توعية وتثقيف

البراجماتية…


البراجماتية

فى حديث مع مهندس أعرفه قال الرجل الطيب إن مصر خسرت الكثير فى حروبها، وكان من الأفضل لها أن لا تحارب بل “تتفاهم” مع أعدائها. ذكرت له من باب المقارنة أن الإتحاد السوڤييتى ضحى بأكثر من ٢٥ مليون مواطن فى سبيل النصر . رد ببراءة مذهلة: “ما هذا الغباء؟ لو إستسلموا لما ضاعت كل هذه الأرواح.” لن أناقش مفهومه للكرامة الوطنية، (سأترك للقارئ الحكم على ذلك،) لكنها وجهة نظر شائعة، و تعكس عدم فهم للنفسية الروسية يكلف البشرية ثمناً باهظاً.

الأجانب يبنون سياساتهم تجاه روسيا على أساس أنها ستتصرف كما سيتصرفون هم لو كانوا فى مكانها. لكن هل سيحدث هذا؟ دعنا ننظر إلى التاريخ لعلنا نجد فيه بعض الإرشادات.

فى الحرب العالمية الثانية غزت ألمانيا معظم دول اوربا. وقاومت بعض تلك الدول أسبوعاً أو أسبوعين إلى أن أدركوا أن المقاومة ثمنها غالى، فإستسلموا لكي يعيشوا. أما الروس فلم يستسلموا، بل قاتلوا وماتوا بأعداد هائلة لإعطاء بلدهم فسحة من الوقت لبناء جيش يستطيع تحقيق النصر. وكان النصر نصراً ساحقاً لا شك فيه، و حققوه وحدهم بلا مساعدة من أحد، (ولا تصدق الدعاية التى توهمك بغير ذلك.)

لماذا لم يستسلم الروس كما إقترح صاحبنا؟ لا أعرف! لكن يمكننا أن نناقش بعض الفرضيات –
* هناك فرضية تقول إن سبب صمود الروس فى الحرب هو النظام الستالينى المستبد الذى أرغمهم على القتال والموت ضد إرادتهم. قد تبدو هذه الفرضية القبيحة ممكنة من حيث المبدأ، إلى أن نتذكر أن الروس كانوا قد فعلوا نفس الشيئ فى مواجهة بوناپرت فى زمن لم يكن هناك فيه لا ستالين ولا شمولية. (فضلاً عن ذلك، فكرة أنك يمكن أن “ترغم” شعباً على الإنتصار هي فكرة عبثية.)
* فرضية أخرى تقول إن الروس لم يعرفوا العبودية فى تاريخهم، ولهذا رفضوها حتى لو كان الموت هو الثمن. مرة أخرى لا يمكن الجزم بهذا نفياً أو إثباتاً. من ناحية – كان نوع من العبودية (serfdom) موجوداً فى روسيا حتى ألغاه القيصر Alexander III. من ناحية أخرى – تلك لم تكن عبودية لمحتل أجنبي.
* هناك أيضاً فرضية تقول إن طبائع البشر تختلف من جنس (race) لآخر، مثلما هناك أنواع من الأحصنة قابلة للترويض، وأنواع أخرى غير قابلة. هذه وجهة نظر غير مستحبة لأنها تفتح الباب لفكرة أن هناك شعوب أفضل من شعوب، وهي فكرة مرفوضة.
* أخيراً – يجنح البعض إلى التكهن بأن الحياة فى المجتمع السوڤييتى كانت تعيسة إلى درجة أن الناس كانت تبغى الموت. هذه الفرضية، مثلها مثل الفرضية الأولى ناتجة عن الكراهية العقائدية والعرقية ولا تجدى مناقشتها.
* ربما هناك فرضيات أخرى لم أفكر فيها …

خلاصة الكلام – لا أعرف لماذا لا يقبل الروس الإستسلام، لكن التاريخ يدلنا على أن هذا هو “سلوهم.”

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫10 تعليقات

  1. The answer is their culture and National Pride, To understand their resistance and sacrifices, we need to study the literature, Music and Poetry of Russia, they call their country ; our holly mother, that is why, I guess my Professor.

  2. فرنسا العظمى استسلمت للنازي وأعلنت باريس “مدينة مفتوحة” وعلق الألمان الصليب المعقوف على “قوس النصر” ونظم النازيون عرض عسكري في أكبر شوارعها “الشانزليزيه “، مشاهد لا يمكن تخيلها أبدا تحدث في موسكو لمن قرأ تاريخ روسيا و تعرف على ثقافة شعبها.
    أعتقد أن الفرضية الوحيدة لتفسير عدم استسلام روسيا هي “حب الوطن”

  3. موسكو خضعت للحكم التتري، وبالتالي فقد تم احتلال روسيا في فترات حالكة عبر تاريخها. ستالين فهم أول غزو هتلر لروسيا أنه قد انتهى لدرجة أنه قضى ليلة طويلة يشرب ويسكر من فرط صدمته، بيد أنه حارب بعدها بطريقة الاستيعاب، فجعل الجيش النازي يدخل قدر الإمكان في روسيا، ولولا غباء هتلر وعدم احتلال أوكرانيا في الوقت المناسب (لحرمان الروس من القمح) وتوجيهه قواته نحو موسكو لاختلفت كفة الحرب. الجيش الأحمر كان مبعثرًا ولم تكن هناك وطنية يمكن الحديث عنها حتى حدثت تلك الحرب التي سميت بالحرب الوطنية العظمى، وروسيا فعلا هي البلد الوحيد الذي انتصر على هتلر (فقد احتل فرنسا وهزم بريطانيا). وكما تفضلت، فالروس- كالعرب وشعوب شرقية أخرى- لا يعترفون بالهزيمة. كما أنهم أكثر ميلًا للديكتاتورية، أو أن يحكمهم ديكتاتور.

  4. لماذا فكرة ان فيه شعوب افضل من شعوب مرفوضة؟
    هل سيادتك تقصد بلاش نتكلم عنها افضل علشان ربنا حليم ستار؟
    ولا مرفوضة علشان دي فكرة خاطئة؟
    ————-
    الحقيقة إن فيه شعوب فعلاً أفضل من شعوب … تحليل الأسباب صعب ولكنها حقيقة دامغة …
    زي ما احنا شعب منهزم داخليًا على مر السنين،
    علشان كدا سنوات السكرة ونشوة النصر والكرامة اللى عاشها الناس في ظل عبد الناصر لايزال يحلف بها كل من عاشها..

  5. صديقك الطيب ربما غاب عنه ان التفاهم مع عدو طامع لن يزيده سوى طمعا وابتزازا وفي النهاية لن يفضي التفاهم سوى عن فرض شروط تعسفية تنتقص من إستقلالك ذاته ..
    الدولة المصرية مثلا “تفاهمت” مع التيارات الإسلامية ونتج عن هذه التفاهمات إنتكاسة إجتماعية هائلة لازلنا ندفع ثمنها الباهظ حتى الآن وأثرت بشدة في الهوية المصرية ذاتها .. فضلا عن إغتيال من إبتدع صيغة التفاهم

  6. أعتقد إن للجغرافيا والمناخ دور كبير في الثقافة. الحياة في روسيا حياة شاقة، وبالتالي هي حياة دفع ثمنها أجيال، وهي أبعد ما تكون عن الرفاهية. لا يقدر قيمة الأرض إلا من يدفع ثمنها يوميا من أجل أن تعطيه الحياة، ويبدو أن ارتباط الشعب الروسي بالأرض والوطن متأصل، غير أنهم شعب غير مخالط، ولم يتم احتلاله مثل الشعوب الأخرى، ولذا اعتزازهم الشديد بقوميتهم وثقافتهم، ويبذلون النفيس والغالي للحفاظ على هويتهم وقوميتهم، ولهم مني كل الإعجاب والتقدير.

  7. Great analysis Dr Farid Matta , also we should not ignore couple of reasons such as the religious factor even though Russia under communist it is still the leader of orthodox Christian , -the second reason is leader of the country has huge effect to convince his people to gave up or continue the war , at the end the results of any war could be a combination of multiple reasons and factors including Luck

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى