رسالة الى فضيلة شيخ الازهر…


رسالة الى فضيلة شيخ الازهر
تعلمون فضيلتكم مدى تقديرى لشخصكم الكريم وعظيم احترامى لمنصبكم الرفيع.. ولعل هذا التقدير وذلك الاحترم هما دافعى الأول لكتابة هذه الرسالة من منطلق الحرص على المصلحة العامة للوطن الذى اظن اننا نتقاسمه بنفس القدر.
قرأت ياسيدى تصريحاتكم الهامة حول قضية ضرب الزوجة ومشروعيته وشروطه فى الشريعة الاسلامية وأدرك أنكم اعلم منى كثيرا بشريعة ديننا الحنيف وبأحكامه المستنبطة من القرآن والسنة. لكن ما يشغلنى هنا هو ذلك الأثر الضخم والرهيب الذى تحدثه لدى الرأى العام كل كلمة تتفوهون بها بل وكل حرف تنطقون به فضيلتكم نظرا لقيمتكم الكبيرة فى النفوس وللسلطة الدينية والروحية والمعنوية التى تنعمون بها.
واسمحوا لى فضيلتكم ان أطرح عليكم السؤال الآتى: ما هو فى رأيكم الأثر الذى من الممكن ان ينتج عن تصريحكم هذا وما هى النتائج التى من الممكن ان يستخلصها المؤمن العادى البسيط أو المؤمن المتوسط الثقافة أو حتى المؤمن الذى نال قسطا وفيرا من العلم والمعرفة من هذا الرأى الخطير؟ ما هى فى ظنكم الاصداء التى من الممكن أن تزلزل ضمير مئات الملايين من هذا التصريح الصادر عن فضيلتكم؟
واسمحوا لى أن أجيب من ناحيتى بكل تواضع عن هذه السؤال الهام.. الحكم الشرعى الذى اصدرتموه هو بمثابة تصريح رسمى ممنوح من أعلى سلطة دينية إلى ملايين المؤمنين بضرب الزوجة والاعتداء البدنى عليها عند اول خلاف يدب بينها وبين الزوج او فى حالة رفضها الانصياع لرغباته أو أوامره ونواهيه وربما لنزواته مهما كانت قاسية وظالمة ومجحفة بالنسبة لها. وفى تقديرى المتواضع فإن هذا التصريح من شأنه أن يؤدى الى اضرام النيران فى العلاقات الزوجية وتحويل حياة الزوجة الى جحيم لا يطاق سواء بسبب الضرب او العيش فى مناخ من الذل والخوف.
ألا ترى معى يافضيلة الإمام الأكبر ان تصريحكم يريح ضمائر ملايين الازواج الذين يعتدون على زوجاتهم بالضرب بصفة منتظمة وخاصة فى قرى مصر ومدنها الصغيرة؟
ستقولون لى : رسالتى هى تبليغ المؤمنين بصحيح الدين بغض النظر عن النتائج. حسنا.. اسمحوا لى أن أذهب الى مستوى آخر من النقاش واطرح عليكم سؤالا ثانيا: تعرفون اكثر منى الآية الكريمة التى تقول: ” والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا” وهى آية محكمة تم العمل بها لقرون طويلة ولا زال يعمل بها فى بلاد تعد على اصابع اليد الواحدة. فما الذى يمنع فضيلتكم من المطالبة بقطع أيدى من يسرقون ويضبطون متلبسين بالسرقة وعددهم كبير فى بلدنا كما فى كل بلاد العالم؟
واسمحوا لى ان استغل سماحتكم المعهودة ورحابة صدركم فأطرح سؤالا آخر: تعرفون أكثر منى ان حكم الشرع فى زنا هو الرجم.. فلماذا لا تطالبون بتطبيق الرجم على حالات الزنا؟ قد تكون إجابتكم هى أن القرآن لم ينص على ذلك واجيبكم: حسنا.. لنأخذ بحكم القرآن الكريم الذى يقول ” الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة” فلماذا لا تطالبون بتطبيق حد الجلد على من يسقط فى فاحشة الزنا؟ لماذا لا تبرزون هذه الأحكام كما أبرزتم حكم الشرع فى تحليل ضرب المرأة؟
وسأعطى لنفسى حق الإجابة عن هذه الاسئلة فأقول انكم لا تفجرون هذه القضايا لأنكم تدركون أن دوركم العظيم فى الأمة ليس دورا دينيا بالمعنى الضيق للكلمة فحسب بل هو دور إنسانى واجتماعى رحيم حيث ان الدين أنزل للبشر ليعيشوا فى أمان وطمأنينة.
كما أنكم أعلم منى يافضيلة الإمام الأكبر بان هذه الأحكام كانت ملائمة بل وضرورية فى مجتمع الجزيرة العربية فى عهد الدعوة والخلفاء. لكن ظروف المجتمع لم تعد تتحمل تطبيق هذه الأحكام مع بقائها بطبيعة الحال كأحكام إلهية منصوص عليها فى كتاب الله.
ضرب الزوجة وإهانتها وصفعها على وجهها وركلها بالأرجل لم يعد ملائما لمجتمعنا اليوم حتى مع الشروط التى تفضلتم بإيضاحها من تفادى كسر العظام والضلوع. وأنتم أدرى منى باصطلاح المصالح المرسلة الذى يفتح الباب للاجتهاد ولملاءمة الشرع لظروف المجتمع فى كل لحظة تاريخية مختلفة.
القضية فى نظرى ليست قضية تفسير فقهى او استنباط حكم شرعى. القضية تتمثل فى الأثر الجبار والوقع المدوى لكلامكم على عامة الناس. لقد اصدرتم بهذا التصريح شهادة براءة ورد اعتبار لكل الأزواج الذين يستخدمون قوتهم البدنية لإيذاء زوجاتهم واخضاعهن للأنا الذكورية. بل ان تصريحكم يافضيلة الإمام الاكبر يضفى شرعية على استباحة جسد المرأة وكأنها عبد مملوك لزوجها.
وأنا أعلم من غيرى ان كل هذه النتائج الوخيمة بعيدة كل البعد عن نفسكم الطاهرة وعن أخلاقياتكم السامية. ومن هذا المنطلق أطالب فضيلتكم بتوضيح الأمر بما لا يدع مجالا للشك وغلق أى باب يتذرع به الزوج لضرب زوجته وإيذائها على أساس ان ديننا الحنيف يمنحه هذا الحق.
وتفضلوا بقبول أسمى آيات الاعزاز والاحترام لشخصكم الموقر

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version