كليوباترا.. ليست سمراء ولا بيضاء…


كليوباترا.. ليست سمراء ولا بيضاء
وإنما ملكة مصرية عظيمة
عجبت من ذلك الحوار السطحى والفج الذى دار حول فيلم “كليوباترا” الأخير، والذى لم يتجاوز لون بشرة الملكة العظيمة وانقسم فيها الناس على أسس عنصرية بين من يرجح لونها الأسمر الذى يؤكد أصولها الإفريقية وبين من يرى انها شقراء أوربية
وأغفل الفريقين ثلاث حقائق كبرى: الأولى: إن سكان مصر على طول تاريخها الطويل تكونت عبر محور رأسى يمتد من ساحل المتوسط حتى منابع النيل مرورا بالنوبة، ومحور أفقى متوسطى يمتد من شمال العراق حتى ساحل الأطلسى، ولذلك فليس من المستغرب أن تتراوح ألوانهم بين أصحاب البشرة السمراء شديدة السمرة حتى القمحى والخمرى وصولا إلى البيض شاهقى البياض وأصحاب العيون الزرقاء، ولذلك لم تميز أغانى الحب والغزل المصرية بين الحبيبة البيضاء أو السمراء ك” البيض الأمارة والسمر العذارى” أو “قالوا السمار أحلى ولا البياض أحلى” .. مع انحياز لطيف ناحية السمار “جميل وأسمر” و”سمرا ياسمرا.. وأسمر ملك روحى..وسمارة ليه الحلو بيتدارى..وسمراء يا حلم الطفولة”
والثانية: أن الدولة البطلمية (223- 30 ق م ) هى دولة مصرية مجيدة: تقطعت السبل بينها وبين أصلها المقدونى الذى راح يئن تحت وطأة الرومان القادمين، وكان الأصل فى علاقتها بشقيقتها فى النشأة دولة السلوقيين فى سورية هى الحرب والعداء
وحرص البطالمة على الحفاظ على التاريخ الفرعونى ومازالت قائمة ملوك الفراعنة لمانيتون السمنودى البطلمى هى أكمل القوائم.. كما حرصوا على تجديد المعابد الفرعونية، وبناء معابد كاملة وجديدة على نفس أسس المعابد الفرعونية القديمة كمعبد أدفو الذى خصصوه لعبادة حورس والذى آخوه مع الإله اليونانى أبوللو، ومعبد إسنا لعبادة الإله خنوم ومعبد الدكة فى النوبة للإله تحوت، ويعد حجر رشيد صاحب الفضل الأول والإعظم فى كشف اللغة والتاريخ الفرعونى أثرا بطلميا فهو فى الأصل نص محفور باللغات الثلاث الهيروغليفية والهيراطيقية المصريتين واليونانية القديمة على عمود من البازلت الأسود فى أحد معابد منف يعود لمطلع القرن الثانى ق م ..وفيه يتقدم كهنة منف بالشكر والثناء لبطليموس الخامس على ما قدمه لمعابد منف من هبات وخيرات وإعفاء من الضرائب، كما سعى البطالمة لتأسيس مجمع جديد للآلهة يؤاخى ويزاوج فيه بين آلهة مصر وآلهة اليونان، وأسس البطالمة مدنا عظيمة فى مختلف أنحاء البلاد وفى مقدمتها الإسكندرية وأرسينوى الفيوم
ويعود للبطالمة الفضل فى تحقيق حلم الإسكندر الأكبر وتحويل مصر إلى قاعدة للحضارة الهلينستية الكوزموبوليتانية، وتأسيس جامعتها ومكتبتها التى كانت أعظم مكتبات العالم القديم، ومن العجيب أن الإسكندرية نجحت فى الحفاظ على طابعها العولمى والمثقف لقرون عديدة، حتى عصر السادات ومبارك فى نصف القرن الأخير
والحقيقة الثالثة: أن كليوباترا (69 – 30 ق م ).. ملكة مصرية عظيمة حافظت على تقاليد ورموز وشعارات أسلافها الفراعنة وسعت بكل قوتها لاستنقاذ مصر وللحفاظ على استقلالها عن روما ذلك الاستقلال الذى فرط فيه بعض أسلافها من الملوك البطالمة تحت وطأة صراعهم فى سبيل السلطة، وفى سبيل تحقيق ذلك الهدف كان زواجها وإنجابها من يوليوس قيصر ثم مارك أنطونيو، وكانت تحالفات جيشها ومعاركه، .. ثم كانت نهايتها بالانتحار نهاية تليق بالأبطال الذين يرفضون أن يساقوا مذلين مهانين فى شوارع روما ليسخر الناس هناك من ملكة مهزومة تسير مقيدة بالسلاسل حافية القدمين منكوشة الشعر .. تصورت ذات يوم أن باستطاعتها أن تحكم روما

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version