فى المعتقل كنا 35 فرد فى غرفة صغيرة فيها كمان حمام بلدى،…


فى المعتقل كنا 35 فرد فى غرفة صغيرة فيها كمان حمام بلدى، وادام الحمام عاملين شبه مطبخ، والحرارة رهيبة لأن العنبر فيه شباكين مقفولين بأسياخ الحديد، وراهم سلك ضيق من الحديد برضه، يعنى يادوب نتنفس، بس فى آخر شهر أكتوبر لقيتهم عايزين يسدوا الشبابيك لأنهم بردانين، ولما رفضت أخدوا الأصوات طلع العنبر كله مؤيد لقفل الشبابيك، واضطريت اشخط فيهم: بطلوا وساخة الفلاحين دى وريحة العرق والكانيف، إنضفوا يارمم، ويرد عليا المهندس بدر الفلاح اللى سافر الخليج وراجع بملايين، ماانت بتقول انك انت كمان فلاح، قلت له اخرس يا بأف، إحنا أعيان الفلاحين ورباية السرايات مش فلاحين أجرية زيكم، ودى فرصة أوضح لأهل البندر الفرق بين الأجرى واللفندى.
قريتى لو فيها ألف نسمة مثلا، هتلاقى فيهم عشرين واحد من الاعيان، اللى ملكيتهم بتتعدى العشر فدادين لحد ألف فدان، والباقيين بيباتوا من غير عشا …………..
سيبك من أفلام الناصرية وركز معايا، اللفندى صاحب الأرض بيبقى مسئول عن كل الفلاحين الأجرية عنده والمستأجرين وأسرهم، خصوصا فى حالة المرض والموت، وممكن يبقى زى ” الست” مشاورة اللى كانت عاملة تموين لأهل البلد كل شهر يوصل لهم لحد البيت، وكان الأجرى والمستأجر يسهروا ليلاتى فى بيت اللفندى صاحب الأرض يخدموا على ضيوفه.
الفدان أيامها كان ب 300 جنيه، والإيجار 35 جنيه ف السنة، بس الفلاحين تروح تبيع حاجتها ف السوق، وتجيب جزء من الحساب للفندى اللى بيكتبه ف دفتر عنده، والفلوس دى ممكن تبقى ربع جنيه قروش، ويمكن عشر قروس تعريفات عشان يصعب ع اللفندى ويعفيه الأسبوع دة من القسط، وتلاقى ع الترابيزة جبل فلوس تحس انها ملايين، فى حين إنها أقل من سبعين جنيه مثلا.
اللفندى ياخد القسط ويقلع الجلابية ويلبس بدلة إنجليزى وجزمة إيطالى، وبرفان فرنسى، ويطلع على فندق شبرد أو الهيلتون، أو الميناهاوس، ويتعشى فى أفخم مطاعم البلد ومعاه الهانم مراته، والأصدقاء يزوره ف الفندق أو سهرة فى كازينو بديعة، اللى مكانها كازينو قصر النيل دلوقتى، أو حفلة الست، أو بارات وسط البلد، ومستحيل تفرق بين اللفندى وبين الخواجة فى أسلوب التعامل والشياكة فى الأكل، زى الصورة اللى فيها اللفندى ف النص وعلى يمينه موظف فى الزراعة وعلى شماله الخواجة جورج اليونانى.
أيامها كانت كل ستاتنا بتلبس سواريهات وكعب عالى، وتتكلم أكتر من لغة، وف نفس الوقت ست بيت شاطرة وبتفصل الملايات والجلاليب والبيجامات ف البيت، وتشوفها أشيك وارقى من الأجانب، وفى البندر هانم، وفى البلد ست.
أعيان الفلاحين بيسكنوا السرايات، ويعزموا الفلاحين على أى مناسبة وياكلوا فيها لحمة لحد مايشيعوا، وفى المناسبات ييجيبزا لهم شاعر بربابة أو مغنى شعبى مشهور، ويوم الخميس الأول من كل شهر الراديو يتحط ف التراسينة والفلاحين تحت منها ف الجونينة، واللفندى ومراته قاعدين ف البلكونة يسمعوا الست أم كلثوم، ويمكن كمان يبعت لهم واجب حشيش أو رز بلبن لزوم السهرة.
أعيان الفلاحين هما كريزة التورتة المصرية بأخلاقهم ونبلهم وتضحياتهم فى سبيل الآخرين بدون مقابل، وف عصرهم كانت مصر أرقى من باريس، قبل ماييجى واحد ويوزع ثروتهم على الفلاحين الأجرية………………..
كانت أيام ……………………………………..



يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version