توعية وتثقيف

خواطر وشجون فى موضوع الخبل والجنون…


خواطر وشجون فى موضوع الخبل والجنون

فى السنة الأولى من بعثتى فى سان بطرسبورج إلتحق بنفس الجامعة طالب مصري آخر سنسميه ‘M’. بعد عدة أيام من وصول ‘M’، إذا به يندفع إلى غرفتى ذات مساء وهو يترنح وعلى وجهه إبتسامة غريبه. قال بصعوبه “أطلب الإسعاف”، ثم إنهار على الأرض فاقد الوعي. هرعت إلى التليفون على مدخل المبنى حيث ساعدنى الحارس على طلب الإسعاف، ثم ألهمنى عقلى أن ألقى نظرة على غرفة ‘M’، فوجدت فيها علب أدوية فارغة متناثرة على الأرض. جمعتُ منها ما إستطعت فى عجلة وأعطيتُهم لرجال الإسعاف الذين وصلوا خلال دقائق.

أنقذ الأطباء فى المستشفى حياة ‘M’، ولما أصبح معافى بعد يوم أو يومين قال لهم إنه سيعيد محاولة الإنتحار فى أقرب فرصة تتاح له. حولوه إلى مستشفى الأمراض العقلية وشخّص طبيب نفسي الحالة بأنها مرتبطة بالبعد عن الوطن، وأوصى بإعادته إلى مصر فوراً. جاء من موسكو موظف من السفارة وإصطحب ‘M’ إلى مصر حيث سلمه إلى أهله. سمعت فيما بعد أنه إستأنف حياته هناك عادياً وكأن شيئاً لم يكن.

هذا عن ‘M’. أما ‘S’ فكان معيداً جاء للدراسات العليا . كان ‘S’ أحياناً يذهب إلى شارع Nevsky التجاري فى وسط البلد. يرى هناك جحافل من الناس تمشى فيُخيّل له أنهم يتبعونه. كان يعود مضطرباً وهو يتصايح “الروس يمشون ورائى! الروس يلاحقونى! … مرة أخرى جاء موظف من السفارة وإصطحب ‘S’ إلى مصر، حيث إستأنف حياته طبيعياً على ما أسمع.

كان عمرى فى ذلك الوقت ١٧-١٨ سنه، وكانت تلك أول تجارب لى مع الأمراض العقليه. يقول الخبراء إن الخلل العقلي أكثر شيوعاً مما نظن. وهناك نظرية تقول إننا جميعا ًعلى درجات متفاوتة من الخبل. كل ما فى الأمر أننا إتفقنا على أن هناك درجة مقبوله (هي طبعاً درجتنا،) وإصطلحنا على تسمية من لديهم هذه الدرجة من الخبل عقلاء. أما ‘M’ و ‘S’ فقد زادوا عن ذلك بعض الشيئ.

إريك كاندل (Eric Kandel) الأستاذ فى جامعة كولومبيا هو أحد مؤسسى علم المخ وحاصل على جائزة نوبل. يقول كاندل إن نحو ٢٠% من الأمريكيين لديهم خلل عقلي من نوع أو آخر. ليس بالمعنى الدارج (فلان دا رجل مجنون)، لا! بل بالمعنى الكلينيكى – أي أن حالاتهم قابلة للتشخيص طبياً. تفكر فى هذا: من كل ١٠ أشخاص تراهم، ٢ مخبولين رسمى! بشهادات طبيه.

مع ذلك يصر الأمريكيون، (فيما يبدو وكأنها حالة جنون جماعية،) على حرية بيع وشراء السلاح بلا قيود. أي شخص من ال ٢٠% الذين ذكرهم الدكتور كاندل يستطيع أن يقتنى أي عدد وأي نوع من الأسلحة – من المسدس إلى المدفع الرشاش، وكأنه يشترى كتاباً أو رابطة عنق. فى هذا العام وحده حدثت ٣١ حادثة إطلاق نار فى المدارس الأمريكية سقط ضحيتها ٦٥ تلميذ ومدرس ما بين قتيل وجريح. (هذا على الرغم أن المدارس كانت مغلقة جزءا كبيراً من السنة بسبب كوڤيد .) بالمقارنة لهذا الجنون الرسمى تبدو الترامبية وكأنها “لعب عيال” لا أهمية له.

الصورة أسفله هي كارت معايدة بمناسبة الكريسماس من توماس ماسى (Massie) عضو الكونجرس الجمهورى عن ولاية كنتاكى يتفاخر فيه بأن كل فرد فى أسرته (حتى الطفلة) يمتلك سلاحاً أوتوماتيكياً مصمماً للقتل بالجمله!


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫17 تعليقات

  1. علي الرغم من إتفاقي مع حضرتك في خطورة الأمر و لا شك في هذا لكني أستطيع رؤية الجانب الآخر من القضية في ضوء التعديل الدستوري الثاني الذي ينص علي حق المواطن في إمتلاك و حمل السلاح, و ربما لأني أيضا ما يقال له a responsible gun owner أمارس الرماية و الصيد بشغف منذ الصغر 🙂

  2. Yes Sir, I believe everybody got something wrong and different in his brain and depending on the severity and how it affects behavior and life style, we can deal with people, I believe that religion and religious guys have the extreme symptoms specially in Middle East and Egypt in special, My oldest is a psychiatrist and my uncle Prof.Dr. Malak Guirguis was the Pioneer of Mental health in Middle East and the very first Egyptian to get a Ph.D in this field from Wisconsin, Arms craziness in USA is another craziness with very little control.

  3. إستغربت كثيراً في أول زيارة لي لولاية إنديانا أن معظم المولات لديهم فيها أقسام لبيع السلاح بالمباشر وكأنها إحدى السلع الإستهلاكية كالثلاجات والتلفاز والطباخ وغيرها.

  4. You are absolutely right Dr Matta, there are semiautomatic rifles than can be fitted to be fully automatic and neither has any useful need in civilian life, current background checks do not screen for mental health, it is really a sad joke, just a questionnaire 😢

  5. اذكر انى قرأت منذ مدة ان مجالسهم النيابية بعد ازدياد حوادث اطلاق النار وقتل الابرياء ، راجعت قانون تملك الاسلحة ، وقررت تعديله .
    لكنى لم اتابع ماأنتهوا اليه ؟!

  6. د فريد الغالي
    الحقيقة بريطانيا مختلفة نهائي
    حتي شرطة الشارع لا يحملوا الا عصا كهربية…..وبيع السلاح ممنوع نهائي هناك……حسب ما اذكر

  7. ان إر ايه بتعمل سحب شهري للأعضاء جايزته ١٧ قطعة سلاح ناري متنوعة وخزانة حفظ بنادق وسيارة رباعية الدفع.. كنت عضوا بها وخرجت لدعمي المطالبة بضرورة ترخيص شراء السلاح.. ايضا ما اثار استغرابي انك لاتجد في محال لعب الاطفال سيف او بندقية بلاستيك لعبة او قوس وسهم.. اليس هذا انفصام!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى