توعية وتثقيف

هي الثورة –  


الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ، آيةٌ يجب أن يُضاف إليها «ولكن ليس في لبنان، والعراق وفلسطين والسودان».

ما نراه اليوم على الطرقات وفي الساحات، أكبر دليلٍ على أن المرأة أصبحت جاهزةً لتسلّم زمام الأمور.

آيات الماضي «الإلهية» تدحضها نظريات الحاضر العلميّة. فها هي المرأة تقود نفسها بالكيان، بالمكنون، بالسابق واللاحق…

ها هي تعتلي الكرسي بأكتافٍ صلبة، تطرق بمطرقة العدل ليصدح صوت الحُكم باسم الضمير… لا من يقوم عليها… بل هي من تقوّم المجتمعات.

هنا نجح التطور الفكري بتعديل الآية لتصبح: «الرجال والنساء» قوامون على الوجود وعلى الحضارة البشريّة… المرأة اليوم أمست هي اليوم كلهُ.

لم تكن المرأة العربية، على مرّ السنين، شريكةً حقيقةً ولم تساهم في صناعة القرار منذ نشأة البلدان العربية في شكلها الحالي، أي بعد خروج جيوش الانتداب الفرنسي والإنجليزي.

والسبب لا يعود لعدم قدرتها أو حتى عدم محاولتها خوض تجربة الترشّح للانتخابات، بل لأنها لم تُعَطَ أي فرصةٍ بسبب تخلّف المجتمعات الذكورية والعقلية الرجعية المتفشية في المجتمعات الشرق أوسطية.

برأيي أن المرأة اليوم قادرةٌ على استلام دولةٍ فاسدةٍ وتحويلها إلى دولةٍ قويةٍ ناجحة.

فهي لا تميل إلى خوض الحروب والقتال، لا تريد إثبات كبر حجم عضوها التناسلي ومقارنته مع غيره كما يفعل معظم الحكام- مجازيًا وفعليًا -هي لا ترغب بالسلطة كي تتحكّم بالناس وتحقق مآربها الشخصية.

المرأة تتمتع بصفاتٍ تجعلها أفضل من الرجل في الحكم، كطول البال والقدرة على الاستماع إلى الآخر، كالتفهّم والمسايسة والدبلوماسية.

كلّ هذه النقاط التي كانت تُحتسب كنقاط ضعفٍ هي في الحقيقة ما يجعل المرأة أقدر من الرجل خاصةً في الظروف الصعبة التي تمرّ بها بلداننا.

لا يخفى على أحدٍ ما يحصل في شوارع العراق ولبنان اليوم. ثورةٌ شعبيةٌ على الفساد والظلم وعلى سنواتٍ من القمع الممنهج. ولكن الجديد في هذه الصورة، بروز دور المرأة على أرض المعركة، فالنساء من كل الطبقات الاجتماعية والمستويات العلمية، توجّهن إلى الشارع لأن الكيل قد طفح.

بإمكاني أن أذكر عدّة أسماء برزت في الفترة الأخيرة، فعلى سبيل المثال، تعمل جومانة حداد، الكاتبة والناشطة المعروفة، يدًا بيدٍ مع الثوّار من الشباب والشابات الذين يسعون إلى التغيير، فنراها تقود المسيرات وتستغلّ شهرتها على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الوعي ولحثّ الناس على النزول إلى الشارع، خاصةً النساء، للمطالبة بحقوقهن كإلغاء الأحكام الشرعية فيما يتعلّق بالزواج والطلاق والميراث، والمطالبة بقوانين مدنيةٍ تكفل حقوق المرأة بعيدًا عن تسلّط رجال الدين.

كما برزت أسماءُ أخرى لشاباتٍ على مواقع التواصل، نراهنّ يقاتلن ويصرخن في الشارع، ويعملن على تغذية هذه الثورة واستمراريتها، منهنّ من أسست صفحة «منقوشةٌ من أجل لبنان» التي جمعت أكثر من 100 ألف دولارٍ لتأمين طعامٍ للناس في الثورة، وغيرها من التحركات والجمعيات التي نراها تعمل يوميًا على أرض الواقع والتي ترأسها أو تقودها إحدى الشابات الطَموحات إلى التغيير.

وعت المرأة العربية على أهمية دورها في انتشال بلدانها من بؤرة الفساد والتعصب الطائفي والمذهبي وذلك عبر التركيز في مطالبتها على بناء دولةٍ مدنيةٍ وقوانين تفصل الدين عن الدولة، وبالتالي تكون هذه البلدان قد خطت أوّل خطوةٍ في طريق الإصلاح والتغيير الحقيقيين.

فالتغيير يبدأ عندما تعي مجتمعاتنا أهمية دور المرأة في السياسة والقضاء؛ فيما لا تزال بعض البلدان تعتبر أنها ناقصة عقلٍ ولا يمكنها أن تكون قاضيةً أو وزيرةً، فيما بلدانهم غير صالحةٍ للعيش لأنّهم ولّوا حكمهم للرجال، والنتيجة واضحةٌ على مرّ السنين.



المصدر

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى