زمن يوسف، حتى خرجوا منها مع موسى النبي.
    كل ما وصلنا حتى اليوم هو بعض “الموتيفات” القصصية التي تتشابه في بعض أجزاءها مع الرواية التوراتية لقصة يوسف (وقد عرضنا لبعضها في سلسلة بوستات سابقة لكاتب هذه السطور):
    “موتيفة” الزوجة اللعوب/الشاب العفيف نجد ما يماثلها بشدة في (قصة الأخوين) المصرية القديمة، والتي نرى فيها الأخ الصغير (باتا) يتعرض لغواية زوجة أخيه الأكبر (إنبو)، والذي يرفض الإستجابة لنزواتها فتكيد له كيدا عظيما لدى زوجها..
    “موتيفة” البقرات السبع السمان كرمز للخصب والبركة نجد تصويرا لها في الفصل 148 من كتاب الموتى المصري القديم..
    “موتيفة” سني المجاعة السبع نجد ما يشابهها في نص لوحة جزيرة “سهيل” بأسوان التي تعود للعصر البطلمي، والتي تقص علينا قصة المجاعة التي وقعت على مصر في عهد الملك زوسر (من ملوك الأسرة الثالثة) والتي دامت لسبع سنوات، ثم انتهت بفضل حكمة الوزير “إيمحوتب” ومهارته في التوفيق ما بين قرابين وأوقاف المعبود “خنوم” -سيد الفيضان ورب الشلال- وما بين مخصصات المعبودة “إيزيس” التي كانت عقيدتها تزداد نفوذا بشكل مستمر في منطقة الشلالات و “الدوديكاشن” جنوب أسوان طوال العصر البطلمي.
    بل أن “موتيفة” المجاعة ذات ال 7 سنوات لم تقتصر على مصر، بل ظهرت في الميثولوچيا العراقية في القصة المعروفة بإسم (عشتار والثور السماوي)، حيث يذهب بعض الباحثين إلى أن القصة هي صدى حقيقي لبعض موجات المجاعة والجفاف التي شهدتها بلدان الشرق الأدني خلال نهايات العصر البرونزي وبداية عصر الحديد (حوالي عام 1200 ق.م)
    فيما عدا الموتيفات المذكورة، فنحن حرفيا لا زلنا نتخبط في الظلام في محاولاتنا لتحديد العصر الذي عاش فيه يوسف الصديق وسط آلاف مؤلفة من السنين للتاريخ العريق للحضارة المصرية القديمة، وإن كان لا بأس من الإشارة هنا ل 3 محاولات شبه علمية لبعض الباحثين في هذا الصدد:

  14. 2
    المحاولة الأولى هي للكاتب البريطاني (أحمد عتمان) المصري الاصل ، حاول فيها المطابقة ما بين شخصية يوسف الصديق وما بين الوزير (يويا) الذي عاش في عهد الملك (أمنحتب الثالث) والد الملك (أمنحتب الرابع)

    المحاوله الثانيه للبريطانى ديفيد رول
    وضعها فى كتابه ( فراعنه وملوك ) وربما أخذها عن إيمانويل فليكو فسكي وكتابه ( عصور الفوضى )
    الخروج حدث مع دخول الهكسوس ..
    وتل الضبعه هى جاسان جوشن …
    المحاوله الثالثه ل نوهل Knohl
    قال ان يوسف هو الوزير با يا b y a
    من الاسره 19

    https://www.facebook.com/100012982838983/posts/1409944312781650/?app=fbl

  15. هناك تيار متزايد في أمريكا، بل في مصر خاصة عند بعض البروستانت، يقول بأخذ القصص الدينية علي أساس أنها رمزية وليست حرفية الحدوث، وأعتقد أن المستقبل سيكون للرمزية لأنها المخرج من الكثير من المشاكل التاريخية والعلمية والمنطقية التي تحاصر هذه القصص خاصة في عقول الأجيال الجديدة في الدول المتقدمة أمريكا وأوروبا علي الأخص،

  16. هل من الممكن أن نعتبر أن مصر كبيره جدا ولم يكن بها فضائيات ولا وسائل تواصل وان المنطقه التى حدث بها غرق فرعون بعيده جدا عن مناطق أخرى مسؤوله عن تسجيل التاريخ على جداريات المصريين القدماء جنوبا

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى