قالت خديجة الشاطر لحلا شيحة: قلبي يكاد ينفطر….


قالت خديجة الشاطر لحلا شيحة: قلبي يكاد ينفطر.
وذكرتها بما تواعدتا عليه:
الذهاب معاً إلى الحوض للقاء النبي ورؤية وجه الإله ونوره “هكذا جاء في رسالتها”.

أما سر الحزن القاتل الذي عصف بقلب خديجة خيرت الشاطر، كما قالت في رسالتها، فهو:
أنها ستذهب وحيدة إلى الحوض،
وحيدة إلى النبي،
وسترى وجه الله وحيدة.

ولن تكون حلا شيحة، صديقتها، معها في تلك الرحلة.

أي أن صديقتها حلا شيحة:
لن تذهب إلى الحوض، لن تلتقي النبي، لن ترى وجه الله.

تقول الرسالة، بكلمات شديدة الوضوح:
أنا حزينة لأنك تهلكين، حزينة لأني أراك ذاهبة إلى الجحيم “استخدمت تعبير: الهالكين”، وأكثر من ذلك حزينة لأني فزتُ بالنعيم والرضا لوحدي وكنتُ أود لو أنك تشاركييني ذلك الفوز العظيم.

ظاهرياً تبدو هذه اللغة مجرد مونولوغ من الأنين. هي أبعد من كونها نحيب امرأة رأت شعر صديقتها يحترق في الجحيم.

نحن نسمع نحيب امرأة ونسألها “ما يبكيك؟”
فترد علينا المرأة بقلب يكاد ينفطر:
لقد رأيت أفضل صديقاتي يُذهب بها إلى الجحيم،
رأيتهم يلقون بها إلى النار.

التعليقات التي وردت على لسان شيوخ ودعاة وناشطين “إسلاميين” من الجنسين غرقت في “النوع” نفسه من النحيب، وربما بدرجات أكبر.

وكان سبب النحيب واحداً:
لقد ذهبتِ إلى النار، نحن نحبك، لو أنك بقيت مثلنا لذهبتِ معنا إلى الجنة.

لا يمكن القول إننا أمام صورة طهرانية تقليدية. النص، وقد كتبته واحدة من أشهر نجمات التيار الإسلامي وابنة عقل التنظيم في مصر، يشير إلى ما هو أكثر من الطهرانية، ويكشف ما هو أبعد من “العزلة الشعورية”.

فالفتاة التي تخلت عن الحجاب ذهبت إلى معسكر الهالكين وكثرت سوادهم، تقول كلمات خديجة. هناك، خارج الجماعة، حيث الهلاك المطلق، وحيث كل القيم فاسدة، الحياة فاسدة، البشر فاسدون، وحضارتهم برمتها فعل فاسد، وإذا ما حلّت على تلك الحضارة نازلة فما من شيء يستدعي الندم أو الحزن، فقد كانت حياة فاسدة على كل حال.

خارج الجماعة المؤمنة تلك لا يوجد سوى الهلاك والسواد، الهلاك المؤكد والسواد الحالك، كل ذلك محاط ب”الدنيا الفانية”. ما من طريق للخلاص فيما بعد سوى أن تكون شبيهاً بخديجة الشاطر وجماعتها، لا حياة نظيفة ونقية سوى في اتباع الطريقة التي سلكتها هي وجماعتها. على المرأة أن تختار: أن تكون شديدة الشبه بخديجة، وستأخذها معها إلى الحوض، أو لا تكون شبيهة بها وستذهب إلى الجحيم.

تخلت حلا عن الحجاب وربما قالت إنها ستعود إلى الفن. حدث غير لافت إلا من حيث ارتباطه بالفن، بسوق الفن. على ضآلته استطاع الحدث أن يهز التيار الإسلامي في العالم العربي، وأسوأ من ذلك: أن يزعزع الميلينيالس، أي المولودين بعد العام ١٩٨٠، من تتوقع التكنولوجيا امتلاكهم لقدرات إضافية، وعناصر مقاوِمة لم تتوفر لسابقيهم، فضلاً عن امتلاكهم لنوع خاص من الخيال.

كانت حلا شيحة فنانة، هذا ما ذكرتنا به خديجة، ولأن الفن طريق الشيطان ولأن الله كان يحمل حباً خاصاً لحلا فقد أراها في منامها مشهداً مذهلاً للقيامة. ذكرتها خديجة بتلك الليلة عندما أخذها الله ليريها القيامة. كان الإله كريماً معها فاستجابت لكرمه وتخلت عن الفن. ها هي ستعود إليه، وتنهرها خديجة الشاطر:
أتعودين إلى الهلاك بعد أن نجاك الله منه.

هذه اللغة، وإن كانت تبدو على شكل مونولوغ من نوع خاص، إلا إنها سرعان ما تنزلق وتصبح شيئاً قاتلاً. فالآخرون هالكون، كل الطرق التي لا تؤدي إلى الجماعة هي طرق ذاهبة إلى الجحيم ..

وأخطر من كل ذلك:
نحن أمام خطاب يقول بثقة منقطعة النظير: غداً سنكون عند الحوض، وبعد غد سنرى وجه الرب، فوا أسفاه عليكم أنتم الذين لا تشبهوننا!

يصدر هذا الخطاب عن الجيل الجديد لجماعة تدعي، ليل نهار، أنها جماعة سياسية.

م. غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version