أعداؤك يا وطني…


أعداؤك يا وطني
الموضوع الثاني
ما بين عامي 1919 و 1952 تشكلت في مصر نواة لطبقة برجوازية أفرزت ليبرالية وليدة، وفي ذلك الزمان تراجع دور الشيخ تراجعاً كبيراً بل ومهينا، وكان الشيخ هو محل عمل كثير من ألوان الكاريكاتير في المسرح والسينما والصحف ، كان توجيه السؤال الاستنكاري لأي محاور “هوه أنت فقي؟” يعتبر إهانة شديدة ، فهو استنكار تصغيري يشير إلي العقلية الحافظة علة الجمود والببغائية، هو أيضا سخرية مرة من العاملين بشئون الدين علي العباد, صاحبها وعي شعبي واسع بدور رجل الدين في التخلف أمام دنيا متسارعة . في ذلك الزمان كان الأزهر هو المكان الوحيد الذي يكفل لطلابه مع العلم الديني ، كل سبل المعيشة من إقامة وجراية (طعام ) وكُسوة ، جلبا لزبائن حال الفقر بينهم وبين التعليم المدنى ، فكان علي المستوي الطبقي ملجأ عاماً للمعوزين والمعدمين وبخاصة ذوي العاهات منهم. حتي غفر يوليو 1952 ليقيموا شرعيتهم علي التحالف مع الازهربعد تصدع تحالفهم مع الإخوان ، وإعلاء شأنه حتي يكون مصدراً محترماً يكسب حكمهم الشرعية . وانتهي المشروع القومي بهزائم منكرة انتهت بقيام الصحوة الاسلامية لابارك الله فيها ،علي أنقاض المشروع القومي المهزوم. ومع الصحوة عاد الشيخ إلي الصدارة بقوة أعطته مساحة تسلط علي العباد لم يسبق أن حازها من قبل خلال تاريخه. وهو الامر الذي ساعدت عليه تقنيات الإعلام الحديثة من صحف وتلفاز ومذياع، وهو ما كان في بلادنا في معظم زمن مبارك من حق الحكومة وحدها تصوغه كيفما تشاء، لكنها – لحسابات سلطوية بحت ، وبقصد قطع شعوبنا عن الحداثة – بدلا من أن تصوغه تركت هذه الصياغة لحلفائها من مشايخ سلفيين أو إخوان أو أزاهرة سداحا مداحا، مما انتهى إلي تحقيق أغراض الحكم الاستبدادي بضياع عقل الوطن وعته المواطنين وخبلهم الديني ، بينما أصبح الدين أسهل مطية لكل من يريد أن يركبنا، ويعمل علينا شيخ ، حتى غصت بهم شوارع مصر مع منقباتهم حتى صاروا أكثر من الذباب .

وكان للظرف الموضوعى دورة الفصيح فى نشوء طبقة رجال دين فى الأسلام منذ فجرة، عندما اعتمد المسلمون على حفظ القرأن كنتيجة طبيعية لانتشار الأمية والجهالة زمن الدعوة ، إضافة إلى صعوبة قراءة القرأن لعدم تنقيط الأحرف ولا تشكيلها بعلامات مميزة ولا تحريكها حسب القواعد اللغوية التي ظهرت بعد ذلك بزمان ، مما جعل مثل هذة القراءة بدون شيخ معلم وملقن ومرشد تكاد تكون غير ممكنة بالمرة ، ومن ثم ظهرت طبقة القراء التى اسست من بعد لطبقة رجال الدين التى احتكرت الفهم والتفسير بحكم الأستاذية . وإبان الصراع السياسى فى الفتنة الكبرى وما تلاها من فتن ، أمكن لهؤلاء اكتساب القداسة بمبدأ كان مرفوضا زمن الدعوة وزمن الخلافة الراشدة ، وهو تدوين السنة ، مع اختراع الأحاديث النبوية حسب الطلب وبالقياسات المرغوبة ، أصبح لهم مهمة مقدسة إضافية هى تفسير القرأن بالحديث . ومنذ شرع الخليفة عمر ضرب عنق من يختلف مع الستة المرشحين للخلافة من بعدة ، أمكن بالقياس أن يصبح هذا الجزاء بجز العنق من عرشة ، من نصيب من يدلى برأى غير ما يقول بة اهل الدين من حلفاء السلطان ، فصلبوا الحلاج وقتلوا السهروردي وذبحوا الجعد بن درهم قربانا تحت محراب المسجد بعد صلاة عيد الأضحى ،واضطهدوا مؤسسي علوم الفقه وأصحاب المذاهب حبسا ونفيا وجلدا وهم الأحساب الأنساب للإسلام .
وخلال الفترة القريبة من متغيرات نصف قرن أو يزيد قليلاً ، أثبت المشايخ علي طول الخط أنهم لا منشغلين بالناس ولا حتي بالدين، إنما كانوا مع مصالحهم وحلفهم السلطاني، وهو الحلف الذي تدني بهم إلي حد استخدام الدين بانتهازية ورخص وابتذال ، لتبرير كل المتناقضات للسلطان ، كي تدوم إنعاماته ورضاه علي أهل حظوته من مشايخ .
عندما كانت مصر ملكية كانوا يهتفون والإخوان أمامهم ” الله مع الملك” ، وعندما دارت الأيام وجاء الزمن الناصري اكتشفوا أن الإسلام هو الذي أسس للاشتراكية، وخوطب النبي محمد ” الاشتراكيون أنت امامهم” ، وفي الزمن الساداتي اكتشفوا أنهم كانوا مخطئين في فهم الدين خطأ فادحا علي النقيض الكامل من مقاصده، لانه دين اقتصاد سوقي مفتوح حر، دين جعل الناس درجات وطبقات . كذلك كان موقفهم عندما كان السلطان يريد حربا، وكيف ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله كأنهم بنيان مرصوص، ومع توقيع كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عادوا فاكتشفوا بالرسوخ في العلم أن رسوخهم الأول كان باطلا،لأن الله قد أمرنا أمراً واضحا أن نجنح للسلم إن هم جنحوا لها .
وهكذا يكتشف المسلم أن منظومته المقدسة هي الأشد تعرضا للانتهازية والاستغلال ، من مشايخ يعلنون أنهم أهل هذا المقدس وحماته. وأنهم بدلا من أن يصونوا دين الله بابعاده عن العبث والخطأ والطمع البشري، فإذا هم من يضيفون إلي شرع الله ما ليس فيه، ثم يكتشفون خطأ اضافتهم في كل مرة، ليعودوا يصوبون ويضيفون المزيد، ان مثل هذا التدخل في المقدس هو تدنيس له، ويشير الي أن مشايخنا يشتهون النبوة، أو بعضها.
#سيد_القمني
#ادمن يوسف


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version