صباح الفل…..


صباح الفل..
استدراك
ــــــ

في الأيام الماضية كتبت مجموعة من المقالات، نشرت مدونات الجزيرة بعضها، ضمن مشروع أعمل عليه حالياً حول “الإسلام الموازي، أو الأنتي ـ إسلام”..

للتبسيط:
تدور الكتابة/ البحث حول فكرة مركزية:
الإسلام دين عظيم، يتعرض على الدوام لعمليات تزييف وتجريف واختطاف.

تركز الكتابة على البحث عن الصورة الزائفة للإسلام، كيف نشأت، وعند من، وفي أي سياق تاريخي، ووضعها على الطاولة، ومناقشتها: دراسة عن فلسفتها، سياقها التاريخي، وعلاقتها بالقيم الشاملة للدين.

في الواقع هناك “إسلامات” ربما تفوق الحصر، على مر التاريخ.

قمت بحصر أسئلتي حول الصورة المقاتلة للإسلام، تلك التي تقدم الدين الكبير بوصفه كتاباً للحرب والمناجزة مع العالم الخارجي.

هناك نماذج نظرية كثيرة، تاريخياً. أشرت، مجرد إشارات، إلى ابن تيمية وقطب وشكري مصطفى وفرج وحسين الحوثي وعبد الله عزام ـ الذي كان يدعو إلى حرب واسعة تستعيد كل شبر كان في حوزة المسلمين من قبل.

التأسيس النظري للعنف الإسلامي، الإسلام الموازي، غارق في متون مئات الكتب التاريخية، منها كتب أيقونية.

في التاريخ، عبر كل مراحل الإمبراطورية الإسلامية من الطور الراشدي حتى العثماني، كانت الصورة المقاتلة للإسلام ـ أو إسلام المناجزة مع العالم ـ تطفو وتتلاشى.

على كل حال..
قلتُ إن الإسلام عظيم، وأن هناك كتابات كثيرة تسيء إلى حقيقته، وتسلبه امتيازاته، وتقدمه للعالم في صورة “بهيموث” مفترس، ما إن يدخل مدينة حتى يهدد قيمها وأمنها “قال حوالي ٤٠٪ من الألمان، و٤٥٪ من الفرنسيين” إن وجود مسلمين في مدينة ما يشكل خطراً”، في استطلاع لمؤسسة فرنسية مطلع العام الماضي.

هذه الفكرة ليست بلا دليل، وقد سقتُ دلائل كثيرة.

النتيجة:
حملات عنف وتكفير ومقاطعة وتهديد وسخرية وسب .. إلخ. ضدي.

مش مهم.

ليس هذا هو ما أريد قوله، بل شيئاً آخر:

أن تقول:

“إن الإسلام دين عظيم، وما كتبه سيد قطب عنه ليس دقيقاً، ولا جيداً”

هذه الجملة ستمنحك درجة الكافر، المارق، الزنديق، العميل، الجاهل، المرتد .. إلخ.

لن يكتمل إسلامك حتى تقول:
الإسلام دين عظيم، وما كتبه سيد قطب عنه كان عظيماً.

بالعودة إلى كل الجدل الذي أثارته مقالاتي في الأيام الماضية لن يعدو الأمر هذه الفكرة البسيطة، وهذا التبسيط الدقيق للمشكلة.

وذلك هو تجسيد حقيقي لمعنى “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله”..

فالحبر، أو الراهب، هو رجل تخصص في الدين، وقدمه على طريقته أو كما يراه. أما الاستسلام الشامل لرؤية الحبر، أو الراهب، للدين فقد وصفه القرآن بأنه وضع مشابه للشرك.

لاحظتُ أن المهاجمين لا يكترثون البتة لكل ما أقوله عن الإسلام أو عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهم معنيون بدرجة أساسية برجالهم، بسمعة مرجعياتهم وكتبهم. تداخل دخان القرى عليهم، وصار الدين يطلع من رئة الشيخ، وكان من قبل ينزل من السماء!

قلت إنه دين قادر على الإبهار، وأنه لا يزال جديراً باستيعاب الحضارة، وأنه في حقيقته يملك جاذبية وإغراء، وأن نظامه الفلسفي يحترم العقل، وأن قيمه الأخلاقية عابرة للأزمنة.

قلتُ أيضاً: أن مبادئ الإسلام، حول الحرية والعدل والتوحيد، شاملة، وأن رؤيته الإجرائية الجزئية متغيرة “أنتم أعلم بشؤون دنياكم”. إلخ.

وقارنت بين كتابتين عن الأمة العربية: ما كتبه قطب عن الأمة العربية في زمن نزول القرآن، وقوله إنه نزل على أمة بلغت في الانحطاط شأناً بعيداً.
وما قاله الشاعر والمؤرخ الفرنسي واسع الشهرة “لامارتين”: نزل القرآن على أمة كانت من أنجب الأمم وأكثرها خيالاً وحرية، أمة كانت تملك جاهزية تاريخية لتخيل الماوراء، واستيعاب فكرة الألوهية بخلاف الأمة الأوروبية..

لاحظتُ أن هناك طائفة واسعة من الناس لا يعنيها أي شيء ستقوله عن الإسلام، كل المديح والتبشير، ما لم تقرن ذلك بمديح رجالها وتمجيد شيوخها.

فالإسلام، عند مجموعة كبيرة من الناس، هو الرؤية التي استنتجها قطب أو ابن تيمية. التشكيك في تلك الرؤية هو تشكيك في الإسلام نفسه.

تتذكرون اللوحة التي رفعها الحوثيون في باب اليمن: إن الاعتداء على السيد حسين بدر الدين الحوثي هو اعتداء على القرآن؟

أنا مسلم، والإسلام ديني. أي شأن من شؤوني. عندما أتحدث عن الإسلام فأنا أتحدث عن شيءٍ يخصني، عن أمر من أموري، وعن عقيدة هي جزء من ضميري.

أنا لا أتحدث عن زوجاتهم ولا عن أثاث منازلهم!

لنتذكر هذه الحقبة التاريخية، كما كان المؤرخون يفعلون:
عندما دخل الحوثيون صنعاء، وسيطروا ببضعة آلاف على عشرات الملايين من الناس، كان وضع الناس قد صار وخيماً، وقد شوهدت مظاهرات إليكترونية عنيفة ضد كل من يقول “الإسلام دين عظيم” ولا يقرن ذلك بجملة: وكذلك هي كتب سيد قطب.

سابقاً تحدث مالك بن نبي عن “القابلية للاستعمار”، وكان يعني حالة المجتمعات قبل سقوطها في قبضة المستعمر الأجنبي. في تقدير بن نبي فإن جيوش المستعمر لوحدها لا تمنحه القدرة على تحويل البلدان إلى مستعمرات. هناك عنصر آخر أكثر حسماً: القابلية الداخلية للانهيار.

ذلك عندما تغرق المجتمعات في دوامات من الفوضى والخرافة وتأليه الأشياء والأشخاص، وتحاصر الأسئلة والبحث، وتتواطأ على ما هي عليه، وتستسلم للماضي، لكتبه وأشيائه ومصادفاته ..

م. غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version