كتّاب

أمي وأنا:…


أمي وأنا:
كانت جميلة وصبية عفية وولود.. أنجبت عشرة من الأولاد والبنات.. ولأن أبي كان وحيد أمه “ستي” فقد كانت تهددها بأن تجعل أبي يتزوج عليها لو هي توقفت عن الإنجاب حتى بعد الولد السادس أو السابع.. وقد علمتنا جميعا إلا من جائها العَدَل من البنات وهي في مراحل التعليم..
أما أنا فكانت علاقتي بها عاصفة.. ولم أكن أفهم معنى عبارتها: تربية التسع ولاد كوم.. وتربيتك انت كوم لوحده..
أصبت بروماتيزم القلب وانا طفل صغير..وفي يوم من أيام الشتاء العاصف المطر.. وهي مشغولة بالخبيز بعيدا.. فقد اغرتني لو ظللت في حجرتي لا أغادرها.. فسوف تشوي لي في الفرن بطاطا وبطاطس وبصل وسمك.. وكل ما أشتهيه.. وراحت تلبسني من الملابس ما جعلني مثل “البؤجة” او كومة ملابس بداخلها طفل.. وأغلقت على باب الحجرة بالمفتاح من الخارج وانصرفت لشغلها.. ومرت ساعة وانا في الحجرة وحيدا اتحرق شوقا للوقوف تحت المطر.. وفجأة سمعت أصدقائي في “الوسعاية” يصرخون: نُط ياله.. إجري.. إحدف.. جدع.. وبمجرد ان فتحت إحدى اخوتي الباب وهي لا تعلم مابيني وبين أمي من اتفاق.. أنسللت من تحت يديها خارجا للوسعاية فتهلل أصدقائي لرؤيتي ورحنا تحت المطر نلعب لعبة اسمها “الخوابير” ونجري في الطين ونزحف ونحن ممسكين بعصي كالبنادق ونهتف: رؤوووووف.. أنا سعيد مهران.. سَلِم نفسك يا سعيد المكان كله محاصر
وبعد ساعتين دخلت بيتنا وأنا لا أقوى على الوقوف مما تحمله ملابسي الكثيرة من ماء وطين.. ورأتني وهي تقف على البسطة وانا في هذه الحال فراحت تلطم وفي عينيها نظرة رعب هائلة.
وذات يوم.. كنت في نحو الخامسة من عمري ادفع أخي الأكبر على الدراجة ذات الثلاث عجلات لنطلع بها مطلع الوسعاية.. وفي النزول اتعلق بين العجلتين الخلفيتين.. لننزل مع المنحدر.. وبينما أخي يبدِّل بقوة نظرت تحت قدمي إلى جنزير الدراجة وتعجبت من سرعته فقلت لنفسي لو وضعت قدمي الحافية عليه.. فأخذها الجنزير معه وبين الجنزير والترس شعرت بقرصة شديدة في أصابع قدمي.. جعلتني أسقط من على الدراجة لأجد الدم يندفع بغزارة.. ورحت أكتم الدم بالتراب وانا ابكي من شدة الألم.. ودخلت بيتنا باكيا اعرج وعلى قدمي الصغيرة كتلة من الطين.. فقالت لي أمي ويدها في عجين تعجنه: مالك؟ فقلت لها اتعورت يا أمه.. فردت: طيب اقعد يامنّيل حتموتني ناقصة عمر.. لما اغسل ايدي واقوم اربطهالك.. ومرت دقائق وقبل ان تنتهي أمي من عجينها وجدت أمامها أحد أصدقائي وهو يقول مادا يده: خدي يا خالتي ام صلاح.. عقلة صباع كمال.. وكانت عقلة الأصبع الذي بجوار اصبع قدمي الكبير من رِجلي الشمال
يرحم امهاتنا المناضلات.. ويسعد أوقاتكم


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى