ضعوا هذا في الحسبان….


ضعوا هذا في الحسبان.
مروان الغفوري
ـــــــــــــــ

صندوق النقد الدولي يضع سعراً تقديرياً للنفط في ٢٠١٦ بواقع ٥ ـ ١٥ دولار للبرميل. أفضل التقديرات قالت إن سعر برميل النفط سيراوح تحت الثلاثين دولاراً للبرميل خلال العشر سنوات القادمة. خبراء النفط يقولون إن سقف النفط، من الآن وصاعداً، هو الخمسون دولاراً للبرميل، وذلك في أحسن الأحوال.

أناتول كاليتسكي، مؤلف كتاب: ميلاد اقتصاد جديد، يستند إلى مقولة زكي يماني، وزير النفط السعودي الأشهر، أواخر الثمانينات:
“لم ينته العصر الحجري لأن رجال الكهف لم يجدوا حجارة”.
يقول كاليتسكي: وهكذا سينتهي عصر النفط، ليس لإن الإنسان المعاصر لن يجد النفط، بل لأنه لن يعود بحاجة إليه.

تقديرات دولية عديدة تقول إن تسونامي “الانهيار النفطي” سيصيب الدول : التي تخوض حرباً، أو تلك التي تعاني من لا استقرار سياسي داخلي، أو التي تحاول أن تحتوي دولاً أخرى في مجالها الحيوي..

ينطبق ذلك على:
الجزائر، السعودية، روسيا، إيران، أبو ظبي، العراق.

إيران أعلنت مؤخراً إنها قادرة على إنتاج نفط، في الواقع: استخراج نفط، بكلفة دولار واحد للبرميل. تحاول إيران الخروج من مستنقعها الاقتصادي، وتضع أملاً كبيراً على النفط. تأخرت كثيراً، فيما يبدو.

ذلك يعني أن إيران ستغرق الأسواق المتخمة أصلاً.
فبحسب تقرير نشرته رويترز قبل شهر من الآن فإن أسواق النفط تحتوي، حالياً، على مليار ونصف المليار برميل فائض عن الحاجة!
فقد أنتجت الدول، داخل الأوبك وخارجها، خلال العامين الماضيين بواقع ٢ مليون ونصف المليون برميل زيادة على الطلب اليومي!

الشركات النفطية الأوروبية الكبرى، حوالي ١٠٠ شركة، أعلنت خفض استثماراتها النفطية بمقدار ٢٠٠ مليار دولار لهذا العام، بما يصل إلى الثلث!

هذا الموقف أصاب دولاً كبيرة بالخيبة. فهو يعني أن الشركات التي كانت على وشك إنفاق الأموال بحثاً عن النفط في غرب المكسيك، السواحل الشرقية لأفريقيا، وفي البرازيل، قد تراجعت عن الفكرة.

يعتمد الناتج المحلي السعودي على النفط بنسبة ٩٠٪. في حين يعمل حوالي ٧٠٪ من الموظفين السعوديين لدى القطاع الحكومي. أما الإمارات، وأبو ظبي تحديداً، فستواجه أوقاتاً غير سارّة. فدبي تعتمد على الخزان النفطي لأبو ظبي، وقدرة أبو ظبي المالية. قرن من الزمن ولا تزال الأسواق العالمية خالية من أي منتج عربي غير النفط والجهاد.
الحمقى العرب، مثل علي القاضي والديلمي والحزمي والشامي، لا يملكون حلولاً سوى في الأناشيد وفتاوى التكفير. بينما تنهار الأرض من تحتهم راحوا هم يبحثون عن الذين يقولون “النبي محمد” ولا يقولون “عليه الصلاة والسلام”. أولئك الحمقى، من ذوي الجلود الوقحة، وقفوا على ظهر سفينة غارقة وراحوا يهرتلون.

روسيا، هي الأخرى، دخلت في المتلازمة السوفيتية الشهيرة، آخر أيام السوفيت. نمو اقتصادي متسارع، ثم امتصاص النمو في الحروب والصناعات الحربية، اقتصاد الحرب والأمن، ثم الانهيار. في “البرويسترويكا” وصف أمين هويدي الاتحاد السوفيتي ب”العملاق، قوي العضلات، الذي يمتلك أعضاء هشة في الداخل غير قادرة على تغذية الأطراف”. تحدث هويدي، بذكاء عال، عن الفرق بين القدرة والقوة، تلك المعادلة التي لم يفهمها السوفيت، ولم تفهمها روسيا حالياً.

النتائج مذهلة. حققت الموازنة السعودية، في العام ٢٠١٣ فائضاً بمعدل ٣٪ ، وعجزاً بمعدل ٢١٪ في العام ٢٠١٥. وقت قصير جداً، ونتائج مذهلة. كذلك روسيا، فقد بلغ الناتج القومي السنوي لروسيا ٢ تريليون دولار في العام ٢٠١٤. لكنه هوى إلى 1.2 تريليون دولار في العام ٢٠١٥. في نوفمبر هذا العام قال بوتين للصحفيين، للمرة الثانية، إن روسيا ستنهض اقتصاديا لأن التقدم حتمي، وحتمية التقدم تعني “الحاجة للطاقة، أي لروسيا”. لم تكن فكرته سوى هراء.

أما اليمن فستعيش أطواراً ممتدة من الاضطراب واللااستقرار. لا يملك الحمقان، مثل علي القاضي والحزمي، ولا فقاسة الإرهاب عبد الله أخمد علي، من حلول. إنهم لا يعرفون عن الكارثة شيئاً، فهو مشغولون بالقلقلة والحناء، غارقون في ضباب من الوهم والجهل الحالك. أولئك الذين ملأتهم الشروخ يطلعون من وقت لآخر على حاضرنا، يسلحون ثم يختفون. إذا كان أفلاطون، في الجمهورية، قد منع الشعراء من دخولها، قائلاً إنهم يقفون أمام المأساة فلا يقدمون سوى النحيب، فعلينا بطريقة ما أن نمنع أولئك الحمقى من تعكير مياهنا المعكرة. من المناسب لهم أن يكملوا حياتهم بين الصلب والترائب، ويتركونا نتدبر أزماتنا الوجودية الشرسة.

وأسوأ ما يمكن أن يحدث لليمن، على الإطلاق، أن تصاب جارتها الغنية بضائقة مالية، أو يترنح اقتصادها.

حصل العرب على وفرة مالية كبيرة للغاية خلال السنوات الفائتة، استخدموها على طريقتهم! قبل عام ونصف نشرت الإيكونوميست تقريراً عن ثراء السعودية بدأته بالجملة هذه: خلال الثلاثة أعوام الماضية باعت السعودية نفطاً بتريليون دولار.

ليس بمقدور أحد أن يتخيل شكل المستقبل القريب، أو البعيد. غير أنه من المؤكد أن اضطرابات واسعة ستظهر، وسيكون العالم الثالث ساحتها.

ها هو النفط، الذهب الأسود، يصبح شيئاً فشيئاً فحماً سائلاً.

ولم يحدث، منذ العام ١٩٧٥، أن صدرت أميركا نفطاً إلى الخارج. بقرار برلماني منع تصدير النفط الأميركي منذ ذلك الحين. مؤخراً، قبل أسبوع، ألغي ذلك القرار. هل قررت أميركا الخلاص من “الفحم السائل”؟

في بلد كاليمن، لم يعد لديه شيء يبيعه، ويعاني من انهيار شامل للبنية التحتية وحروب ومجاعات ومعدلات خصوبة تصل إلى 5.7% ستكون العواقب وخيمة. فالمملكة السعودية التي أنفقت على “اليمن / المسألة اليمنية” بين ٢٠١١ ـ ٢٠١٤ حوالي تسعة مليار دولار، لن تكون قادرة مستقبلاً على ممارسة كل هذا السخاء. لكم، بكل الطرق، أن تتخيلوا ما الذي يمكن أن يحدث!

في رمضان، قبل عامين ونصف، التقيت باسندوه في صنعاء. سألته عن الوضع المالي للبلد، فقال لي بقلق: نحن الآن في سبتمبر، والسعودية لم تعطنا أي إشارات على استعدادها لدعم الموازنة، نحن أمام ضائقة حادة. سألته عن السنة التي قبلها، قال: كانت أفضل، فقد منحتنا السعودية شحنات نفطية بقيمة ٢ مليار دولار، ناهيك عن الوسائل الأخرى.

سنواجه أوقاتاً أكثر صعوبة، وأكثر بؤساً. وبينما يتصدر الحمقى، مثل القاضي والشامي والحزمي، المشهد ليضيفوا مزيداً من السم والخوف والفتاوى، نجلس نحن على الجسور والطرقات ونسأل أنفسنا:
كيف سنطعم أهلنا غداً؟

ربنا يكون في العون

تصبحون ع خير

م. غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version