كيف أحاط الحوثيون بثورة فبراير؟…


كيف أحاط الحوثيون بثورة فبراير؟
مروان الغفوري

ـــــــ
في الحادي عشر من فبراير خرج اليمنيون ضد صالح، والتحق بهم الحوثيون. أسس الحوثيون لمخيمهم الشهير داخل مخيم الثورة، مخيم شباب الصمود. اتجهت هتافاتهم ونضالاتهم اليومية ضد الجيش المؤيد للثورة، وضد بعض القبائل التي التحق زعماؤها بالخيام. منذ البدء أراد الحوثيون ثورة لا يلتحق بها جيش ولا قبيلة حتى يكونوا هم جيشها وقبيلتها، فلديهم الجغرافيا البديلة والسلاح البديل والرئيس المُعد سلفاً، والمصنوع على قدر. بعد ذلك بزمن قصير، زمن ما بعد المبادرة الخليجية، أقام الحوثيون مخيماً عظيماً على طريق المطار ضد السياسة، ضد كل ما له علاقة بالسياسة إجمالاً. حصلوا على بغيتهم: حشوداً كبيرة من الناس يمثلون هم جهازها الذهني ورأس حربتها. ولم يمض سوى أقل الوقت حتى كانوا قد وضعوا الرئيس والحكومة والساسة تحت الإقامة الجبرية، ونفوا قادة الجيش الرافضين.

العام ٢٠١١، عام الثورة، شهد أكبر موجة توسع أنجزتها الميليشيات الحوثية خارج صعدة. انشغل العالم بمتابعة ما يجري في صنعاء وعواصم المحافظات الكبيرة وتحرك الحوثي في ذلك السرداب الطويل المغمور بالدخان. سقط آلاف القتلى في المعارك اليومية التي تخوضها ميليشيات الحوثيين في الجوف وصعدة وحجة وعمران. في المدن البعيدة كان شباب الثورة يهتفون: الشعب يريد إسقاط النظام. التزمت القيادة الحوثية صمتاً مطبقاً، ولم يصدر من طهران ما يثير الريبة.

من وقت لآخر كان زعيم الجماعة يطل بسحنته الحجازية الميتة ويتحدث إلى الثوار عن الثورة. بمراجعة أوراق تلك الأيام يمكن العثور على علاقة صلبة بين شحنات السلاح التي كان الحوثي يتحصل عليها، من الخارج أو من الجيش المؤيد لصالح، وبين ظهوره خطيباً.
استمر تكديس السلاح بطريقة متواترة، كما تدريب وحدات أمنية وعسكرية ذات ملامح احترافية.

ما إن أفضت الثورة إلى عملية سياسية كبيرة، عبر المبادرة الخليجية، حتى برزت أولى الاستعراضات العسكرية والأمنية لجماعة الحوثي. شوهدت الوحدات العسكرية والعربات المقاتلة وعربات الإسعاف وبني ضريح فارسي مهيب للمؤسس.

اختار الحوثي، في طلته الأكثر جلجلة، مناسبة نبوية، وفرش جماعته في صحراء الجوف تحت السماء الجافة منجزاً مشهداً مهيباً من اللامعقول، يصعب القول إنه كان مشهداً مجانياً. كان جيشاً بديلاً، وكان هو رئيساً موازياً، وكان لديه شعب يخصه لا علاقة له بالآخرين. كما لو أن اليمنيين قد اطلعوا فجأة على الحقيقة بعد اكتمال قمرها.
بدا واضحاً، منذ تلك الصورة، أن الحوثي قد أنجز الكثير، وأن لديه شعباً وجيشاً لا يميلان إلى السلام ولا يعترفان بالحدود، وأن ذلك الشعب المتربع في صحراء الجوف منتظراً خطاب “السيد” كان مشغول البال بقصور صنعاء. سرعان ما ظهر السيد خلف ساتر واقٍ من الرصاص وقال كلماته المدرعة التي تظنها سلالته “نظرية كل شيء”. أضاءت كلماته قصور صنعاء، وقدحت ناراً في فارس. أما هو فراح يلوح بسبابته في كل اتجاه، ثم يهز رأسه الدخانية ويغمغم:
أيها الشعب العظيم الكريم الأبي.

في تلك الأيام كتبتُ عبر صحيفة المصدر “لا بد من ترسيم الحدود مع الحوثي قبل فوات الأوان”. سرعان ما كان الأوان قد فات.

في العام الأول للثورة، ٢٠١١، انتشرت مخيمات الثوار في البلاد وجلجل شباب الثورة من على ٣٠ منصة. لا منصة في صعدة، فقد كانت مدينة من الأشباح لا يجرؤ أحد فيها على أزعاج الهادي الرسي في رقدته الطويلة. أما نجوع صعدة وجبالها فكانت قد صارت سُبلاً للنسوة والمهربين. عبأ الحوثي القادرين على حمل السلاح ودفعهم لجلب المزيد من الأراضي إلى حوزته. عندما وصلت أولى طلائع الحوثيين إلى مداخل مدينة عمران، بعد الثورة بعامين، ذهبت تقارير محلية عديدة تقدر قواته العسكرية بـ ٣٠ ألف مقاتل رسمي. تساءلت يومذاك عن مصدر الرواتب التي تدفع لهم “بواقع ١٥٠ دولار شهرياً”، وماذا بقي في تكوين تلك الجماعة من ملمح يدل على أنها جزء من الجمهورية اليمنية.

الحوثي الذي قال يوماً ما لصالح “إخوتي في كرشك” رافضاً عرضاً سخياً من الأخير لم يكن ليفرط في الفرصة التاريخية التي بزرت في ٢٠١١. ذلك سيجعل من فقدانه لأشقائه في الحروب تضحية مدفوعة الثمن: الدولة. أراد شباب الثورة
الانتقال إلى الدولة الحديثة، دولة الكفاءة والجدارة والحرية.

أما الحوثي فتسلق كل الأكتاف، كما تسلق الجبال
والمنحدرات، وكان يريد شيئاً آخر: الدولة.
وعندما وقفت قواته بالقرب من مدينة صنعاء أخرج الحوثي كلماته الخبيئة كلها، وتحدث عن الولاية. ولكي يضع حداً لأي جدل، أو حوار، أكد في ديسمبر ٢٠١٤ على نحو قاطع وحاد: تلك هي كلمة الله من قبل أن يخلق الكون. أي منذ ١٤ مليار سنة، بحسب آخر التقديرات الفيزيائية لعمر الكون. بدا لكثيرين، حين ذاك، أننا بصدد رجل يعرف ما يريد وما من سبيل لإيقافه أو إغوائه. إنه رجل يتحرك مسنوداً بحق أزلي، ولن يخون ١٤ مليار عام.

عن صحيفة الوطن القطرية

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version