نحن نعبث بأوقاتنا حين نفكر أن بمقدورنا الإحالة إلى القوانين والقيم حين نشرح قضاي…


نحن نعبث بأوقاتنا حين نفكر أن بمقدورنا الإحالة إلى القوانين والقيم حين نشرح قضايانا، أو أن بمستطاعنا التفرقة بين العالم الغربي وإسرائيل.

إسرائيل عميقة داخل البنى السياسية، الأكاديمية، الثقافية، والمالية في الغرب. في الأيام الماضية تلقت كبريات الجامعات الأميركية، مثل هارفارد وبنسيلڤانيا، تهديدات بوقف دعمها مالياً (نتحدث عن عشرات الملايين من الدولارات) إن لم تنشر قائمة بالتجمعات الطلابية التي “تشوه” صورة إسرائيل. جامعة هارڤارد تصنع القادة، وفي العالم ١٩١٠م كان ثلث الملتحقين بها من اليهود وفقاً لتقرير حديث نشرته لوس إنجيلوس تايمز.
لاحظت أن مجلة/ صحيفة عريقة كالدير شبيغل لم تنتظر كثيراً لتكتب: صاروخ فلسطيني يصيب مستشفى في غزة. قدمت هذا الخبر في سياق ملتو وبارد.

النظام الألماني انتهك كل الحقوق الأساسية لمواطنية، كما لو أن البلاد قد دخلت في الأحكام العرفية: حق القول، حق التظاهر، حق التعبير، حق الرفض، الحق في المساواة أمام القانون، إلخ.

التفرقة بين الغرب وإسرائيل عمل عابث، ثمة سردية واحدة يتردد صداها من برلين إلى واشنطون، وعلى وسائل الإعلام أن ترددها بلا “ولكن”. هذه الجملة قالتها مديرة معرض فرانكفورت للكتاب في خطاب الافتتاح: نحن هنا لنقف مع إسرائيل من دون “ولكن”. معرض الكتاب فعالية ثقافية وليست سياسية، منصة للمفكرين لا لصناع القرار. ومهمة المفكرين أن يقدموا تحليلات معممقة وشاملة للقضايا المركبة، لا أن يرددوا مقولات الساسة والميديا. وهكذا فقد ردد كل الضيوف ما أراده النظام الألماني. وربما باستثناء سلافوي چيچيك فلم يجرؤ أحد على قول ولكن.

حالة أحكام عرفية دخلها الغرب المتحضر، وبدا كأن كل عواصمه تلمودية حتى النخاع. هذا الانكشاف مروّع، يجعلنا نعيد التفكير في كل شيء، من الحق إلى القيمة، ومن التاريخ إلى ما قبله.

في المجمل، كل محاولاتنا لشرح المأساة الفلسطينية غرباً لن تفلح، الجهاز الثقافي والدعائي أغلق على حقائق غير قابلة لإعادة التفكير فيها. فلنشرحها شرقاً وجنوبا. لنتذكر ما كتبه شاعر من أميركا اللاتينية في ستينات القرن الماضي: الجنوب أيضاً يوجد.

الشرق أيضاً يوجد، كما توجد أفريقيا ومناطق أخرى. وقبل كل ذلك: نحن أيضاً نوجد.

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version