كتّاب

عن الموت في باريس والموت في تعز…..


عن الموت في باريس والموت في تعز..

نحن، أيضاً، أمة في حرب.
مروان الغفوري
ـــــــــ

يتحدث المثقفون الأوروبيون عن حرب مع البربرية، تلك العدو الواضح غير المرئي. وبينما يقول ريتشارد هاس، أحد أهم رجال بوش الإبن، إن تلك حرباً لا بد وأن تصل إلى غايتها. يذهب دومينيك مويسي، المفكر الفرنسي المعروف، إلى أن تدمير مقاطعات تنظيم الدولة “داعش” في العراق وسوريا وليبيا وسيناء لا بد وأن يكون الهدف رقم واحد. سيطرة التنظيم الإرهابي على الأرض يعطيه ملجأ وميادين للتدريب، يعتقد مويسي، وأن “النعال على الأرض” هي الحل الجذري للمسألة، أي الحرب البرية. يتفق الأمريكي والفرنسي، بطريقة ما، على فكرة مركزية: إن الأسد هو الوسيلة التي تستخدمها داعش لجلب الأنصار. لا بد أن يذهب الرجُل، يعتقد هاس، إذا أردنا أن نسيطر على ميدان المعركة مع الإرهاب.

في الأيام الأخيرة نشرت صحيفة “نيو ستريت تايمز” الماليزية تقارير متعددة عن حركة داعش في جنوب شرق آسيا: الفلبين، أندنوسيا، ماليزيا. أحدث تقارير الصحيفة كانت عن خلية سنغافورية أسست لفرع جديد لصالح تنظيم الدولة. ينتعش داعش، وتصير القاعدة شيئاً فشيئاً جزءًا من الماضي.

تتحرك داعش في فراغ من القيم الكُبرى، من المركزيات الأخلاقية، معطية أفرادها فرصة للبطولة وحتى فرصة لمعالجة الاكتئاب، كما تعتقد الكاتبة أبل باوم في الواشنطون بوست. غير أن داعش، التي تطورت عن القاعدة، لم تأت كاستجابة لما بعد الحداثة، بسيولتها المُرة وانهيار المركزيات والسرديات الكُبرى وحسب، بل لأبسط من ذلك. هي ظاهرة خارجة من الحروب. في الدول المستقرة تعيش داعش على هيئة خلايا صغيرة جوالة تختبئ في الأدغال، كما في جنوب شرق آسيا. مع انهيار الدول، بفعل الحروب أو الديكتاتوريات، يصبح لداعش معسكرات ثم حواضر، كما يجري في ليبيا وسوريا والعراق. كانت داعش لتبقى مجرد أحلام صغيرة في عقول بضعة من المنحرفين نفسياً، كأحلام المعجبين بظواهر المافيا والتجارة السوداء في أميركا والصين وروسيا، فيما لو لم يكن المالكي والأسد والقذافي، أعني أنظمتهم، قد حكموا البلدان.

تقارير أوروبية عديدة قدرت الأوروبيين المنضمين إلى داعش بعدد أكبر من ٢٠ ألفاً. نشر بعضهم فيديوهات على اليوتيوب ينصحون من خلالها مواطنيهم الأوروبيين بالانضمام إليهم في أرض الجهاد. بعضهم قال بشكل واضح: هنا تجد المعنى، ويمكنك معالجة الاكتئاب والضياع. بالنسبة للجهادي الأوروبي فهو يفر إلى الجهادية من الضياع الحضاري، باعتقاد أبل باوم. أما الجهادي العربي فهو يفر من العدمية الحضارية، من الحروب التي تشن عليه، إلى حروب يصبح بمقدوره شنها. هذا التفسير العملي لنشوء داعش يقف خلفه مفكرون عرب عديدون.

تنظيم الدولة ليس الشكل الوحيد للبربرية. يمثل تنظيم الدولة صورة الإرهاب السني العابر للحدود والمتعدد الجنسيات. بينما انحصر الإرهاب الشيعي في الشرق الأوسط، خطاباً وفعلاً. في فوضى الشرق الأوسط عرض الإرهاب الشيعي خدماته على العالم المتحضر، مقدماً نفسه كترياق لمواجهة الإرهاب السني. تماهى الحوثيون، في اليمن، مع الفكرة وصنفوا ٧٠٪ من الشعب اليمني ك”داعش”، وصولاً حد اعتبار رئيس الجمهورية رئيساً لتنظيم داعش في اليمن، كما قال ناطق الحوثي. صالح، وهو أحد رجال الطائفة التي يمثل الحوثي أعلى هرمها، حضر مؤخراً عزاء الإرياني، وهناك قال لوسائل الإعلام إن تنظيم داعش هو من صنع ثورة ٢٠١١. لم يفلح صالح والحوثي في ذلك التمويه. إذ عندما تطل من الأعلى على اليمن لن ترى سوى مدفعية الرجلين تدك المدن، وتشكيلاتهما العسكرية تفجر المنازل، وتزرع الألغام. قبل أيام قتلوا عبد السلام الشميري، رجل أعمال ومصلح اجتماعي، في غرفة نومه، وفخخوا منزله. عرضوا جثة رجل يملك المصانع، ويؤلف الكُتب، كجثة إرهابي.

تمالأ الأوروبيون مع الحوثيين في اليمن بينما كان الأخيرون يقوضون السلم الاجتماعي ويدمرون البنية الهشة للدولة ويخلقون ثارات اجتماعية وطائفية وتاريخية بلا حد. حدث أن راكم الحوثيون في رحلتهم القصيرة من صعدة إلى صنعاء، والطويلة من صنعاء إلى عدن، كل عوامل اللااستقرار الاجتماعي، أي الأرض الملائمة لنشوء تلك الظواهر الشبيهة بداعش. وبحسب مؤسسة أبعاد فقد تسببت حركة الحوثيين خلال العام ٢٠١٤ بمقتل سبعة آلاف يمني. ذلك العدد من قتلى حروب الحوثي، تحت مرأى من سفارات العالم المتحضر في صنعاء، بلغ زهاء ٥٦ ضعف من قتلتهم داعش في باريس. بدت القاعدة في جزيرة العرب، مقرها اليمن، ضئيلة الفعل والحجم بالنظر إلى الويلات التي أنتجتها حروب الحوثي الداخلية ذات البُعد الديني.

البربرية لا تكون كذلك إلا حين تصيب الرجل الأبيض، حامل عبء البشرية كما تقول القصيدة الخالدة لكيبلنغ. تسلل الحوثيون عبر تلك المعادلة فقتلوا اليمنيين. وبالموازاة التقوا الأوربيين في صنعاء وتحدثوا إليهم عن التسامح والعيش المشترك. يصرخ مثقفون أوروبيون وأميركان: نحن أمة في حرب، ولا بد أن نخوض تلك الحرب بشجاعة وشكيمة وصبر حتى نهايتها. عندما صرخ مجموعة من المثقفين اليمنيين بالطريقة نفسها لم يُستمع إليهم، أو اعتبروا دُعاة حرب أهلية.

لا يمثل الحوثيون أي مرجعية قانونية، وهم قادمون من خارج السياسة ومن خارج الدولة. يرتكزون، كلياً، على قدراتهم العسكرية وعلى تجنيد إجباري للمهزومين. من الطائفة والمهزومين شكل الحوثيون جيشاً كبيراً هدوا به المُدن متسببين في نشوء كارثة كبيرة.

الحرب في سوريا شغلت بال الأوروبيين، مؤخراً، لأنها دفعت بملايين اللاجئين إلى القارة الغنية، ومكنت حفنة من الإرهابيين من تقويض دالة الأمن في أوروبا. ستصبح حرب اليمن بالقدر نفسه من الأهمية فيما لو فعلت ذلك، لكنها حتى الآن لا تضر سوى العربية السعودية وشعب اليمن المهمل والمتروك. ٤٠ ألف قذيفة سقطت على مدينة تعز، على أقل تقدير. لكن تعز ليست باريس. والإرهاب لا يكون كذلك إلا إذا خطأ اختيار ضحاياه!
الصحف الأوروبية، البريطانية تحديداً، تصير صحفاً شديدة الصفرة عندما تتحدث عن السعودية. الحرب في اليمن تأخذ موقعاً مركزياً في الصحافة الانجليزية، وقد عدت صحيفة الغارديان شراء السعودية لأسلحة من بريطانيا “عاراً”. بينما كانت الآلة الحوثية تسحق كل الآثار المعمارية التي تركتها بريطانيا في عدن قالت صحيفة الغارديان إن الطيران السعودي لا يجيد شيئاً مثل إجادته لقتل اليمنيين في عدن.

لا يختلف الحوثيون عن داعش. فهم جماعة دينية تعتقد بالتخويل الإلهي، وتحمل السلاح في طريقها لاستلام الأرض الموعودة. الدول الغنية، المجاورة لليمن، صنفت جماعة الحوثي كخطر. بنفس ميكانيزم حرب الأوربيين على داعش في العراق وسوريا يخوض اليمنييون والعرب حرباً ضد الحوثيين. ما إن ينفذ الحوثيون عملية إرهابية واحدة داخل الأراضي الأوروبية حتى يصبحوا جماعة إرهابية للتو. اليمنيون، وجيرانهم، تعاملوا مع المعضلة التاريخية بما تستحقها من الشجاعة والانتباه والحزم، ووضعوا الحوثيين في قائمة الجماعات البربرية وخاضوا حربهم الحضارية ضدها كما تفعل أوروبا مع داعش. الانتظار حتى يملك الأوروبيون فكرة كافية عن بربرية الحوثيين سيكلف الجزيرة العربية دَيناً كبيراً سيصعب سداده مع الأيام.

عاد تودنهوفر، الصحفي الألماني، من العراق بعد لقائه بقادة داعش، وكتب:
“ليس لدي أي فكرة لماذا لا يملك الساسة الأوربيون أي فكرة عما يجري في الشرق الأوسط.”

ـــ

عن الوطن القطرية

ملحوظة.
هذه أولى مقالاتي في عامي الجديد..

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫31 تعليقات

  1. داعش….فئه سوف تاخذ نصيبها الان وغداً سوف تكون من التاريخ….مثلها مثل غيرها من الجماعات ومن الافكار الضاله في العالم . .

    لكن لا يعني ان لا نقف في طريقها…

  2. انحياز واضح وانعدام الحيادية هي ما تجعل اول مقالاتك ليست ذو معنى او فائدة، فالصحف الاوربية التي وصفت لب المشكلة سميتها بالصحف الصفراء وعدوان العرب البربري على اليمن تسميه حرب حضارية، هههههه، فعلا ان لم تستحي فقل ما شئت، الغرب اعلم بمصلحته وانت تقراء الصورة بالمقلوب.

  3. راقت لي وابكتني. ذاهب للعزاء في باريس ….!
    _________________
    هممت أن أذهب إلى باريس .. فهنالك بشر ماتوا ، وكنا نرغب أن نذهب إلى فرنسا لنقوم بالعزاء ..
    ولكن للأسف شغلني أطفال سوريا .. فعندنا لم ينته العزاء ..
    هممنا بالذهاب إلى باريس لنعزي في المئتين كرقم نهائي ، ولكننا شغلنا بتعداد شهداء سوريا الذين لا نهاية لإحصاء قتلاهم ..
    كنا سنحضر مراسم الدفن ، ولكن الدفن في سوريا بلا مراسم ، حيث يدفن الناس في مقابر جماعية ..
    كنت سأعزي في قتلى لا أعرفهم في فرنسا .. عذراً .. شغلني عنهم أولاد عمي وأبناء عمومتي وابن اختي وعشرات من أسرتي ورفاقي ..
    كدت التفت إلى باريس في محنتها .. ولكن صم آذاني محنة الغوطة وحمص وحماة وحلب وداريا والزبداني..
    قيل لي برج إيفل شهد مجزرة .. لم أدرِ ما هو “إيفل” هذا ، فأنا مشغول بالمسجد العمري والأموي وابن الوليد .. فهم يشهدون المجازر من خمس سنوات ..!
    وإن ضجّ العالم لباريس .. فإن الغوطة تذبح بصمت ، والرقة تذبح بصمت ، والدير تذبح بصمت ، والوعر تذبح بصمت ، وحلب تذبح بصمت .. وسبق أن دمرت حمص ، وداريا ، والمليحة ، وجوبر، والزبداني.. ولم يضج لها أحد ..!
    فإن كنتم تبكون المسرح .. فأنا أبكي المساجد ..
    وإن كنتم تبكون الملعب .. فأنا أبكي المدارس ..
    وإن كنتم تبكون البرج .. فأنا أبكي المآذن ..
    وإن بكيتيم مئتين .. فأنا أبكي مئات الآلاف ..
    أبكي أطفالاً ، ونساءاً ، وشباباً ، وشيوخاً ..
    أبكي أمة بأسرها قتلت وذبحت ونكّل بها ، ولم يأبه لها أحد ..
    ..
    وأقول لفرنسا -لأولاند- لمن سأل كيف جاء الإرهاب إليهم :
    لا تظن أن الإرهاب جاء من عندنا إليكم .. عذراً أوروبا- إنه يعود إلى قواعده .. يرجع من حيث أتى ..

  4. للأسف الغرب يشجع الإرهاب الشيعي بالمنطقة بقوة مثل تسليم العراق للملشيات الطائفية وسوريا ولبنان واليمن كانت قاب قوسين أو أدنى ؛ تحية لك ولمقالك الرائع

  5. هذا المقال ليس لنا ولكن للغرب اتمنى ان يتم ترجمته ونشره في احد الصحف الغربيه مثلا صحيفة الجارديان لانه لايضيف لنا نحن اليمنيين اي جديد لكن المقال هو محاوله موفقه منك اخي Marwan Al-Ghafory لاقناع الراي العام الغربي باننا نعاني من الحوثيين مثل مايعانوه من القاعده واخواتها مع الفارق انهم يعطوا لانفسهم الحق في محاربة التنظيمات الارهابيه التي تهددهم وبالمقابل يتحاورون مع التنظيم الارهابي الذي يهددنا المتمثل بتنظيم الحوثي وانت بالفعل عقدت مقارنه في رايي منطقيه وربما لو قرأها كاتب غربي بلغته سوف يتفهم مانعانيه واننا وهم في الهم واحد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى