كتّاب

أكتب عن مأرب لأنها السكينة والسُكنى…..


أكتب عن مأرب لأنها السكينة والسُكنى..

لأنها حارس الأحلام وخالقها..

لأنها الظل في الهجير والمظلة تحت المطر..

لأنها جدار الصد عن القلوب وسلمها إلى النجوم..

لأنها حضن الأم ودفء الوطن..

لأنها نقش في الروح وحجر على رأس الظلام..

لأنها مأرب أكتب..

أكتب برائحة العطر ودهشة الضباب ونعومة الرمل وشغف المطر في ليل مأرب..

بآلة حادة ومخالب نسر وأنياب ذئب أكتب حين يتعلق الأمر بمصيرها وسلامتها..

مأرب ليست مسقط رأسي لأكتب بدافع مناطقي كما يفعل الكتبة بالسواد والفحم، لذلك أكتب بحب وامتنان..

أكتب بلا مطامع ولا مصالح ولا رغبات موجههة..

ليس لدي في مأرب شيء غير شعوري فيها أنني في اليمن، أنها وطني وأن حريتي فيها غير منقوصة ولهجتي غير متهمة بالخيانة..

أكتب لمأرب وهي تأخذ حنان المدن المفقودة وتوزعه علينا كضيوف لا كنازحين كأبناء رحمها لا كأولاد خالة..

أكتب لمأرب بلا تحفظات ولا مخاوف لأنها لا تفتش في خلجات القلوب ولا تتضغن من تداخل اللهجات..

أكتب لمأرب لأنها حرّزتنا بجماجم أبطالها، وحوطتنا بأسرار النقوش في معبد الشمس..

أكتب لمأرب، أكتب مأرب، أكتب للرمل على وجهي، لترابها في فم ابني حبيب، لدم أخي أعلى البلق، لاستبسال الأحرار في أطرافها، لصور الشهداء في شوارعها، لأصدقائي الذين لا ألتقي بهم، لصلاة أمي عكس اتجاه القبلة فوق ثراها الطاهر، لقبور ملوك سبأ وأثر خطاهم على الصخور، للوعول والتيجان وعشق الماء والرمل..

أكتب للأمس القصي، لليوم الاستثنائي، للغد الذي ترسمه بالدم لها ولليمن غير آبهة بالشيطنة والتشويه والخذلان والغل..

أكتب لمأرب، لسبعة ألف سنة، لأعمدة عرش بلقيس، لفم الثور في المحرم، للعرائيس السبئية، ولقصائد السد في الوديان..

أكتب لمأرب، للنخل والبرتقال، لرائحة الليمون وطعم المنقا..

أكتب لمأرب، لبياض الشعر في وجوه الكهول، لوثوب الأسد في سيقان الفتيان، للعيون المأربية الأخّاذة، وللنقش على شاهد القبر أو على كف حسناء في الشارع العام..

أكتب لمأرب التي نتدثر بكبريائها، وننتظر الخلاص من يدها، لمأرب التي تتربصون بها وتنتظرون سقوطها وأنتم تُحدّون ألسنكم كالسيوف، وفي كل مرة تصعقكم بعنفوان القوة والبأس الشديد وتخرج من بين النار كالعنقاء..

أكتب لمأرب بشغف ووفاء وصدق ولكي يغتاظ كل من ينتظر حتفها بحقد جمل وغباء نعامة.

أكتب لمأرب.. أكتب للملاذ الأخير والواعد.


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

عامر السعيدي

أغنية راعي الريح

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى