كانت طيراً، أو عين ماء….


كانت طيراً، أو عين ماء.
مروان الغفوري
ـــــــــ

تحمل النساء الليل والجوع
ويحمل الرجال النساء والعطش
في بلدي الواقعة بين الحرب والتاريخ
التائهة بين الجرحى والكمائن
في بلدي التي خرجت سراً
وضلت السبيل
بلدي التي ولدت في الجبل
وسحبها الجوع إلى الحدود
تعيش النساء، مثل الرجال،
في انتظار الله والخبز.

بلدي، تلك الأرض البعيدة،
كانت في البدء طيراً
أو سفينة.
كانت صغيرة جداً، وخجولة للغاية،
وكانت تتزوج في الجبل وتنجب في الوادي
وتعصر السحابة في الليل لتسقي الأشجار والموتى
بلدي،
كانت في البدء عين ماء
وعندما جاعت لأول مرة، قبل آلاف السنين،
جفتْ فخرجت الحروب من كمائنها.
آمنت بلدي بالقدير الذي خلقها على جبل
بالرجل الذي أطلقها من على ظهر سفينته على هيئة حمامة
آمنت بلدي بامرأة خضراء
كانت تتعرى في الجبل وتحبل بالشمس والأنهار
آمنت بالأشياء الصغيرة كلها
بالأحجار والزهور وخشب السفينة
آمنت بلدي بالوجع الأصفر، والفيضان
بقمر الخريف الواهن، بكلاب المحيط
آمنت بالشيطان والخالق معاً،
ولم تؤمن بالسيف.
كانت طيراً في البدء، كانت عين ماء.

من تراب بلدي خرجت حمامة الرعود
من صحرائها تشكلت طينة الأنبياء القدامى
وعلى شطآنها مات رسل القياصرة الجبناء
وعندما أطل الرب على العالم في مرة وحيدة
انطفأت أنوار الأرض كلها
وفتحت بلدي عينيها.

في قرى بلدي الصغيرة
تدر الأبقار حليباً جائعاً، حليباً شفافاً ونقياً، حليباً
يحيي الموتى، ويمنح جلود الكهنة زرقة كالبحر
وناراً في الجبين
في قرى بلدي الصغيرة والمتباعدة
ينام الليل في المقابر
والقمر في كهوف الرعاة.

لم يخرج من بلدي أنبياء، ولم يدخلوها
غير أن رسل الأنبياء جلبوا نيران الكتب المقدسة معهم
تارة عبر البحر، وتارة عبر الصحراء
وكانت بلدي في البدء عين ماء، أو طيراً
وعندما شبت الحرائق في تخومها
طار الليل من المقبرة والقمر من بيوت الرعاة.

م. غ.
06.11.2015

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version