يجهل كثيرون من المصريين واقع الحياة التى يعيشها المواطن…


يجهل كثيرون من المصريين واقع الحياة التى يعيشها المواطن الأمريكي الأسود. فالمصدر الأساسي لمعرفتهم بأمريكا هو الأفلام البراقة التى تصدرها لهم هوليوود، (وهي نادراً ما تعالج هذا الموضوع). والمصدر الآخر، وهو الأخبار، يُظهر المجتمع الأسود كمجتمع يسوده الفقر والتخلف وينتشر فيه العنف والجريمة. وهذه الصورة، وإن كانت صحيحة، إذا لم توضع فى سياقها التاريخي، هي ضرب من التزوير، شأنها شأن المطعم الذى يلوم زبائنه على التقيئ، بينما هو الذى أطعمهم أكلاً مسموماً.

لا يمكن النظر إلى حالة الزنوج الأمريكيين بأي قدر من الموضوعية والإنصاف إلا إذا تفهمنا أبعاد الجريمة التى اقترفها المجتمع الأمريكي ضدهم، وهي جريمة لا نظير لها فى تاريخ البشرية – لا الإستعمار ولا محاكم التفتيش ولا السبي البابلي ولا الغزو العربي ولا أي شيئ آخر يناظرها فى القسوة والبشاعة واللا-إنسانية. إذا لم تكن لديك “تقالة” على قرآءة التاريخ، فأنصحك، على أضعف الإيمان، أن تقرأ قصة ‘كوخ العم توم’ لكي تتذوق مدى هذه البشاعة.

تخيل أن جدك إختطفه من بلدته قراصنة باعوه كالماشية فى بلد آخر، حيث أصبح عبداً يشقى من الفجر إلى سواد الليل بلا أجر. تخيل أن إبنك ما أن أصبح قادراً على المشي حتى إنتزعه البغل الأبيض الذى يملكك ويملكه، وباعه أمام عينيك لبغل أبيض آخر كما يبيع مُربّى الكلاب جرواً ولدته كلبته. تخيل أن البغل الأبيض الذى يملكك ويملك زوجتك يأخذها منك كلما راودته الرغبة ويفعل بها ما يشاء. تخيل أنك نشأت على مدى الأجيال فى مجتمع لا يعرف فيه الشخص أباه ولا أمه ولا إخوته، ولا يعرف معنى الكرامة ولا الخصوصية ولا المِلكية، وممنوع بالقانون من تعلم القرآءة والكتابة أو أية معرفة أخرى.

لو إستطعت أن تتخيل هذا التاريخ البشع الذى تدمى له القلوب، ربما ستدرك مدى الغضب والمرارة التى يحس بهما المواطن الأمريكي الأسود، ومدى الضياع والتحطم النفسي الذى يتملكه كلما تذكر ما عاناه أسلافه بلا ذنب إقترفوه. (إذا لم يثير هذا التاريخ غضبك وتعاطفك، فربما أنت الذى تحتاج إلى علاج). والقضية ليست مجرد تاريخ، بل هي واقع يعيشونه الآن: السود فقراء ليس لأنهم بلداء، بل لأنهم حُرموا من تراكم الممتلكات عبر الأجيال كما فعل البيض. السود أقل قابلية للتعليم ليس لأنهم أغبياء، بل لأنهم حُرموا من تراكم المعرفة عبر الأجيال مثل البيض، وهكذا.

صحيح أن أمريكا أوقفت تلك الجريمة البشعة بعد حرب أهلية ضروس، وصحيح أنها أحياناً تعبر عن ندمها على ذلك التاريخ المشين. لكن التدمير النفسي والفكري لملايين السود قد أصبح أمراً واقعاً سيحتاج إلى عدة أجيال من العمل الإيجابى لعلاجه. تفكر يا صديقى فى هذه الأمور قبل أن تسارع بإدانة الزنوج لأنهم حطموا ڤترينة دكان.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version