كتّاب

وشعراء العراق…


وشعراء العراق

قبل أربع سنوات، كانت لدي صداقات كثيرة مع شعراء العراق.

كنت لا أعرف إلا أنهم من العراق وشعراء أيضا،وكونهم من العراق كنت أودهم وأحترمهم كثيرا، قبل أربع سنوات، أول الحرب تماما.

ومنذ ذلك الحين خسرت أغلب صداقاتي مع الشعراء العراقيين، أو بالأصح خسروا.

لم يكن يخطر ببالي أبدا أن أحدا منهم سيكرهني لأنني كنت أكتب ضد تدخل إيران ودعمها للميليشيا في اليمن، أو أن يخاصمني بدوافع انحيازية تالفة لفظها العقل البشري كما يلفظ البحر الموات والجيف، كما لا اعتبارات لها أمام قداسة الوطن والإنسان.

رويدا رويدا ذهب أولئك الشعراء في حال سبيلهم، منهم من خاصم بفجور، ومنهم من جفا وانكمش، ومنهم من ألغى الصداقة أو حظر وهجر، ومنهم من لا يزال صديقا افتراضيا لا يلقي التحية ولا يردها.

حزنت حينها، ليس لأنهم فعلوا ذلك، ولكن لأنني كنت ساذجا لدرجة لم أكن أتوقع معها أن أسبابا مذهبية أو سياسية قد تدفع الشاعر للتضغن والاستعداء خارج حدود القصيدة والجغرافيا.

طالت الحرب، وتكاثرت الأنياب والمخالب حول جثة اليمن، وحاولت إيران ولا تزال استنساخ تجربتها في بغداد داخل صنعاء، نجحت نسبيا بفضل حماقات وتربص الدول الخليجية باليمن بعد أن عملت تلك الدول على إحباط وضرب أي محاولة للخلاص،الدول نفسها فعلت ذلك مع العراق سابقا، تربصت ومكرت بالعراق حتى صار أنقاضا، وأصبح مستنقعا للطائفية والموت،ومعسكرا للحرس الثوري الإيراني بعد أن كان صخرة الله التي كسر بها رأس كسرى.

المهم، قبل أيام خرج العراقيون كما لو أنهم فيضان النهرين، خرجوا في أمواج بشرية هادرة، انتفضوا ضد ضياعهم،أو عادوا إلى جذورهم الضاربة في التاريخ والكبرياء، رفضوا الموت والفساد والاستبداد الطائفي والسياسي، أغلقوا الباب على غبار الماضي وأشرعوا نوافذهم لرياح العراق، العراق العظيم وحده لا شريك له ولا لهم، ومع كل العراقيين خرج الشعراء أو أغلبهم رافضين ما رفض الشعب بما في ذلك إيران وأدواتها، وحاملين علم العراق ونور القصائد،لتكتمل بهم صورة التقاء الثورة والقصيدة، كمشهد لا تشوبه سذاجة وعاطفة أولئك الشعراء العقلانيين الذين انبروا لتقديم النصائح لسعار الثوار وسعيرهم وهم يحرقون قداسة المرشد الأعلى وصورته وعلم امبراطوريته وقائمة أطماعه في عراق الجبارين، واعتبر بعض الشعراء أن ذلك نزقا ثوريا واستفزازا لمشاعر الآخرين،والآخرون هنا هم بعض أعداء العراق،إيران تحديدا، تلك النار التي اندلعت من المعبد المجوسي لتلتهم العراق الذي ابتلع عرش فارس للأبد.

تحية لشعب العراق، ولشعراء العراق الذين لا شك أنهم الآن يدركون جيدا معنى أن تستيقظ يوما وقد أصبحت بلادك حوزة خامنائية أو سجادة فارسية تحت أقدام المحتل والغاصب.

لقد أوجعنا ما أوجعكم يا رفاق، وعز علينا أن تفقد صنعاء حمرة الياجور وبياض الرخام وغنج الجميلات والأغاني، وأن تخرج من نفسها وأنفاسها، وتحمل سوطا غريبا تضرب به ظهرها،وأن ترتدي سواد المرجعية والرجعية بدل دهشة القمريات وبياض العيون الناعسات،وتستبدل حمرة العلم الجمهوري بالدم والنار.

لا يهم إن كنتم تشعرون الآن بنا أم لا، المهم أننا نشعر بكم وبالعراق، ونلهج باسمها باعتزاز، ونتابع أخبارها بشغف، وننتظر خلاصها وندعو لها بحب،نربّت كل صباح على كتف المتنبي جدنا العظيم وهو يقف كالألف في اسم العراق.

لن يقرأ أحد منكم قصائد شعراء اليمن للعراق، اليمن التي لم ترها قصائدكم وهي تنزف، ولن يهتم أحد لتفاعل نشطاء وكتاب اليمن وهم يتناقلون صوركم في التحرير كانها لوحات دافنشي، ولن تلتفت عراقية واحدة لاعتزاز اليمنية المنسية بالماجدات في الشوراع، كما ولا تفرق مغ يمني شغوف بالعراق أن يسمع أحد أو لا يسمع هتافه مع السياب عراق عراق.

وفي الأخير..
نحن نحب اليمن كما تحبون العراق.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

عامر السعيدي

أغنية راعي الريح

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى